تعقد المعاهد المهنية الخاصة اتفاقات مالية في ما بينها، في محاولة منها لتغطية تدريس اختصاصات غير مرخصة. يمكن مثلاً أن تجد طالباً، على مدار سنوات دراسته، مسجلاً في ثلاثة معاهد أو أكثر في الوقت نفسه
قبل أيام من بدء الامتحانات الرسمية المهنية في 20 حزيران الماضي، فوجئ 7 طلاب تسجلوا في معهد الليسيه الفنية ــ صور في اختصاصات فنون الإعلان (غرافيك ديزاين) والعناية التمريضية والتجميل الداخلي بحرمانهم المشاركة في الامتحان، برغم أنهم قدموا طلبات ترشيح ودفعوا رسوماً للمدير المسؤول عن المعهد (ع. م.) تفوق المترتب عليهم، أي إنهم أعطوه 80 ألف ليرة لبنانية عن كل طلب بدلاً من 65 ألفاً التي تنص عليها المذكرة الإدارية 1/2014.
أما حجة المدير للفارق فهي "لتأمين ثمن البنزين"!
البحث في أسباب حجب بطاقات الترشيح يكشف بعض الأساليب الملتوية في القطاع التعليمي المهني الخاص الذي بات اليوم يضم نحو 200 معهد ينتسب إليها نحو 45 ألف طالب.
الحادثة نفسها أظهرت كيف تتعامل بعض هذه المعاهد مع الطلاب "بالمفرق" وبأنهم مجرد أرقام ومصادر لتحقيق الأرباح. "التوأمة" أو الاتفاقية المالية عند كاتب العدل هي أحد الأساليب المعتمدة، وتقضي بأن يستعين معهد لا يملك ترخيصاً لاختصاص معين بمعاهد أخرى لديها ترخيص في الاختصاص بهدف تسجيل مجموعة من الطلاب على لوائحها الرسمية التي ترفعها إلى المديرية العامة للتعليم المهني والتقني. وبذلك يتقاضى المعهد الخاص الذي يسجل الطلاب على اسمه مبالغ مالية "على الراس" تراوح بين 100 ألف ليرة و300 ألف ليرة، تبعاً للاختصاص وسنوات الدراسة. مجرد الإخلال بهذه الاتفاقات يضيع مستقبل الطلاب. ومع أنّه لا يوجد أي مسوّغ قانوني "للتوأمة"، فقد باتت شائعة بصورة كبيرة لدرجة أنّ أصحاب المعاهد يقرون بها ولا يخفونها، على قاعدة "ما الكل بيعمل هيك".
لا علم لنا بعد بترخيص الاختصاص
في حالة معهد الليسيه الفنية، عكست العلاقة بين إدارة المعهد والطلاب السبعة التي اختلفت بين طالب وآخر، أوجهاً كثيرة للتلاعب في هذه المعاهد.
قبل أسابيع قليلة، علمت الطالبتان حنان عطايا وهبة سويدان بأن اختصاص فنون الإعلان غير مرخص، وبأنّ المدير عقد اتفاقية مالية مع معهد خاص في محافظة النبطية خاضتا بموجبها امتحان التأهيلية الفنية التحضيرية على اسمه، وهو امتحان رسمي بأربع مواد يخضع له الطلاب الراسبون في التاسع الأساسي (بريفيه) بموجب المرسوم 8590 بتاريخ 2/8/2012، شرط أن تكون في حوزتهم بطاقات ترشيح، كي يحق لهم متابعة السنة الأولى من البكالوريا الفنية. اليوم تفتقد الطالبتان أي مستند رسمي يثبت أنهما قد اجتازتا السنتين الثانية والثالثة من البكالوريا الفنية في معهد الليسيه الفنية.
في جعبة حسين سكيكي قصة أخرى، فالشاب قرر التسجيل في اختصاص التجميل الداخلي في معهد الليسيه الفنية في السنة الأخيرة فقط (BT3)، بعدما نجح في السنتين الأولى والثانية في معهد (CIS). لم يفهم سكيكي، كما يروي لـ«الأخبار» لماذا أصر المدير (ع. م) على تسجيله في فنون الإعلان، علماً بأنّه لم يدرس هذا الاختصاص يوماً، قبل أن يكتشف بأن اختصاصه ليس مرخصاً لا في معهد الليسيه ولا في المعهد الخاص الذي يعقد معه الاتفاقية المالية في النبطية.
للطالبة ملاك عيسى حكاية ثالثة، فالشابة حازت شهادة البريفيه والتحقت بمعهد الليسيه الفنية في اختصاص فنون الإعلان، ولم تكن تعلم حتى أيام قليلة بأنها مسجلة في السنة الأولى على اسم معهد خاص في النبطية وفي السنة الثانية على اسم معهد خاص ثالث في صور. المفارقة في ما تقوله ملاك هو أنه ليس هناك رسم تسجيل موحد لكل الطلاب الذين يدرسون اختصاصاً واحداً، فمنهم من سجلهم المدير بـ500 دولار وبعضهم بمليون ليرة وآخرون بـ800 دولار. تتطلع لمساعدة وزارة التربية في الدورة الثانية للامتحانات "فالذنب لم يكن ذنبنا وقد وقعنا ضحية سمسرات المعاهد".
