لا شك أن ما شهدته المنطقة في اليومين المنصرمين وعلى أعتاب عيد الفطر المبارك لا يمكن توصيفه إلا كحفلة من الجنون أو كعاصفة سوداء وريح صرصر في أيام نحس مستمر، تشبه تلك التي أصابت أقواما غابرة بعد لعنة إلهية نزلت عليهم بما قدمت أيديهم.
ففي العراق كان المشهد المأساوي هو الافظع حيث ضرب الارهاب الداعشي المتوحش منطقة الكرادة، فاختلطت أشلاء الأطفال مع ثياب العيد الموعودة، وتناثرت جثث عشرات الأبرياء بين الدخان والدمار، فتوقف الزمن هناك، وتبدلت الدنيا لدى مئات المارة الذين لا ذنب لهم إلا أنهم كانوا في اللحظة الغلط أو لانهم يعيشون في هذا الشرق الأسود حيث الكراهية والبغضاء في شهر يفترض أن يكون شهر الرحمة والمودة، ليلحق صراخ الأرامل في الكرادة بصراخ موصول بالقرب من مسجد الرسول الأعظم في المدينة المنورة حيث دوى هنالك أيضا انفجار آثم لا يقل حقدا وكراهية عن انفجار الكرادة وإن كان ضحاياه أقل عددا بفضل القدرة الإلهية، إلا أن الكره هو الكره وعظمة المكان المستهدف وقدسيته أذهلت ما تبقى من بعض عقل عند أصحابها في هذه البقاع من الدنيا.
وقبل الكرادة الحزينة والمدينة المجروحة كان لمطار اسطنبول حصته ومن قبلهم جميعا كانت قرية القاع اللبنانية الهادئة مسرحا لهذا الجنون المتفلت.
وانقسم الرأي العام الإسلامي والعربي حول تفسير ظاهرة الجنون هذه وإن كان المتهم واحدا والآثم واحدا وهو داعش إلا أن داعش هذه لم تعد تكفي لتصويب أصبع الإتهام إليها، بل يكاد يتحول هذا المتهم المجرم الى ما يشبه الشبح أو الستارة التي يراد منها إخفاء الصراع الحقيقي الدائر بين ايران من جهة وبين المملكة العربية السعودية من جهة ثانية، ويكاد يكون لكل طرف منهما داعشه الخاص من خلاله يمارس أفعاله الاجرامية ضد الآخر.
فكل يغني على دعشاه ، فلإيران داعشها الذي يقتل في تركيا وفي اسطنبول وفي الأردن وللسعودية داعشها الذي يقتل ويفجر في العراق وفي غير العراق ولنظام الأسد داعشها ولأميركا داعشها ولروسيا أيضا داعشها ولتركيا داعشها وطبعا وقبل هذا وذاك فإن لاسرائيل داعشها أيضا.
صار واضحا أن الصراع الحقيقي في المنطقة هو بين قطبي الرحى إيران من جهة والسعودية من جهة أخرى ، وأنّ قتالا خفيا يجري على قدم وساق بينهما تحت مسمى داعش، وأكاد أجزم ها هنا أن أبي بكر البغدادي هذا اللقيط المخابراتي الهجين لا يدري ماذا يجري من حوله وماذا يدور في المطحنة التي تفري عظام الأطفال ولحوم الأبرياء بإسمه، ولست هنا في وارد تبرئة هذا المجرم الصغير بقدر ما أرنو إلى محاولة توصيف ما يجري.
وعليه فإن أول خطوة حقيقية في السير الحقيقة باتجاه القضاء الحقيقي على هذا التنظيم الإرهابي المسمى داعش إنما يكون بمحاولة التقارب الايراني السعودي ليس إلا.
ومن دون هذه الخطوة المطلوبة بإصرار والتي أعرف كما يعرف الجميع أن دونها خرط القتاد فإن كل جهود مبذولة من الأحلاف الدولية ومن الأحلاف العربية وكل طائرات السوخوي وال أف 16 فإنها ستكون جهود بلا أية ثمار تذكر.
وإذا كانت الخطوة التقاربية بين ايران والسعودية هي مسؤولية تاريخية في عنق المسؤولين في البلدين فإن العبء الاكبر يقع هنا على كاهل الجمهورية الايرانية بأن تبادر هي على الإقدام خطوة إلى الوراء من أجل إيقاف شلال الدم بين المسلمين لأنها هي المعنية أكثر في إظهار روح الطمأنينة والثقة المفقودة بينها وبين الدول العربية بفعل محاولات تصدير الثورة، تماما كما فعلت مع الشيطان الأكبر والدول الغربية الكافرة والتنازلات التي قدمتها من أجل الوصول إلى الإتفاق النووي المعروف فإنّ من باب أولى أن تستعمل ديبلوماسيتها وابتسامة ظريفها مع إخوانها العرب.
فلا يكفي الحديث المطنب عن المؤامرة وعن خطط الأعداء وعن الفتنة ولعن من يوقظها، فيكفي قيادة البلدين أن يسمعوا كما سمعنا ونحن لما نزل نلمم جراحاتنا وننفض غبار الدمار عن جثث قتلانا المشلوحة على الطرقات.
ان اسرائيل تقف على جراحاتنا مزهوة فرحة لتعلن عن بناء وحدات سكنية جديدة في مستوطنة معاليم بالضفة الغربية وعددها هذه المرة 560 !