على رغم دخول البلاد في عطلة عيد الفطر غداً، وانكفاء السياسة نسبياً لتعودَ همومها بعد العطلة، ظلّ التهديد الإرهابي يشغل الاهتمامات والمتابعات، وأبقى الأجهزة الأمنية والعسكرية في حال جهوز تامّة، فضاعفَت إجراءاتها في الساعات الأخيرة، ونفّذ الجيش اللبناني مجموعة تدابير استثنائية حول دُور العبادة ومحيطها والطرقِ الرئيسة وأماكن التسوّق والمرافق السياحية، في مختلف المناطق اللبنانية. وفي تطوّر أمنيّ لافت، ضربَ الإرهاب أمس عشيّة العيد ثلاث مدنٍ سعودية. فمنذ فجر أمس أقدم انتحاريّ على تفجير نفسِه قرب القنصلية الأميركية في مدينة جدّة، فيما هزّ انفجاران مدينة القطيف شرق السعودية وتزامَنا مع انتحاريّ فجّرَ نفسَه قرب مقرّ أمنيّ عند الحرم النبوي في المدينة المنوّرة.
توازياً مع الهمّ الأمني، تقدّمَ ملف النفط أكثر فأكثر إلى الواجهة، وبدا لكثيرين أنّه حرّكَ الملف الرئاسي وولّد اقتناعاً لدى اطراف عدة، خصوصاً لدى المسيحية منها، مفادُه أنه إذا كان يجب الإسراع في استخراج الغاز والنفط، فالأَولى الإسراع في انتخاب رئيس جمهورية، لأنّ هذه القطاع هو قطاع استراتيجي ويتعلّق بالأجيال القادمة، مثلما هي الحال في دوَل الخليج، ولا يجوز أن تقرّه هذه الحكومة أو المجلس النيابي بغياب رئيس الجمهورية، وإلّا اعتُبر تغييباً للدولة وليس فقط للمكوّن المسيحي الذي لا يتجسّد في الدولة بالأحزاب، إنّما برئيس الجمهورية شخصياً.
«داعش» و«النصرة»
وفي مشهد يدلّ الى الخطر المحدق بالحدود، إندلعَت اشتباكات بين مسلحي «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش» في جرود عرسال ورأس بعلبك أمس، استُعملت فيها مختلف أنواع الاسلحة المتوسطة والثقيلة. وأفيدَ عن وقوع عدد من القتلى والجرحى في صفوف الطرفين. وسارعت «النصرة» إلى إقامة حاجز في منطقة وادي حميد.
وتُعدّ هذه الاشتباكات استكمالاً للحرب الدائرة بين الطرفين والتي بدأت منذ أشهر. والجدير ذكره أنّ الوجود الأساس لـ»النصرة» يتركّز في جرود عرسال، فيما تتمركز «داعش» في جرود رأس بعلبك، وكلّ مِن التنظيمين يحاول توسيعَ بقعة إنتشاره، وقد جاءت اشتباكات الأمس في هذا السياق.
مصدر عسكري
وأكّد مصدر عسكري رفيع لـ«الجمهورية» أنّ «الاشتباكات اندلعت في المناطق التي يحتلها الطرفان، ولم يقتربا من مراكز الجيش اللبناني أو يحاولا تنفيذ أيّ هجوم في اتجاه الحزام وخطّ الدفاع الذي يقيمه الجيش».
ولفتَ المصدر الى أنّ «الجيش اتّخَذ أقسى تدابيره لكي لا يستغلّ المسلحون الاشتباكات وينفّذوا عمليات تسلّل الى الداخل، أو أنّ تفرّ إحدى المجموعات وتحاول الاحتماء بالبلدات اللبنانية»، مشيراً الى أنّ «وحدات الجيش على أتمّ الجهوزية للتحرّك، فيما كانت المدفعية تراقب لتدكّ مواقعَ المسلحين في حال اقتربوا من المراكز العسكرية أو البلدات اللبنانية»، واعتبر أنّ «استمرار الإشتباكات بين المسلحين يصبّ في مصلحة لبنان، فبذلك يُنهي الإرهاب نفسَه بنفسه».
من جهة ثانية، أنهى الجيش اللبناني عمليات الدهم التي بدأها صباح أمس في منطقة مشاريع القاع، حيث صادرَ خلالها عدداً من الدرّاجات النارية وأوقفَ 35 من المخالفين وأطلق 25 منهم وأبقى على البقية رهن التحقيق.
