تعيش محافظة درعا (جنوب سورية)، منذ حوالى العام، حالة تخبط وفوضى أمنية تشمل عمليات تصفية واغتيالات إلى جانب مواجهات بين فصائل "الجيش السوري الحر" وأخرى متهمة بالانتماء إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وسط جمود نسبي على جبهات القتال مع قوات النظام السوري التي لا تكف عن قصف مناطق في المحافظة بشكل شبه يومي.
وفي أحدث حلقات حالة الفوضى والتخبط الأمني، يقول ناشطون ميدانيون إنّ انتحاريين فجّرا دراجتين مفخختين في مدينة إنخل، ما أسفر عن مقتل ستة من القادة العسكريين في "الجيش الحر"، إضافة إلى زوجة أحدهم وابنه واثنين من أقاربه. كما انفجر مستودع للوقود في مدينة نوى أسفر عن إصابة عدد من المدنيين. كما قتل مسؤول كتيبة الهندسة في جيش الأبابيل، علي الحلقي، إثر انفجار عبوة ناسفة حاول تفكيكها، كانت قد زرعت على مدخل المسجد الكبير في مدينة جاسم.
"
اشتباكات واعتداءات، وعمليات اغتيال وخطف، وتبادل اتهامات بين فصائل معارضة في درعا
"
ووقعت، قبل يومين، اشتباكات واعتداءات بين بلدتي انخل والحارة المتجاورتين تخللها عمليات خطف وتخريب قبل أن تتوقف نتيجة جهود بذلتها حركة "أحرار الشام" وبعض المشايخ في المنطقة. كما حصلت خلال الأيام الأخيرة عمليات قتل وخطف متبادلة في بعض المناطق بعد اتهامات لأشخاص من عائلة المسالمة بقتل شخص من عائلة الزعبي.
كما أعلن "جيش اليرموك" (أحد أكبر فصائل الجيش الحر في درعا)، أن عصابة مؤلفة من أربعة أشخاص فتحت النار، يوم الجمعة الماضي، على أحد حواجزه قرب بلدة السهوة في ريف درعا الشرقي، وقتلت ثلاثة منهم، قبل أن تتم مطاردة الفاعلين وحصارهم في مزرعة قريبة من المنطقة، حيث فجر أحدهم نفسه بحزام ناسف، ليقتل هو وعنصر آخر، بينما قبض على واحد منهم. وجاء ذلك، بعد ساعات من اغتيال قائد لواء أحفاد عمر، منجد الزامل، في بلدة الحارة، وتفجير مستودع للدبابات يتبع لجيش الأبابيل في مدينة جاسم، وهي عملية تبناها "جيش خالد بن الوليد" المتهم بعلاقته مع تنظيم "داعش". وأسفرت عن تدمير ثلاث دبابات وثلاث عربات بالإضافة لمدفع وناقلة دبابات، بحسب بيان منسوب لـ"جيش خالد بن الوليد".
كما حصل خلاف، الأسبوع الماضي، بين أهالي بلدة المليحة الشرقية، في ريف درعا الشرقي، ومجموعة تتبع لتشكيل ألوية العمري، راح ضحيته أربعة قتلى من الطرفين، قبل أن تتم تسوية المشكل بجهود من دار العدل في حوران. كما تدخلت دار العدل لتسوية خلاف نشب بعد مقتل أحد قياديي "لواء توحيد الجنوب"، سعيد المسالمة، على يد مجموعة تتبع لـ"جيش اليرموك" على الشريط الحدودي مع الأردن، بعد تبادل لإطلاق النار بين الفصيلين. وقضى مقاتل في صفوف "الجيش الحر"، وأصيب أربعة، الأسبوع الماضي، جراء خلافات بين مقاتلي المعارضة في بلدة صيدا الخاضعة لسيطرة "الجيش الحر" بريف درعا الشرقي.
عدنان علي: العربي الجديد
وتشهد المحافظة منذ أسابيع نزاعات وحالات اقتتال داخلي في أكثر من منطقة، ترافقت مع اتهامات متصاعدة للفصائل المسلحة بالتراخي الأمني، والانخراط في نزاعات محلية وعشائرية بعيداً عن جبهات القتال مع قوات النظام السوري. وفي تعليقات ساخرة، يقول ناشطون ميدانيون إنه "بالنظر لكثرة الخلافات والاشتباكات بين المناطق المتجاورة، فإن البلدة المنتصرة في هذه التصفيات بالريف الغربي ستتقابل في الدور النهائي مع البلدة المنتصرة في الريف الشرقي من المحافظة".
