إبعاد الشبهات عن إستهداف "داعش" أو أخواتها لبلدة لبنانية حدودية مسيحية هي القاع ليس بريئاً في تقديرات المحللين، إذ أن القوى اللبنانية الداعمة للمعارضة السورية وجدت نفسها في حالة من الإحراج في مجتمعها أولاً، إذ لم تعد قادرة على الدفاع عن معارضة تفجّر بلدة مسيحية آهلة. ويقول محلل عسكري لـ"لبنان 24" إنّ الإشتباكات التي وقعت بين جبهة "النصرة" و"داعش" في الجرود ووضع "النصرة" لحاجز في وادي حميّد لمنع تسلل "الداعشيين" هو دليل إضافي على محاولة احتواء التداعيات الخطرة لخطّة متكاملة لم تتكشّف معالمها كلّها بعد.
وفي تقدير خبراء عسكريين للتفجيرات الإنتحارية التي وقعت في بلدة القاع الحدودية منذ أسبوع أن موجة العمليات الإنتحارية التي حصلت سوف تستمرّ ( إذا توّفر المناخ المناسب)، لأن المخطّط الذي تحمله "داعش" يقضي بتهجير القرى المسيحية وصولاً الى تلك الشيعية، ومنها الى القصير لقطع خطّ إمداد "حزب الله" الى العمق السوّري.
وإذا كانت الأنظار قد صوّبت مباشرة الى مشاريع القاع المجاورة المكتظة بالنازحين السوريين، فإن الهدف المرسوم بحسب خبراء استراتيجيين وعسكريين يقضي بقطع الطريق ما بين الهرمل ووسط البقاع، ولا سيما أن القاع تشكّل بموقعها خاصرة رخوة لـ"حزب الله"، لأنها تقع بين الهرمل والبقاع الأوسط وسقوطها يسقط حتماً الهرمل ويقطع بالتالي الطريق الى منطقة القصير، وسقوطها له فعل "الدومينو" الذي يسقط القرى والبلدات المسيحية الأخرى ما يتيح أيضا التوجّه صوب الشمال اللبناني.
هذه الخطّة "الداعشيّة" تأتي وسط إعلان الأمين العام لـ "حزب الله" السيّد حسن نصر الله أن حلب هي "أم المعارك"، وبالتالي فإن مهاجمة القاع من شأنه أن يلهي "حزب الله" فيضطر الى إعادة جزء غير يسير من قواته الى البقاع دفاعاً عن البلدات الشيعية وحفاظاً على مكاسبه في القلمون والقصير.
وبالتالي، يعتقد خبراء إستراتيجيون أنّ الموجات الإنتحارية لن تتوقف عند حدود الهجومات الثمانية، لأن إسقاط القاع يعني سقوط رأس بعلبك الموصولة بدير الأحمر والمرتبطتين بعيناتا ما يسهّل دخول "داعش" الى عكار في استعادة للمخطط القديم الذي كان إبان غزوة عرسال عام 2014 والتي أحبطها الجيش اللبناني، فعمد المهاجمون الى تبديل خطتهم نحو تفريغ المنطقة الشاسعة من السكان.
ويتوقع الخبراء أن يستمرّ "داعش" (الذي لم يتبنّ العملية رسميا بسبب فشلها بحسب المحللين) بهجوماته عبر موجات متتالية قد تستهدف قرى مسيحية أخرى بغية تهجيرها فتخلو الساحة لمحاربة "حزب الله" وبيئته هنالك بغية استنزافه لإلهائه عن معركة حلب.
وفي عملية تهجير المسيحيين (وهو هدف يرفضه تماماً رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع) تحقق "داعش" أيضا هدفها من إقامة "الدولة الإسلامية"، وتحقق ضرب وحدة لبنان إستكمالاً لمنطقها القاضي بتقسيم المناطق الى مناطق نفوذ مشرذمة كما هو حاصل في سوريا، ما يؤدي الى تعميم نموذج "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا ولبنان، ثمّ فإن المواجهة عبر البقاع تؤدي الى إرغام "حزب الله" على سحب مقاتليه لحماية خط إمداده عبر الهرمل الى القصير.
وإذا استمرّ "داعش" في مخططه فإن موجات التفجير ستطاول مناطق مسيحية أخرى عبر ضربات متكررة، وهنا أهمية التنبه للنازحين في مشاريع القاع وهي أراضٍ لبنانية متداخلة مع سوريا.
وتستبعد القراءة العسكرية أن تحقق "داعش" هدفها لأسباب عدّة أبرزها: تماسك الجيش اللبناني وإيمانه بالدّفاع عن الأرض وهو جيش يواجه حتى آخر قطرة دم. شراسة أهل القاع وهم "بعلبكيون أشاوس" مشهود لهم بخوضهم المعارك والحروب. ويشبههم أبناء المنطقة بأهالي بريتال ويقول خبير عسكري: هؤلاء ليسوا أهل البصرة لكي يسلّموا أسلحتهم بسرعة ويهربون. ويلفت الى أنه لا أحد يمكنه المزايدة على الجيش بالقتال وليس مطلوبا من الأهالي سوى أن يكونوا عيوناً للجيش لا أكثر.
لبنان 24