ما يُريد الجميع أن يفهمه هو: هل ضربات «داعش» في القاع ترتدي طابعاً عسكرياً أو أمنياً؟ في عبارة أخرى: هل تستهدف «داعش» البلدة فقط، في محاولة لإسقاطها وتوسيع نفوذها في مثلث النفوذ الحدودي («داعش»- الجيش اللبناني- «حزب الله» وجيش الأسد)، أم انّ ضرب القاع هو مدخل لعملية ترهيب شاملة في كل لبنان؟
التحذيرات والمعلومات التي وزّعتها الأجهزة الأمنية والعسكرية قبل تفجيرات القاع بأسابيع عن عمليات إرهابية محتملة واغتيالات في مناطق عدة، تُرجّح الفرضية الأمنية لا العسكرية. وفي هذه الحال، يمكن القول إنّ «داعش» ضربت في القاع لزعزعة الأمن اللبناني لا أكثر، وهي اختارت البلدة لأنّها الأقرب إليها جغرافياً، ولأنها «خاصرة رَخوة» في البقعة الحدودية.
وإذا صحّت هذه الفرضية، لا يكون المقصود محاولة إسقاط القاع عسكرياً واحتلالها، خصوصاً أنّ هذه المهمة تبدو شبه مستحيلة لسبَبين: الأول هو إصرار الجيش على حماية البلدة، والثاني هو أنّ القوى الدولية تعتبر سقوط أيّ منطقة لبنانية في يد «داعش» خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، ولو اضطرت قوات التحالف إلى التدخل بالطيران في لبنان لمنع ذلك.
وهنا يجدر التعمّق في حجم المعلومات التي أورَدتها المراجع الأمنية والعسكرية عن عمليات محتملة في مناطق مختلفة أو عن عمليات جرى إحباطها. كما يجدر التوقف عند التباين الحاصل في هذه المعلومات، وفقاً لمصادرها. وثمّة من يقول إنّ هذا التباين ليس مجرّد «اختلاف مهني» في التقويم، بل ربما يحمل اختلافاً في التوجّه السياسي أيضاً.
ففي بعض الأحيان، كان اتجاه البعض إلى التخفيف من حجم المخاطر المتوقعة وحساسية المواقع المستهدفة، فيما جاء بيان الجيش واضحاً: مرفقان سياحي وتجاري. ثم رشح أنّ كازينو لبنان ومجمّعاً تجارياً في الحازمية هما المرفقان المقصودان.
ويعتقد البعض أنّ «داعش» ربما تسعى إلى تحقيق الهدفين العسكري والأمني في الوقت عينه، أي إنه لا تعارض بين الهدفين: إحتلال القاع والبلدات المسيحية المجاورة لتوسيع مواقعها، والقيام بجولة ترهيب وزعزعة للاستقرار في مناطق مختلفة. وهذا السيناريو، إذا كان صحيحاً، سيكون الأول من نوعه في لبنان.
فحتى اليوم لم تقم «داعش» بحملة ترهيب شاملة على المستوى اللبناني الكامل، بل كانت لها مواجهات مع الجيش في عرسال، في آب 2014، عندما تمّ خطف العسكريين اللبنانيين. كما أنّ «داعش» لم تستهدف قبل اليوم بلدة مسيحية في لبنان.
حتى الآن، لم تتضح أهداف «داعش»، والغالبية في لبنان ضائعة: الناس والسياسيون وحتى معظم الأجهزة الأمنية والعسكرية. ولكنّ المثير هو أنّ الجميع يتحدث عن «داعش» ودورها فيما هي لم تعلن حتى اليوم مسؤوليتها عن العمليات، خلافاً لما تقوم به عادة في حالات مماثلة.
البعض أخذ على الوزيرة أليس شبطيني قولها بعد تفجيرات القاع: «ليس حتمياً أنّ «داعش» هي التي نفّذت العمليات. وربما هو الطابور الخامس الذي حذّرنا منه قبل أيام، بعد تفجير مقرّ بنك «لبنان والمهجر». وكانت شبطيني قالت يومذاك: «حزب الله» أذكى من أن يتورّط في هذا التفجير، وأخافُ من طابور خامس».
وخلافاً للانطباعات التي ووجِه بها كلام الوزيرة، القاضية الخبيرة في الأمور الجنائية، فإنّ هذا الكلام لا يمكن استسهاله. ولكن، يجدر السؤال، خصوصاً في ظل عدم تبنّي أي جهة حتى اليوم عمليات التفجير الانتحارية: ألا يمكن أن تكون «داعش» في هذه الفترة هي نفسها «الطابور الخامس» أو أنها أحد «الطوابير»؟
أيّاً تكن الإجابة، فإنها لا تنفي حال الرعب التي تعمّ لبنان حالياً. ومن هنا السؤال: أليس طبيعياً أن يكون الرعب حافزاً لبنانياً لتعجيل الدخول في التسويات السياسية التي يدعو إليها الرئيس نبيه بري، والقاضية بإنجاز سلّة متكاملة؟ وهل من الضروري أن يكون الرعب والفوضى هما القاسم المشترك بين كل محطات التسوية حتى اليوم:
- الطائف 1989: فراغ رئاسي وحكومتان وحرب لبنانية- سورية.
- الحلف الرباعي 2005: صراع حول الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب واغتيالات.
- تسوية الدوحة 2008: لبنان بلا رئيس وأزمة حكومة ومجلس نيابي ومواجهة «شبه عسكرية» في 7 أيار بعد اعتصام في قلب بيروت.
واليوم، ومع كل الاهتراء الدستوري والسياسي والاقتصادي، جاءت «داعش» تكمل الصورة بالترهيب الأمني!
ففي ظل هذه الانهيارات الشاملة، هل يجد اللبنانيون أنفسهم مضطرّين إلى تسوية ظرفية، أي «ميني تسوية»، شبيهة بالدوحة، ريثما تنضج الظروف الإقليمية الكبرى فتفرض حلولاً نهائية؟
وفي عبارة أخرى، هل تكون المفارقة، هذه المرّة، أن تنضج التسوية اللبنانية على نار الترهيب الذي تتولّاه «داعش»، في غياب أي نارٍ أخرى؟