ويرى الناشط بهاء الحوراني في حديث لـ"العربي الجديد" أن هناك قوى داخلية وخارجية تعمل على زرع الفتنة والانشقاقات بين أبناء المحافظة وفصائلها المسلحة، مستغلة أي خلاف لإثارة النعرات المناطقية والعشائرية بهدف حرف السلاح عن وجهته الأصلية ضد قوات النظام والعناصر المتطرفة، وتوجيهه إلى الاقتتال الداخلي. ويدعو الحوراني الناشطين وقادة الرأي في المحافظة إلى زيادة جهودهم لتوعية المجتمع من مخاطر الاقتتال الداخلي، ودعم دور محكمة دار العدل، ومساعدتها لتكون المرجعية الأمنية والقضائية في المحافظة، فضلاً عن ضرورة تنشيط الجبهات مع قوات النظام.
"
يحشد 2500 مقاتل إلى جانب النظام، من جنسيات مختلفة، في المنطقة الفاصلة بين محافظتي ريف دمشق ودرعا تمهيداً لاقتحام ريف درعا الشمالي
"
وفي مسعى للحد من هذه الظواهر، قررت محكمة دار العدل في حوران مصادرة أي سلاح يستخدم في الخلافات المحلية، وحمّلت قادة الفصائل عواقب استخدام السلاح في الخلافات والشجارات. ويقول ناشطون ميدانيون إنه "سقط خلال شهر يونيو/حزيران الماضي أكثر من 15 قتيلا بسبب خلافات وشجارات تقع على الأغلب بين أشخاص مدنيين، لكنها سرعان ما تنتقل إلى الفصائل المسلحة بسبب الطابع العشائري للمحافظة". ويعزون هذه الظاهرة إلى "انتشار السلاح بشكل كبير بين جميع المواطنين، ما يجعل أي خلاف بسيط يتحول إلى صدام مسلح، سرعان ما تتورط فيه الفصائل المسلحة العاطلة عن العمل حالياً، بسبب ركود الجبهات مع قوات النظام"، وفقاً لهؤلاء.
وخلال الأشهر والأسابيع الأخيرة، أثيرت الكثير من التساؤلات حول أسباب جمود جبهات القتال مع قوات النظام في محافظة درعا التي توصف بأنها مهد الثورة، وكانت حتى وقت قريب مضرب المثل في انضباطها، وتوحدها في مقاتلة قوات النظام. وعلى الرغم من النداءات التي توجهها، باستمرار، بعض القوى والشخصيات في المعارضة لتحريك الجبهات بغية تخفيف الضغط عن المناطق الأخرى المشتبكة مع قوات النظام، بما في ذلك خروج تظاهرات في المحافظة، تطالب قادة الفصائل بالتوحد لمواجهة النظام، ظلّ الوضع الميداني على حاله. وأخفقت فصائل المعارضة في إحراز أي تقدم في المحاولات المحدودة التي قامت بها قبل أشهر، وكان آخرها ما سُمّي بـ"عاصفة الجنوب" التي مُنيت بفشل ذريع.
فشل يبدو أن النظام وحلفاءه يستغلونه بشكل مناسب لمصلحتهم، إذ تشير الأنباء الواردة من الجنوب السوري إلى حشود عسكرية يقوم بها النظام في المنطقة الفاصلة بين محافظتي ريف دمشق ودرعا تمهيداً لاقتحام ريف درعا الشمالي، مستغلاً حالة الفوضى الأمنية التي تعيشها المحافظة. وقالت مصادر ميدانية إن مقاتلين من حزب الله وإيرانيين وأفغاناً يشاركون في هذه الحشود التي زاد عديدها على 2500 مقاتل، وفق هذه المصادر.
ويمكن وصف المشهد الميداني في المحافظة، اليوم، باشتباكات متقطعة بين فصائل المعارضة والنظام في بعض المناطق تترافق غالباً مع قصف جوي من جانب طائرات النظام، لكن من دون تقدّم على الأرض. يضاف إلى ذلك، الحملة الممتدة منذ أشهر من جانب بعض فصائل المعارضة ضد القوى المبايعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الريف الغربي من المحافظة، وفي مقدمتها فصيلا "شهداء اليرموك"، و"حركة المثنى" اللذان اندمجا، أخيراً، في تشكيل جديد، أُطلق عليه "جيش خالد بن الوليد".