ريفي تلقّى تهديداً
وعلمَت «الجمهورية» أنّ وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي تلقّى تحذيرات من جهاز أمني بضرورة اتّخاذ أقصى الاحتياطات الأمنية، حيث عُلِم أنّ مجموعة أمنية حضَرت إلى منطقة الشمال لرصدِه ومتابعة تحرّكاته.
حمّود لـ «الجمهورية»
وفي الوقت الذي لم تنتهِ التحقيقات في التفجيرات الانتحارية في القاع الى أيّ جديد متقدّم، أكّد المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود لـ«الجمهورية»: «أنّ التحقيقات جارية على أكثر من مسار، وما هو ثابت حتى اليوم انّ الإنتحاريين الثمانية هم سوريّون جميعاً وليس بينهم ايّ انتحاري من جنسية أخرى، وأنّ بعض الموقوفين في سجن رومية بتهَم إرهابية قد تعرّفوا إليهم، لكنّ أسماءَهم لم تظهر بعد، والتحرّيات جارية على اكثر من مستوى بحثاً عن هوياتهم، ما قد يسهّل الوصول الى حقائق إضافية».
قزّي لـ«الجمهورية»
وحضرَت التطورات الأمنية في البلاد في زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي لرئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، وفي زيارة وزير العمل سجعان قزي للعماد قهوجي في اليرزة.
وقال قزي لـ«الجمهورية»: «إعتبرتُ أنّ مِن واجبي أن أزور قائد الجيش في هذه الظروف، لا لنؤكّد دعمنا له، فهذا تحصيل حاصل، إنّما لنعبّر عن ارتياحنا الى الدور الذي يَلعبه الجيش بقيادته على صعيد حفظ الأمن من جهة، ومواجهة الإرهاب من جهة ثانية، واستباق كثير من العمليات التخريبية من جهة ثالثة.
وأكّدت له أنّ المرحلة الحالية هي مرحلة أمنية وعسكرية بامتياز وتَستدعي مِن كلّ القوى السياسية أن تدعم الجيش، قائداً وقيادةً وضبّاطاً وعديداً، من دون أيّ مزايدات أو ضغوط من شأنها تقييد تحرّك الجيش في هذه المنطقة أو تلك، أكانت حدودية أم داخلية».
الإرهاب يضرب السعودية
وفي تطوّر أمنيّ لافت، تنقّلَ الإرهاب منذ فجر أمس بين ثلاث مدن سعودية، ففجّرَ انتحاريّ نفسَه أمس قرب القنصلية الأميركية في مدينة جدّة، وهزّ انفجاران مدينة القطيف بالتزامن مع انتحاري فجّر نفسَه قرب مقرّ أمنيّ عند الحرم النبوي في المدينة المنوّرة.
سعَيد
وتوقّفَ منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد عند التفجيرات التي شهدَتها السعودية، وقال لـ«الجمهورية»: «ما حدثَ استثنائيّ، فقد ثبتَ استهداف الإرهاب الأماكن المقدّسة للمسلمين، وبالتحديد الحرَم النبوي الشريف، ما يؤكّد أنّ هذا الإرهاب يستهدف المقدّسات الإسلامية، وبالتحديد في المملكة العربية السعودية، ويتّهمها بأنّها دولة إسلامية غير مطابقة للمواصفات.
وجاءت التفجيرات في المملكة لتضيفَ الى اسطمبول وبغداد ودكا استهدافاً إسلامياً إضافياً في شهر رمضان، وبالتالي استهدافُ بلدة القاع في لبنان هو على طريق سلسلة من الاستهدافات الإرهابية بعيداً مِن استهداف المسيحيين، فهو استهدافٌ لبلدة لبنانية. نتقدّم بالتعازي من المملكة ونَعتبر أنّنا في القاع وأورلندو وباريس وبروكسيل والمدينة المنوّرة واسطمبول وبغداد في معركة واحدة».
سلام
وكان رئيس الحكومة تمام سلام قد قال في رسالة إلى اللبنانيين لمناسبة عيد الفطر إنّ «المعركة مع الإرهاب طويلة، ومِن شروط الانتصار فيها عدم الاستسلام للهَلع الذي يريد الإرهابيون زرعَه في نفوس اللبنانيين، أو الانقياد الى الفتنة التي يسعون منذ سنوات إلى جرّ البلاد إليها».
زهرا لـ«الجمهورية»
وفيما تستعدّ البلاد بعد العيد لمواجهة مجموعة تحدّيات، قال عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا لـ«الجمهورية»: «إنّ المرحلة هي مرحلة مراوحة للأسف، وكلّ الوعود التي أطلِقَت أخيراً لا تستند إلى تطوّرات واقعية وفعلية تُطَمئن اللبنانيين، وأسوَأ ما وقَعنا فيه هو البَلبلة الأمنية على مداخل الصيف الذي كان واعداً، ما يذكّرنا بالسنوات السابقة، وكأنّ هناك من يحاول إفقارَ اللبنانيين لتوظيفهم في مشروعه».
