تشهد البلاد حركة متسارعة في اتجاه انتخابات رئاسية قد تحدث على حين غرّة اذا ما نجحت الجهود المكثفة التي يقوم بها بعض أقطاب السياسة لإزالة آخر العراقيل أمام وصول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا. وتقول مصادر رفيعة متابعة لهذه التحركات ومشاركة في بعضها أنّ انتخاب عون قد يكون وشيكاً بعدما نضجت بعض الظروف المؤاتية لهكذا تطور، ولو أن بعضها الآخر لا يزال يحتاج الى بلورة ومتابعة. وتضيف أنّ انتخاب رئيس قد اصبح حاجة ماسة لإحداث خضة إيجابية تنعش البلاد حتى ولو أنّه من غير المتوقع أن يدوم مفعولها طويلاً، اذ أن الاستحقاق الرئاسي لم يعد كافياً لإخراج البلاد من الحلقة المقفلة التي يدور فيها، بل أن تغييراً جذرياً للطبقة السياسية وللنصوص والقوانين قد أصبح إلزاميا لحلّ طويل الأمد.
وفي أبرز تفاصيل المساعي القائمة للتوصل الى مخرج للعقدة الرئاسية، تأكيدات من وحي أجواء "حزب الله" بأنّ لقاءً قد تمّ في الأيام الأخيرة بين الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله والنائب وليد جنبلاط، وهو في مقدّمة المندفعين على خط تسوية الرئاسة، بناء على طلب من الأخير كان قد سبق وتقدّم به الى كتلة " الوفاء والمقاومة" في هذا الخصوص اثناء الإفطار الذي أقامه الحزب منذ حوالي العشرة أيام في مقرّ كتلته. واذ تنفي الجهتان حصول أي لقاء بين الرجلين، تؤكد أوساط مقربة من حارة حريك أنّ الاجتماع قد تمّ الّا أنه بقي قيد الكتمان لتكثيف حظوظ نجاحه خصوصا أن لا توافق نهائياً حتى الساعة حول الاستحقاق الرئاسي. وتؤكد هذه الأوساط على ما يلي:
في 20 حزيران الفائت، أي اثناء إفطار كتلة "حزب الله"، طلب جنبلاط موعداً عاجلاً من نصرالله، مشيراً الى أنّ لديه بعض الأفكار والحلول يودّ طرحها عليه في موضوع الرئاسة، ورافضاً الإفصاح عنها، بل أنّه أصرّ على ضرورة أن يعرضها مباشرة على الأمين العام للحزب لمناقشتها معه دون سواه.
تمّ اللقاء العتيد في الأيام التي تلت الإفطار، وأبدى خلاله جنبلاط هواجسه من الحالة التي آلت اليها البلاد، مقترحاً أن يساهم هو في انتخاب عون في المجلس النيابي في جلسة تحضٓرها كتلة "المستقبل" ما يؤمن ميثاقيتها، ويضمن جنبلاط خلالها تصويت سبعة نواب من كتلته لصالح عون من أصل أحد عشر نائباً، على أن يقوم الحزب بدوره بإقناع أفرقاء 8 آذار بتأييد "الجنرال"، فيتمّ بذلك انتخاب عون، خصوصاً أنّ كتلة "القوات اللبنانية" سوف تصوت هي الأخرى في الاتجاه نفسه.
لم يسمع جنبلاط جواباً نهائياً على طرحه، ومردّ ذلك الى أسباب عديدة، قد يكون من ضمنها أنّ لجنبلاط مطالب وحسابات يريد تأمينها لقاء لعبه دور بيضة القبان في المعادلة التي طرحها، والتي يودّ الحزب درسها قبل المضي قدماً بمشروع الزعيم الدرزي حول الرئاسة.
الّا أنّ تريث الحزب، بحسب الأوساط، ناجمٌ عن اعتبارات أهمّ، أحدها رفضه أن يكون الرئيس المنتخب، أيّا كان، محسوباً على جهة سياسية دون سواها، بل أنّ "حزب الله" يشترط إجماعاً سياسياً على الرئيس قبل انتخابه، ما يتطلّب اذاً إقناع رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري بتبنّي ترشيح عون.
