اذا كان الهاجس الامني متقدماً كل ما عداه، اذ يستحيل اجراء انتخابات أو التنقيب عن النفط والغاز أو منع الانهيار الاقتصادي من دون وضع امني مستقر، فان "استقرار" الاجهزة الامنية يبدو أولوية في ظل الاخطار المحدقة بالبلاد، إن في الداخل مع وجود نحو مليوني لاجئ سوري وفلسطيني، أم عبر الحدود التي تحاصرها تنظيمات ارهابية ابرزها "داعش" و"النصرة". لكن ملفات الاجهزة الامنية فتحت دفعة واحدة وهي التي يعاني بعضها مشكلات داخلية وعدم استقرار كالمديرية العامة لامن الدولة، فيما تواجه المؤسسة العسكرية انتهاء مدة التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي تنتهي ولايته الممددة في 30 ايلول المقبل، ويحاول سياسيون، كما في المرة السابقة، تحويل هذه الورقة مادة ابتزاز سياسي. وتعدّ المديرية العامة لقوى الامن الداخلي العدة لما بعد استقالة مديرها العام اللواء ابرهيم بصبوص الذي يرغب في التقاعد، لكن عدم اتمام مرحلة خلافته يؤخر تلك الاستقالة، وقد عانت المديرية أخيراً فضائح مالية طاولت ضباطاً وافراداً.
وفيما تؤكد مصادر مطلعة ان التمديد لقائد الجيش واقع لا محالة اذا استمر الشغور الرئاسي على حاله، ولا يتبدل هذا الواقع الا بانتخاب رئيس يعمل على "تجديد" كل الاجهزة معاً لتناسب خطة عمله للسنوات الست المقبلة، ترفض مصادر عسكرية التحدث في الموضوع، وتقول إن البحث سابق لاوانه، خصوصاً ان ثمة مساعي للاتفاق على سلة متكاملة للحل، ومن الافضل حالياً عدم تناول الموضوع في الاعلام لانه قد يؤثر في معنويات العسكريين الذين يواجهون تحديات كبيرة في منطقة غارقة في الدماء.
وعلى رغم تأييد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع التمديد لقهوجي واعتباره ان "التيار الوطني الحر" لن يعترض على الخطوة، الا ان مصادر في التيار ترى ان لا موجب حقيقياً للتمديد وان التعيين ممكن. لكنها لا تحسم موقفها ربما من باب المناورة أو وضع سلسلة من المطالب في سلة واحدة. وتتخوف تلك المصادر من "تأجيل الموضوع الى اللحظة الاخيرة لوضعنا امام أمر واقع لا بديل منه".
أمن الدولة
اما ملف أمن الدولة، فراوح مكانك، بعد احالة نائب المدير العام للجهاز على التقاعد وعدم تعيين بديل منه. ومن المرجح ان تبدأ مرحلة ثانية بعد عطلة عيد الفطر فيعاود الوزراء المسيحيون الضغط في اتجاه حلّ هذا الملف.
وعلم من أوساط وزارية ان أي تقدم على هذا الصعيد لم يحرز، وان رئيس الوزراء تمام سلام ليس في وارد اتخاذ أي قرار في هذا الشأن في المدى القريب، على ان يصار الى معالجة ادارية داخلية بتكليف أحد الضباط تولي هذا المنصب بالوكالة في انتظار التوافق على مرشح يحظى بالتوافق السياسي عليه من جهة، والتفاهم على كل ملف الجهاز المطروح على طاولة البحث من جهة أخرى.
وقالت مصادر معنية لـ "النهار"إن المناورة لا تزال قائمة، خصوصاً أن العمل كان جارياً لتغيير المدير العام ونائبه، قبل ان يحال الثاني على التقاعد. وهي تعوّل على تقارب برّي – عون الذي قد يأتي بتسوية ما فتسير الأمور، أو يتفق الأطراف جميعهم على تسوية ما أو "تركيبة" تشمل التعيينات العسكرية في كل الأجهزة الأمنية.