"
غرفة "الموك" قطعت الدعم العسكري عن "جيش اليرموك"، ولا تقدم له سوى رواتب المنتسبين إليه
"
واللافت أخيراً، صدور تصريحات من بعض قادة الفصائل في درعا تتحدث عن أنّ الأيام المقبلة ستشهد إطلاق معارك كبرى ضد قوات النظام في المحافظة. وجاء ذلك على لسان رئيس دار العدل في المحافظة، الشيخ عصمت العبسي، وقائد "جيش اليرموك"، سليمان الشريف، الذي توقّع تصعيداً كبيراً ومرحلة عسكرية أقوى مما كانت عليه العام الماضي. يصف الشيخ العبسي، لـ"العربي الجديد"، ما نُسب إليه من تصريحات، بأنّ "جبهات المعارضة السورية مع قوات النظام ستشتعل مرة أخرى، خلال الأيام القليلة المقبلة"، بأنّه "كلام غير دقيق". ويقول إن "هناك وعوداً كثيرة من قادة الفصائل العاملة في الجنوب، بمن فيهم الموجودون في الجبهة الجنوبية، بالإعداد لمعركة كبيرة ضد النظام"، لكن ليس لديه تفاصيل حول هذه المعركة.
وحول الاتهامات الموجهة لمحكمة دار العدل بالتقصير والإهمال في ضبط الوضع الأمني المتراخي في المحافظة، يقول العبسي إن دار العدل تبذل كل ما بوسعها لضبط الأوضاع الأمنية المنفلتة، لكنها بالنتيجة ليست فصيلاً مسلحاً، بل تعكس التوافق والتنسيق بين الفصائل. ويضيف أن الوضع في درعا غير مريح بسبب كثرة الخلافات. ويشير العبسي إلى عدم تعاون قادة الفصائل مع دار العدل، إذ لا يلبي دعوتها لأي اجتماع سوى نحو 15 في المائة من فصائل درعا، ولا يدعمها بشكل جدي سوى عدد محدود من الفصائل.
غير أنّ ضابطاً رفيع المستوى في "جيش اليرموك" يقلّل من أهمية تصريحات الشريف، ولا يتوقع أية عمليات عسكرية هجومية ضد قوات النظام في محافظة درعا قبل شهرين على الأقل، نظراً لعدم جهوزية "الجبهة الجنوبية" لمثل هذه العمليات. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "جيش اليرموك، وهو أكبر الفصائل المسلحة، قد يكون مستعداً للقيام بعمل عسكري كبير ضد قوات النظام حالما ينتهي من تدريب وتجهيز لواء الاقتحام"، مشيراً إلى أن "التنسيق بين فصائل الجنوب في أدنى مستوياته، ولا يتم إلّا بشكل شخصي، أو بين الفصائل القريبة من بعضها
"
تسيطر فصائل المعارضة على ثلثي محافظة درعا
"
ويؤكد الضابط أن غرفة "الموك" قطعت الدعم العسكري عن "جيش اليرموك"، ولا تقدم له سوى رواتب المنتسبين إليه. ويعزو أسباب جمود الجبهة الجنوبية إلى أنه "لم يبق في منطقة حوران أهداف صغيرة يمكن مهاجمتها بيُسْر، وما بقي من مواقع قوية ومحصّنة تحتاج مهاجمتها إلى تعاون جميع الفصائل، لكن هذه الأخيرة تتعرض للانشقاقات بتحريض دولي، وبعضها الآخر حيادي أو سلبي يتلقى فقط العتاد والسيارات والأسلحة من دون أن يقوم بأي عمل"، على حدّ تعبيره. كما عزّزت سلسلة الاغتيالات الممنهجة، في محافظة درعا من أغسطس/آب العام الماضي وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2015، الانشقاقات والعمل المنفصل لهذه الفصائل، بسبب سياسة التخوين. ويعتبر أنّ الأمر يتعلق أحياناً بضغوط خارجية، وأحياناً أخرى بسوء إدارة وتنسيق من جانب قادة الفصائل، فضلاً عن ظهور "داعش" في الريف الغربي، والذي يستهلك التصدي له، الكثير من إمكانيات الفصائل في الجنوب.
وفي خريطة القوى في محافظة درعا اليوم، تسيطر قوات النظام على مركز مدينة درعا، أي درعا المحطة والقسم الأكبر من حي المنشية في درعا البلد، وكذلك على كل من مدن الصنمين، وأزرع، والمسمية، وغباغب، ومحجة، وقرفا، وخربة غزالة، والشيخ مسكين، وعتمان، بالإضافة إلى بعض القرى المحيطة بتلك المناطق، ومن ضمنها الطريق الدولي درعا ـ دمشق وصولاً إلى الحدود الإدارية مع ريف دمشق. في المقابل، تسيطر فصائل المعارضة على الحدود الإدارية مع المحافظات المجاورة لدرعا، وهي السويداء شرقاً، والقنيطرة والجولان المحتل غرباً، بالإضافة إلى المعبرين الحدوديين مع الأردن. وبشكل عام، تسيطر قوات النظام على نحو ثلث المساحة الإجمالية لمحافظة درعا، مقابل الثلثين لفصائل المعارضة.