رغم غياب عدد كبير من سفراء الدول الكبرى عن لبنان بسبب الإجازات الصيفية، ازدادت التخوفات الخارجية من اضطراب واسع قد يصيب اكثر من منطقة لبنانية على خلفية التطورات المتسارعة للأحداث في سوريا، بعد ان شعرت الحركات الارهابية، خصوصا “داعش” بأن هناك قرارا دوليا كبيرا يهدف الى القضاء عليها.
وبعيدا عن التكتم الذي يتعامل بموجبه السفراء في القضايا الحساسة، تنقل جهات على صلة بمراجع دولية مهتمة بما يجري في المنطقة بشكل عام، وفي لبنان بشكل خاص، كلاما يبعث على القلق عن المستقبل اللبناني. وما اسفرت عنه المباحثات التي جرت مؤخرا بين المسؤولين الفرنسيين ووزير خارجية ايران حول لبنان في باريس، زاد من مسحة التشاؤم حول مستقبل لبنان .
كما ان إعلان وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير من باريس ذاتها: ان ملف الرئاسة في لبنان اسير عند “حزب الله”، يشكل امتدادا لمساحة القلق ذاتها.
فبارقة الامل التي كانت تلوح من خلف التحرك الديبلوماسي الفرنسي قد أجهضت على وقع التشنجات الاقليمية.
وقد اكدت ردود الفعل الدولية على العمليات الارهابية التي استهدفت بلدة القاع البقاعية المخاوف، ونقل بعض الديبلوماسيين رسائل الى مسؤولين لبنانيين، تحذر من مغبة الاستهتار في مواجهة التحديات القادمة.
ذلك ان الاختلال السياسي الواسع الذي تعيشه البلاد، يعطي فرصة للمتربصين شرا لتنفيذ مخططات قديمة ـ جديدة ـ يتلاقى فيها اطراف الصراع في سوريا ـ خصوصا النظام والمجموعات الارهابية ـ على هدف واحد، هو: إشعال المنطقة برمتها.
ويصل التحليل عند بعض المتابعين، الى حد اعتبار العمليات الارهابية الداعشية موجهة من جهات استخباراتية اقليمية، والعمليات الانتحارية الاخيرة التي استهدفت بلدة مسيحية آمنة في البقاع الشمالي، لم تحصل بالمصادفة.
حالة القلق الدولية الكبيرة على مستقبل لبنان، عبرت عنها بوضوح التصريحات التي اعقبت تفجيرات القاع. فالبابا فرنسيس على غير عادته، لم يكتف بتصريح الناطق باسم الفاتيكان للتعبير عن الإدانة، بل دعا شخصيا اللبنانيين الى الالتفاف والتضامن للحفاظ على الدولة ومؤسساتها الشرعية.
وعلى ذات المستوى من الاهتمام تعاملت الناطقة باسم الخارجية الاميركية اليزبيت ترودو، وسفراء ايطاليا وبريطانيا في بيروت. وكان هاجس الجميع الطلب من اللبنانيين الالتفاف حول مؤسسات الدولة ـ وفي المقدمة الجيش ـ لمواجهة الاخطار المحدقة.
ولم يأت التشاؤم الذي عبر عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري من فراغ، بل ان المعلومات التي قال انه يملكها عن خطة لاستهداف قوات “اليونيفل” في الجنوب، تنم عن رؤية ارهابية متكاملة لزعزعة الاستقرار اللبناني برمته. ورئيس الحكومة تمام سلام عبر عن خشيته من الانزلاق الى الهاوية لكوننا نستهلك كل الفرص المتاحة من دون الوصول الى حلول للمعضلات الدستورية.
اما رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط فقال: “اننا نصغر لبنان الكبير بخلافاتنا، ولا يمكن مواجهة الامن المتفلت من دون استقرار سياسي”.
ويشعر الكثير من اللبنانيين ومن القوى السياسية، بأن إنقاذ الوضع الخطير يحتاج الى تدخلات خارجية. ولكن الاضطراب الواسع الذي يصيب العلاقات الدولية والاقليمية في هذا الوقت بالذات، لا يخدم القضية اللبنانية على الإطلاق. فلكل من هذه القوى المعنية مشكلاتها واهتماماتها، وهي منصرفة عما يجري في لبنان، او انها تستخدم ما يجري لصالح تقوية نفوذها ودورها.
اما المطالبة بفرض حماية دولية كاملة على لبنان ـ وفقا للقرارين 1559 و1701، فقد يكون خيارا واقعيا، ولكنه بالتأكيد غير قابل للتنفيذ.