التقارب السريع بين روسيا وتركيا، دفع كثيرين إلى تغليب نظريات «المؤامرة»، وأشار بعضهم في موسكو إلى «ترتيبات» و «تفاهمات» سبقت المشهد الذي قَلَبَ المعادلات وفتح صفحة لحسابات جديدة في سورية والمنطقة.
ثمة من يقول أن وفوداً «غير رسمية» متبادلة بين الجانبين الروسي والتركي مهّدت الطريق للمخرج الذي بدأ برسالة اعتذار تلتها مباشرة «مبادرة» الرئيس فلاديمير بوتين السريعة للاتصال بالرئيس رجب طيب أردوغان، فاتحاً الطريق نحو تطبيع سريع. لكن آخرين لفتوا إلى دور وساطة تولّاها الرئيس الكازاخي نور سلطان نزاربايف، بينما أشار بعضهم إلى دور مماثل كان «بطله» رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو.
وفي كل الأحوال، كان التقارب حاجة ملحة لموسكو وأنقرة، ما قاد إلى إنضاج ظروفه بسرعة، لكن الأهم هو كيف ينعكس ذلك في سورية؟ وماذا وراء «مصادفة» المصالحة التركية – الإسرائيلية في التوقيت ذاته؟
لا يمكن تجاهل السؤال الثاني، عندما تتزامن المصالحتان مع تدريبات روسية – إسرائيلية تعتبر سابقة في البحر المتوسط، ارتبطت بقرار آخر لبوتين ونتانياهو تمثّل بالسماح لشركات الغاز الروسية بالمشاركة في العطاءات الخاصة بتطوير حقلَي الغاز الإسرائيليين «لفيتان» و «تمر» في البحر الأبيض المتوسط. وهذا يعني أن التعاون العسكري يضع الأسس لشراكة سياسية وإقليمية واقتصادية، بين أبرز مقوماتها الدفاع عن بنى الطاقة الإسرائيلية في المنطقة، باعتبار أن عرض عضلات السفن الحربية الروسية قرب منشآت الغاز الإسرائيلية في المتوسط، يوجّه رسالة حازمة إلى إيران و «حزب الله» والنظام السوري بحظر استهداف مواقع إسرائيلية حيوية.
في اجتماع سنوي لسفراء روسيا، قال بوتين أخيراً: «لا نبالغ إذا اعتبرنا أن الشرق الأوسط ليس المنطقة الوحيدة التي بات مستقبلها مرهوناً بمصير سورية، والسياسة الدولية تغدو أقل قابلية للتكهّن وتحديد توقّعات، مع احتدام الصراع على الموارد والأسواق في العالم». وانطلق محللون من تلك العبارة للإشارة إلى ما يشبه «تحالفاً» بين روسيا وتركيا وإسرائيل، تُبلوَر الآن مصالحه المشتركة وأدوات فعله.
عن الجانب الروسي، يقول بعضهم أن فشل موسكو في تعزيز شراكات إقليمية قادها إلى البحث عن هذا المخرج. فهي فشلت في «استعادة» العراق، وفشل رهانها على مصر على رغم أنها اعتبرت هذا البلد مرشحاً ليكون الحليف الأقوى، كما فشلت في تعزيز شراكات مع دول مجلس التعاون الخليجي، بسبب تباين المواقف في سورية وفي الإقليم.
أمام هذا المشهد، باتت روسيا في حاجة إلى شراكة معزّزة مع قوتين إقليميتين تربطها بهما علاقات مهمة، فعززت تعاونها مع إسرائيل إلى مستويات تعدّ سابقة، قبل أن تدخل تركيا طرفاً ثالثاً في هذا المحور.
ويرى خبراء أن ثمة ما يوحّد مواقف القوى الثلاث في سورية، على رغم تباين رؤيتها حتى الآن لشكل التسوية النهائية هناك، خصوصاً ما يتعلق بمصير الرئيس بشار الأسد. فهي تخشى فوضى شاملة في هذا البلد، وتفضل لاعتبارات مختلفة، الحفاظ على دولة موحدة ومؤسسات قوية، خلافاً لإيران مثلاً، إذ يرى بعض الخبراء الروس أنها تفضل خيار التقسيم، ولم تتراجع عن فكرة «سورية المفيدة».
وتشعر أطراف المثلث بالحاجة إلى تحالفها قبل دخول المنطقة في مرحلة ترتيبات إقليمية جديدة، تلي التسوية في سورية. كما أن الإرهاب يشكل خطراً متساوياً لدى الأطراف الثلاثة، مع اختلاف قوامه وتفسيره بالنسبة إلى كل منها.
وثمة رؤية تكاد تكون متطابقة ولأسباب متباينة أيضاً، حول أهمية تقليص نفوذ إيران في سورية، مع إدراك خصوصية العلاقة مع طهران لكل طرف. وأشار معلّق بارز قبل يومين، إلى أن إعلان موسكو أن معركتَيْ حلب والرقّة «ليستا قريبتين» له علاقة مباشرة بأهداف المحور الجديد التي لم تتضح كلها بعد.