أما سارة عز الدين فقد نالت البكالوريا ــ قسم أول من ثانوية صور الرسمية المختلطة، وتسجلت في معهد الليسيه الفنية في السنة الثانية (BT2) في اختصاص العناية التمريضية خلافاً للقرار 321/2012 الذي جاء في مادته الأولى: "يحق للطلاب الذين أنهوا بنجاح دراسة السنة الأولى من مرحلة التعليم الثانوي الانتساب إلى السنة الثانية من البكالوريا الفنية في جميع الاختصاصات باستثناء العناية التمريضية". وقد رُفعت في العام التالي إلى السنة الثالثة.
وحدهم ريان حيدر ودعاء شغري وهادي مصطفى (فنون إعلان) وسماح خضر (العناية التمريضية) استحصلوا على بطاقات ترشيح وأجروا الامتحانات الرسمية، بعدما سلّم المدير مستندات الثلاثة الأوائل إلى مدير المعهد الخاص في النبطية. وقد أقر الأخير في اتصال مع "الأخبار" بأنّه "ساعد" من الباب الإنساني الطلاب المستوفين للشروط الأكاديمية والقانونية، نافياً أن يكون قد قبض أموالاً لقاء ذلك. كذلك نفى معرفته بأي من أسماء الطلاب الآخرين. أما خضر فقد قدمت الامتحان في بيروت على اسم معهد "فلورانس".
هذه عينة من الطلاب الذين ينتظرون حلا لمشكلتهم مع معهد الليسيه الذي درسوا على مقاعده.
صاحب الرخصة: ادّعيت على المدير
في الحيثيات القانونية والإدارية، أنشئ المعهد بموجب المرسوم 4696 بتاريخ 31 /7/2010 على العقار 149 من منطقة حناويه. أما المعهد الحالي فيقع في صور ــ مفرق العباسية، بينما رست إجازة الاستثمار للمعهد بالقرار 534 /2010 في 10 اختصاصات على شادي الحاج حسين، الذي أبرم بدوره اتفاقاً مع (ع. م.) استثمر الأخير بموجبه الرخصة لمدة 6 سنوات تنتهي في العام الدراسي 2018 ــ2019، على أن يدفع للحاج حسين على التلميذ الواحد 40 ألف ليرة في السنتين الأوليين، و60 ألفا في الثالثة والرابعة، و80 ألفا في السنتين الخامسة والسادسة، وبقي شادي الحاج حسين المدير الفعلي الذي يوقع لدى الدوائر الرسمية، في محاولة لمنع حصول أي تلاعب، على حد تعبير شقيقه علي الحاج حسين.
بعد وقوع المشكلة، سحب شادي الحاج حسين الرخصة من (ع. م.) وأجرى تنازلاً لأخيه علي ليتولى الشؤون الإدارية والمالية والتربوية في المعهد. يقول علي لـ «الأخبار» إنّه رفع دعوى ضد (ع. م.). ويوصّف المشكلة بأنها عملية نصب واحتيال جرت بين التلامذة والمدير السابق. ويؤكد أن الطلاب لديهم علم بأن الاختصاص غير مرخص، وإلاّ فلماذا كانوا يقبلون إفادات للضمان في اختصاصات أخرى كالتزيين النسائي مثلاً؟ لكن شادي الحاج حسين هو من وقع هذه الإفادات فيما الطلاب يدرسون فنون إعلان، أليس هو المسؤول عن ذلك أيضاً؟ يجيب: "لم نكن نعلم بذلك، (ع. م.) قال لنا إن الطلاب يدرسون التزيين النسائي!". يقول إنه "سيحتفظ بحقه بالادعاء في النيابة العامة على كل من أساء لسمعة معهده، والطلاب متواطئون على قاعدة الراشي والمرتشي". وأشار إلى أن 90 % من الأقساط غير مدفوعة وقد تحمل شخصياً أعباء تأمين بطاقات الترشيح لمستوفي الشروط وسعى لتسجيل أسماء آخرين خارج المهلة القانونية كملحق.
اللافت في ما جاء في بيان صادر عن معهد الليسيه الفنية، أنّ "المشكلة الأساسية والحقيقية التي تواجه المعهد والمعاهد الصغيرة التي لا تملك فروعاً منتشرة على كل الأراضي اللبنانية، هي عدم وجود جميع الاختصاصات على رخصها، ما يضطر القيمين عليها إلى الاستعانة بمعاهد أخرى لتسجيل مجموعة من الطلاب، وهنا تقع الاشكالية لجهة عدم الاهتمام اللازم من المعاهد الأخرى والتعامل مع هذه الحالات على أنها أرقام فيقع المحظور!".
(الأخبار)