هذا المقال الأخير لموسم رمضان 2016، فشكراً على الصبر، أتعبناكم. قدّمنا بالأمس رأياً حول مسلسلاتنا المفضّلة واليوم نختم بالخيبات، ويا للأسف، فهي كثيرة. ثمة مسلسلات آلمنا مصيرها، ولم نرد لها الانزلاق المفاجئ كـ"نص يوم" رغم نجاته في اللحظة الأخيرة. وأخرى بالغت في الخواء والتسطيح، وأصابت المُشاهد بالغثيان كـ"يا ريت"، فيما نوعٌ كارثي ضرب الموسم ونخره مثل سوسة تُفسد المحصول، مثل "جريمة شغف" و"باب الحارة" والتشوّهات المهووسة به.
بين الجيد والسيئ
صدمة رمضان بالنسبة إلينا، بعض حلقات "نص يوم" (تأليف بسام سلكا عن "قصص أجنبية" أكثر في النسخ منها من دون الإشارة إلى المصدر، إخراج سامر البرقاوي- "الجديد"، "أم بي سي دراما"). أحببنا العمل، لكنه لم يصنع مشاهداً وفياً لهذا الحبّ رغم صدق الأداء في الحلقة الأخيرة. بالغ البرقاوي بالقصّ واللصق، منفذاً بعض المَشاهد بمنطق هزلي باهت (لا نشاء العودة إلى المواجهة- المسخرة بين أسعد وزوجته أمام مروى)، ثم استعاد المسلسل إيقاعه وهو يطوي صفحته الأخيرة، فكاد أن يُنسينا كوارث الماضي. تيم حسن أداء تمثيلي عذب، لكنّ المسلسل في بعض حلقاته أساء إليه، ثم رفعه إلى المجد في الحلقة الأخيرة. أداء رائع للوجع في الأمعاء إثر التسمّم والروح إثر الحبّ. أضرّ التطويل سياقاً فقد بريقه، فقتله الارتباك بكيفية ملء الفراغات، إلى أن تنبّه إلى تدارك الوضع قبل فوات الأوان، فقدّم نهاية من اتقان وألم. نادين نسيب نجيم كمّلت بحضورها المسلسل وأضافت إليه، فتألّقت في بعض اللقطات لا سيما حين دقّ القلب في النهاية وأطلقت رصاصتها على الشر. شكّلت مع حسن وأويس مخللاتي في دور جابر ثلاثية جعلتنا نترك وراءنا التفكّك الدرامي. التمثيل اللافت فحسب، جعلنا نشعر بالحاجة إلى إنصافه ومدّ اليد له، وإن لم نصنّفه ضمن مسلسلاتنا المفضّلة. الرابح الأكبر أويس مخللاتي البارز جداً وسط البارزَيْن حسن- نجيم.
(الحضور التمثيلي اللافت).
"سمرقند" (كتابة محمد البطوش وإخراج إياد الخزوز- "المستقبل"، "أم بي سي دراما") من النوع المقبول، لكنّه فاض بالتطويل والهوس بالصورة التركية. نهوى العودة التاريخية إلى مراحل شكّلت بعض الذاكرة البشرية، لكن ليس على طريقة ما قدّمه عابد فهد في دور حسن الصباح ويوسف الخال في دور عمر الخيام. كلاهما لم يُقنع، بدا كأنّهما يسمّعان الدور أمام المرآة. دعك من البطولة النسائية الساذجة ومن المؤامرات والكيد والانتقام، وسائر الكليشيهات في غرف الجواري. رسالة المسلسل وحدها تجعله مقبولاً، رغم وعظها وأسلوبها الدموي المباشر. إنّها رسالة الاعتدال في مقابل الموت باسم الله، والحضّ على رفض الظلاميات بذريعة الفوز بالجنة. عابد فهد أدّى أدواراً تاريخية أعمق بإطار نصّ متقن لا يبالغ بالتلهّي بعوامل الجذب التجاري. هذا الدور، يا للأسف، عَجْزٌ عن التقدّم.
(عَجْزٌ عن التقدّم).
"مأمون وشركاه" (كتابة يوسف المعاطي، إخراج رامي إمام- "أم بي سي") طافح بالسذاجة. لدينا مآخذ على نصوص تؤطّر عادل إمام وتُبيّنه أسير لعبة تلفزيونية غرضها الكسب المادي. لكنّه على المستوى الكوميدي كاراكتير قادر على الإضحاك رغم استنزاف فرادته وعجز نصوص المعاطي عن تقديمه بصورة فنان المجتمع. كما العادة، زُجّ إمام بإطار إشكاليات سياسية واجتماعية باهتة قدّمها المسلسل بسياق سطحي (الإسلام- المسيحية، "داعش"، الدور الأميركي...). وإنما في الرجل ما يتيح الضحك من القلب. الضحكة تجعلنا نرفع المسلسل بامتعاض إلى الخانة بين الجيد والسيئ.
