مِن حق اللبنانيين أن يبتهجوا، وينزلوا إلى الشارع، يعقدوا حلقات الذكر ويدقوا أجراس الكنائس، فرحاً بحدوث «المعجزة» التي طال انتظارها: الإفراج عن مراسيم النفط والغاز!
منذ أكثر من خمس سنوات، واللبنانيون يسمعون عن الثروة النفطية الواعدة في أعماق البحار، ولا يدرون ماذا يدور حولها:
{{ أبحاث المسح والرصد أكدت وجود كميات هائلة من النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية، من رأس الناقورة جنوباً إلى البترون وطرابلس وعكار شمالاً.
{{ شركات عالمية متخصصة بأعمال التنقيب واستخراج وتسويق الذهب الأسود، جاءت إلى بلد الأرز للمساهمة في ورشة الاستثمار وتحقيق الأرباح المجزية بملايين الدولارات سنوياً.
{{ الخبراء الاقتصاديون والماليون بشّروا اللبنانيين بزوال همّ المديونية من حسابات الأجيال المقبلة، لأن عائدات النفط والغاز تكفي ليس فقط لسداد مليارات المديونية المتصاعدة وحسب، بل وأيضاً توفير مؤونة في صندوق الأجيال الجديدة، تحسباً لغدرات الزمان، وذلك على غرار ما تفعل الدول النفطية الأخرى.
{{ بعض اللبنانيين، وبينهم رسميون، بدأوا يتصرّفون وكأن لبنان تحوّل إلى بلد نفطي، بين ليلة وضحاها! وأصبحت خزينته عائمة على عائدات بحيرات النفط والغاز، التي ما زالت في عالم المجهول، في أعماق البحار.
{{ خبراء النفط ، والعالمون بأسرار هذا القطاع، نصحوا المسؤولين بضرورة الإسراع في اتخاذ الخطوات التنفيذية اللازمة لاستثمار هذه الثروة النفطية، والدخول إلى «جنّة» أسواق النفط والغاز، قبل أن تسبقنا الدولة الصهيونية إلى «شفط» الجزء الأكبر من نفط الجنوب، من المناطق البحرية المتنازع على تحديدها بين لبنان ودولة الاغتصاب الإسرائيلي.
{{ سارعت الحكومة اللبنانية إلى تعيين هيئة خاصة للاشراف على إدارة هذا القطاع، واعتماد أحدث الأساليب والطرق لاستثمار الثروة النفطية، وخصصت لرئيس وأعضاء الهيئة رواتب يسيل لها اللعاب، وأثارت أرقامها العالية حفيظة بقية العاملين في القطاع العام وإدارات الدولة.
{{ أَنجزت الحكومة وَضع المراسيم التطبيقية التي تنظم استثمار الثروة النفطية، وتم تصنيف الشركات التي تقدمت للمشاركة في عمليات التنقيب والتسويق، وأعلن عن مواعيد تقديم العروض..!
وفجأة! توقف كل شيء، على طريقة المثل الشعبي «جمد كل شيء بأرضه»! وبدأ اللبنانيون يسمعون سجالات عن خلافات بين رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه برّي ووزير النفط يومذاك جبران باسيل، حول أولوية الخريطة النفطية: هل يبدأ العمل بالمنطقة المحاذية للبترون شمالاً، منطقة الوزير الهمّام، أم من الجنوب، ومن المنطقة المجاورة للخطوط البحرية المختلف عليها مع الدولة العبرية، استباقاً لأية عملية قرصنة إسرائيلية محتملة?
تعددت السجالات، وتناسلت الخلافات، ونامت المراسيم التطبيقية في الأدراج، بانتظار التوافق على خطة الأولويات!
* * *
مضت سنوات، والنقاش البيزنطي اللبناني على حاله، فيما العدو الإسرائيلي، أنجز اتفاقات تحديد الحدود البحرية مع قبرص واليونان، وأجرى تلزيم عمليات التنقيب بدءاً من المنطقة البحرية المتنازع عليها مع لبنان، وبدأ بإبرام العقود لتسويق وبيع النفط والغاز، وكان آخرها مع تركيا عبر إمداد خط أنابيب لنقل الغاز إلى أوروبا.
لا ندري إذا كان الاتفاق الإسرائيلي - التركي قد شكّل الصدمة المطلوبة للطبقة السياسية اللاهية بخلافاتها ونكاياتها!
المهم، أن الوزير جبران باسيل، الذي يكاد يَعتبر نفسه بمثابة: «أبو الثروة النفطية»، وبالتالي الوصي عليها(!!) قد قصد الرئيس نبيه برّي في جلسة مطوّلة، خرج بعدها ليعلن أنه اتفق مع رئيس المجلس على «تسوية» لإطلاق الورشة النفطية!
على ماذا تمّ الاتفاق؟
وما هي خريطة الطريق لاستثمار بلوكات النفط والغاز؟
وكيف سيتم التعامل مع العائدات النفطية:
هل تُحوّل للصرف والاستهلاك والهلاك الآني والمرحلي، أم سيتم الاحتفاظ بالقسم الأكبر منها في صندوق الأجيال المقبلة؟
والأهم من كل ذلك، مَن سيتحمّل المسؤولية الوطنية، وتناط به صلاحية التصرّف بأموال النفط والغاز؟
تساؤلات قد لا تحتاج الإجابة عليها إلى انتظار خمس سنوات أخرى، على الأقل، لبدء الإنتاج النفطي في المناطق اللبنانية!
أما كيف حدثت «المعجزة»، وتم الاتفاق.. فما زال من أسرار الآلهة!!