واسفت المصادر لعدم دعوة الرئيس سلام المدير العام للجهاز اللواء جورج قرعة الى الاجتماع الأمني الأخير، لا لشخصه بل لما يمثله كمدير للجهاز، خصوصاً ان المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد تستدعي التعالي عن الخلافات، مع العلم ان الجهاز يعمل باللحم الحي في ظل استمرار حجب الاموال عنه.
قوى الامن
وفي المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، احتجاج صامت لم يبلغ حد الاعتراض بعد تعيين العميد نعيم الشماس رئيساً للاركان بدل العميد المتقاعد جورج لطوف. هذا التعيين الذي لم يراع الاقدمية والتراتبية العسكرية، ينذر بقرب استقالة المدير العام اللواء بصبوص الذي أبدى رغبته في الامر منذ أكثر من سنة، لكنه استمر في ممارسة مهماته بناء على تمنيات من مراجع عدة في انتظار تحضير مرحلة خلافته، وهو ما ترى مصادر امنية انه بات قريبا، وانه على الضباط التهيؤ لمرحلة جديدة.
شائعات امنية
امنياً، وفيما شددت القوى الامنية اجراءاتها في محيط المساجد، استمر سيل الشائعات التي تحذر المواطنين من سيارات مفخخة وانتحاريين، وقد نفت قوى الامن الداخلي الشائعات التي انتشرت أمس عن انتحاري في جبيل واخر آت من البقاع الى بيروت.
بعلبك والسلاح المتفلت
في غضون ذلك، نقل المطلوب حمدان علي صبحي جعفر (30 سنة) الى "مستشفى دار الأمل" مصاباً بجروح بالغة نتيجة اشتباك بينه وبين دورية من مخابرات الجيش التاسعة من صباح أمس، في مكمن نفذته الدورية عند مفترق بلدة ايعات – بعلبك.
وصدم جعفر الجندي ع. ا. بسيارته خلال عملية توقيفه محاولاً تجاوز الحاجز فحصل اطلاق نار بينه وبين أفراد الدورية مما ادى الى إصابته.
وفور شيوع خبر اصابة حمدان أطلق شقيقه أحمد النار على حاجز تابع للجيش في محلة الشروانة في بعلبك فأصيب المؤهل بشار ش .ع. في يده ونقل الى المستشفى.
وجعفر مطلوب بعشرات مذكرات التوقيف في قضايا منها خطف وسلب واطلاق نار، وكان قبل اسبوعين تمكن من الفرار من مكمن للقوى الامنية في سهل بلدة بوداي البقاعية.
وكانت قوة من الجيش دهمت فجراً منزل مهدي وهبي في محلة التل الأبيض قرب الشراونة عند مدخل مدينة بعلبك الشمالي وصادرت كمية من الأسلحة.
ويذكر أيضاً أن مجموعة من المسلحين نجحت قبل اسبوع في تهريب السجين ربيع ع. في محلة الشراونة في بعلبك بعد اعتراض سيارات في داخلها مسلحون، دورية لقوى الامن الداخلي داخل المحلة كانت تنتقل السجين عواضة الى سجنه في منطقة الشمال.
وعمد المسلحون الى قطع الطريق أمام الدورية داخل المحلة، فاصطدمت السيارة التي تنقل السجين بأحد اعمدة الكهرباء وأخذ السجين بقوة السلاح وسلب أفراد الدورية اسلحتهم الحربية واعتدى عليهم مما ادى الى اصابة احدهم بجروح بالغة في يده.
هذه الحوادث المتكررة تطرح مجدداً ملف السلاح غير الشرعي والمتفلت في ايدي المواطنين والعصابات الذين باتوا لا يكتفون بالسرقات، بل بات التعدي على الجيش والقوى الامنية أمراً معتاداً.