وأمّا الاعتبار الأهمّ لدى الحزب، فهو متعلّق لا برئاسة الجمهورية بل برئاسة الحكومة. فاقتراح الزعيم الدرزي يتضمّن ضمناً اتفاقاً مسبقاً حول وصول رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري الى السراي الحكومي مع انتخاب عون، وهي معادلة لا تلاقي صدى إيجابياً لدى الجهات المتشدّدة في "حزب الله"، التي تعتبر أن الحريري لا يمثّل الاعتدال السنّي خير تمثيل كما يدّعي، بل هو على حدّ قول هذه الجهات، معتدل غصبأ عنه، وبالتالي لا ترحّب بتوليه رئاسة السلطة التنفيذية في البلاد. وقد سبق لعون أن طرح على الحزب السؤال حول ما اذا كان "حزب الله" سيؤيد الحريري رئيساً للحكومة اذا سار هذا الأخير بترشيح عون للرئاسة، فسمع الجواب التالي: "نتحدّث في الموضوع في حينه."
القبول بالحريري ... بشروط
وتشير الأوساط الى أنّ "حزب الله" ليس الفريق الوحيد الذي لديه تحفظات على وصول الحريري الى سدّة الرئاسة الثالثة، بل النظام السوري أيضاً معارض للموضوع، وهو لا يزال يملك في حوزته مفتاحاً من مفاتيح القرار في لبنان.
وفي أي حال، فلن يقبل "حزب الله" بالحريري رئيساً للحكومة الا بشروط معينة وبتوجه سياسي مغاير لمواقفه التي تعتبرها أوساط الحزب "إلغائية"، وهو، أي الحزب، سوف يشترط على رئيس التيار الأزرق أموراً عدّة لقاء تأييده له، كالعودة الى معادلة السين- سين ( السعودية- سوريا) في القرارات المصيرية، وفي ذلك يكون الاتفاق على إلغاء تمويل المحكمة الدولية، والموافقة على قانون انتخاب على أساس النسبية وعلى بيان وزاري يكون بنده الأساسي، قبل الجيش والشعب والمقاومة، التسليم بأولوية مكافحة الإرهاب التكفيري.
وفي هذه الأجواء، تبقى الأمور غير واضحة بالنسبة الى امكانية التوصل الى حلّ في غياب ضغط غربي دولي على المعنيين بالاستحقاق الرئاسي يساعد في إنهاء الجدل حوله، وعلى وطأة الجهود الداخلية فقط، والتي، على أهميتها وجدّيتها، ما زالت تصطدم بعراقيل من العيار الثقيل. الا أنّ في محيط المبادرين الى ايجاد حلحلة للأمور، من جنبلاط الى رئيس حزب "القوات" سمير جعجع، وغيرهما من المراجع الرفيعة التي تعمل في الظلّ على هذا الملف، يسود جوّ من التفاؤل، ولو حذر وخجول، بأن المساعي قد تفضي قريباً الى انتخاب عون رئيساً بتوافق الجميع حوله، بما فيهم تيار المستقبل ولو بإخراج معيّن، كإعطاء الحريري حرية التصويت لنوابه في جلسة الانتخاب، الى غيرها من الأفكار التي تسيّر الأمور بسلاسة بعيداً عن إجواء التحديات السياسية.
وتعليقاً على ما اذا كان الحريري قد يمضي قدماً بعون حتى في غياب الضوء الأخضر السعودي في هذا الاتجاه، يقول مصدر رفيع معنيّ بالجهود القائمة على المسار الرئاسي أنٍّه يجب النظر الى الأمور بطريقة معكوسة، فليس للحريري شيء يخسره حالياً اذا اتخذ قراره بنفسه، نظراً إلى العلاقات الباردة مع المملكة وللضيقة المالية التي يعاني منها، والتي لا تبدو المملكة السعودية على استعداد لمساعدته على تخطّيها. فإذا سار بمعادلة رئاسية تأتي به الى رئاسة الحكومة يكون فعلياً قد أعاد وجوده ليس فقط على الخارطة السياسية الداخلية بل أيضاً على الخارطة السعودية، اذ انّ المملكة لا بدّ من أن تتعاون معه في هذه الحال بطريقة مختلفة، وعلى أساس أنه رئيس للحكومة وممثل للسنة في لبنان، اذ صحيح أن السعودية تتعاطى مع الأشخاص بحسب احتياجاتها وحساباتها متى التجأوا هؤلاء اليها، انما يكون التعامل معهم مختلفاً اذا ومتى عرفوا كيف يخلقون مواقعهم ويفرضون أنفسهم بأنفسهم.
أما داخليا، فيقول هذا المرجع، أن الحريري لا يزال حاجة وطنية ووجهاً سياسياً يعوّل عليه، وليس من مصلحة لأحد في إلغائه أو تخطيه في المرحلة الحالية.
لبنان 24