المسلسلات السيئة
"باب الحارة" (تأليف سليمان عبدالعزيز وإخراج ناجي طعمة- "أم بي سي"، "أل بي سي آي") ومتفرّعاته وما نتج عنه من تشوّهات تمجّد التخلّف والصوت الذكوري والثأر والانتقام لـ"الشرف" بتحليل سفك الدم. المسلسل بجزئه الثامن استماتة تجارية على الاستمرار رغماً عن مضمون خاوٍ وبطولات مفبركة ومُشاهد يشعر بالملل. باغته "خاتون" (تأليف طلال مارديني، معالجة درامية سيف رضا حامد وإخراج تامر إسحق- "أم تي في") وقدّم عنصر تشويق مغايراً: هرب خاتون (كندة حنا) مع الضابط الفرنسي كريم (يوسف الخال) وقَلْب حارة العمارة فوق رأس الزعيم أبو العزّ (سلوم حداد) وأولاده، لتُعود إلى الواجهة تفاهات الجَهَلة. لم يقدّم المسلسلان تيمة فنية قيّمة ليصحّ تصنيفهما في خانة مسلسلاتنا الجيد، ولم يمتلكا كيفية المعالجة وعمقها. مرّة أخرى، نحن أمام إعادة تدوير الموضوع المُستهلك مع تعمّد حقنه بالبريق المشهدي لضمان الجذب.
(عباس النوري في "باب الحارة").
نتابع، فلا يزال الدرب طويلاً. في "يا ريت" (كتابة كلوديا مرشليان، إخراج فيليب أسمر- "أم تي في") بشَّع دور إياد (مكسيم خليل) روح المسلسل، لا لأنه مستفزّ، بل لبلاهة طرحه. المسلسل من الأعمال التي تتبخّر تحت أشعة شمس ضئيلة. أثره الدرامي زائل، مبعثر، حضوره ثقيل في القلب. يلبس الممثل الحقيقي كلّ دور، لكنّ ماكسيم خليل بدا من دون لباس ومن دون دور. أمكن دور إياد أن يستقرّ في المُشاهد طويلاً، كونه امتداداً لعائلة لاجئة جمَّل حضورها المسلسل (لا سيما منى واصف في دور العمة شريفة، وسائر الحضور السوري في دور الأسرة الهاربة من الحرب)، ولذاكرة من ماضٍ حزين وصور مظلمة. المسألة ليست في طرح إشكالية الخيانة، بل في كيفية الطرح. لم يثبت النصّ قدرة على ملامسة عمق أي شخصية، باستثناء الدور الجديد المُعطى لوسام حنا، فأجاده لا سيما في اللحظات الأخيرة، إلى جميل حضور مارينال سركيس، الأم التي تشبه أمهاتنا. نهاية عادية لم تحمل لحظة إبهار. قتل مقابل قتل، ووداع بالجملة واعتراف مضحك بالحبّ في صفّ البيولوجيا. المسلسل حين انتهى، حمدنا الله على فرجه.
(وسام حنا تألق الحلقة الأخيرة).
"وين كنتي" مستمرّ إلى ما بعد رمضان وإلى ما يشاء التطويل والبطء. المسلسل (كتابة كلوديا مرشليان، إخراج سمير حبشي- "أل بي سي آي") مثل بالون يتراءى للآخر ممتلئاً، وهو في الحقيقة خواء وهواء. إنّه عمل وعظي، لغته مباشرة، يفتقد ذكاء تمرير الرسائل، رغم أبعاد اجتماعية نفتقدها عادة في المسلسلات، كان يمكن صوغها بإطار مقنع. بلاستيكية التمثيل قاتلة، ولنا عودة إليه، لربما غيّرت التطوّرات مستوى المعادلة المضروبة.
(بالون درامي فارغ).
أسوأ مسلسلات رمضان 2016، من دون الإحساس بالشفقة تجاهه أو الذنب، "جريمة شغف" (كتابة نور شيشكلي، إخراج وليد ناصيف- "الجديد"، "إيه آر تي حكايات"). قصي خولي أمام أحد أكثر أدواره تفاهة، كذلك نادين الراسي الواقفة بعجز أمام ذاتها، المتورّطة في دور جمانة بالتصنّع الساطع. فجأة، أصبح أوس (الخولي) نجم سينما، لا ندري على أي أساس جذب الجماهير. هو في الأصل يملك وظيفة واحدة: أن يجذب! حتى الأم وابنتها تتنافسان على قلبه! وفي النهاية، اخترقت رصاصة الانتقام جسده. قبعت نادين الراسي أكثر من نصف حلقات المسلسل في السجن، وحين خرجت منه كررت أمام المُشاهد بلاهة الثأر بطلقة رصاص. انتهى كلّ شيء بدراما مُتوقّعة (الرصاصة)، سهلة، نمطية، ستبقى تُذكر على أنّها جريمة تستحق أشدّ عقاب من دون تردّد.
النهار