حوري لـ«الجمهورية»
مِن جهته، حدّد عضو كتلة «المستقبل» النائب عمّار حوري «أربعة تحدّيات تتقدم على ما عداها»، وقال لـ«الجمهورية»: «إنّ التحدّي الأكبر يبقى التحدّي الأمني، والمطلوب مؤازرة الجيش والقوى الأمنية بمواجهة الأخطار.
وهناك التحدي الدائم المتمثّل بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، أمّا التحدّي الثالث فهو تفعيل عملِ المؤسسات الدستورية، سواءٌ الحكومة أو المجلس النيابي، وأخيراً ضرورة إيجاد حلول للقضايا الاقتصادية».
نقولا لـ«الجمهورية»
وأكّد النائب نبيل نقولا لـ«الجمهورية» أنّ «الوضع الأمنيّ هو التحدّي الذي يحتلّ الأولوية، ثمّ رئاسة الجمهورية التي تبقى التحدّي الكبير، وهل يَقبل الرئيس سعد الحريري بالحلّ المطروح والذي بات تقريباً على نارٍ ليست بخفيفة، وذلك رأفةً بالبلد، أم أنّه سيظلّ رافضاً؟».
وقال مصدر في فريق 8 آذار لـ«الجمهورية» إنّ «هناك قضيتين رئيسيتين تحتلّان سلّمَ الأولويات، وهي أوّلاً: التحدّيات الأمنية، فالأمن لا يمكن أن يستقرّ إلّا باستقرار الوضع السياسي، لأنّ عدم الاستقرار السياسي يهدّد الامن وينعكس سلباً عليه.
أمّا القضية الثانية فتتمثّل في الجمود الحاصل وتمييع الوقت عند المتحاورين الذين يضعون اللبنانيين في كلّ مرّة أمام محطة أمل، فتؤجّل بالتالي الحلول وبنحوٍ مستمرّ، ولا نصل الى اتّفاق على رئيس جمهورية ولا على قانون الانتخابات النيابية.
وبالتالي فإنّ المؤسسة التشريعية مدمّرة وشاغرة». وذكّرَ المصدر «بالملفّ المعيشي ولقمة عيش المواطن في ظلّ تفاقمِ الدَين»، معوّلاً على «انفراج اقتصادي نسبي بمجرّد أن نسير في ملف النفط» .
ملفّ الإنترنت
وفي جديد ملف الإنترنت غير الشرعي، وتعليقاً على ردّ قاضي التحقيق في بيروت فادي العنيسي الدفوع الشكلية التي تقدّمَ بها المدّعى عليهم في هذا الملف و«غوغل كاش» لعدم قانونيتها، وهم كلّ مِن عبد المنعم يوسف وتوفيق شبارو وغابي سميره، قال القاضي حمّود لـ«الجمهورية» «إنّ الأمور لن تنطلق بالسرعة التي ينتظرها البعض»، وتوقّعَ أن يلجأ المدعى عليهم الى استئناف القرار، ما سيؤدّي إلى إحالته إلى الهيئة الإتّهامية لتقولَ كلمتها الفصل فيه».
وعن توقّعاته لاستحقاقات ما بعد عطلة عيد الفطر، أوضَح حمود أنّه سيذكّر هيئة «أوجيرو» بطلبِه السابق تحديد نوعية المعدّات المستخدمة في محطات الاستقبال الخاصة بالإنترنت ووجهة استخدامها، والتي تمّ تفكيكُها في الجرود، لتبيان طريقة إدخالها الى لبنان والوسائل الملتوية التي استُخدمت في تهريبها من دون وجهِِ شرعي، الأمر الذي قد يؤدي الى تجديد التحقيقات في أجهزة الجمارك والمراجع المعنية بمثلِ هذه الحالات لتبيان الحقائق، علماً أنّ بعض مستخدميها هم في السجن وآخرين ما زالوا أحراراً رهن التحقيق.
ولذلك، من المتوقع أن يجري تعديل المهَل التي اقترحَها القضاء مبدئياً في حال استئناف وكلاء الدفاع، بانتظار أن تبتّ الهيئة الاتّهامية في طلباتهم، عِلماً أنّ القاضي العنيسي قرّر متابعة التحقيق في الملفّ مِن النقطة التي وصَل إليها، في الجلسة التي حدّدها في 13 تمّوز الجاري.