سنُدلي باعتراف حيال المسلسل: أفرطنا في الحماسة لأنّ بطلته ريتا حايك وتفرّغنا للمتابعة. نحن ممن يرى في هذه الآنسة ممثلة طال انتظارها في دور البطولة. وحين حصلت عليه، تجمَّدت. نتحدّث عن مسلسل "وين كنتي" (كتابة كلوديا مرشليان، إخراج سمير حبشي- "أل بي سي آي") المخيّب بعد 25 حلقة من المُشاهدة. عناوين عريضة محشورة بسياق سلحفاتي يتلهّى بأول قفزة، ثم يعود إلى تباطئه. المسلسل من دون كثافة، يزداد رخاوة، اللحظات المؤثرة فيه بدأت تستهلك نفسها. فيما بطله كارلوس عازار يُفرط في اللاكتراث بإظهار عواطفه الجديدة، تطلّ حايك على العمل بصفتها الملاك الهابط من السماء.
يسير المسلسل بالعكس، عوض أن تنتظر المصائب نسرين (حايك) في حياتها الزوجية غير المُرحَّب بها في منزل رمزي (نقولا دانيال) وبين ولديه جاد (عازار) وجينا (آن- ماري سلامة)، تحوّلت زوجة الأب المكروهة إلى عصا سحرية تملك كلّ حلّ. راقنا طرح إشكالية هرب المرأة من ماضيها وذاكرتها وخسائرها في منزل الأهل، ولجوئها إلى أحضان أول رجل يُشعرها بالدفء والأمان والتفهّم، وقلنا: وأخيراً! مسلسلٌ من بعض هذا الواقع تكتبه مرشليان! ثم انحرف القطار عن سكّته، ودخلنا في النفق. فجأة، مُنحَت نسرين أدواراً بطولية خارقة، أثبتت من خلالها أنّها "سوبروومان" تُذهل مَن حولها، لا سيما ابن زوجها المرتبط بأخرى، جاد. حال الذهول التي زُجَّت بالشخصية، رفعتها من كونها امرأة "عادية"، تُشبه نساء التنقّل بين المراحل، الهرب الدائم، غربة المكان والوقت والأشخاص، إلى امرأة المصادفات المسلسلاتية، والأحداث التي تصبّ غالباً في مصلحة البطلة. انتظرنا عمقاً إنسانياً يلمس القلب، عوض تبادل النظرات المكسيكية بين البطلين. سمح كارلوس عازار في دور جاد، لنفسه التورّط بحرق المراحل. بدا كأنّه يمثّل من دون خلفية، جلّ همّه توزيع نظرات ذائبة. لم يضعه المسلسل بإطار الانفعال البديهي، كالإحساس بالذنب تجاه الأب المغروم بزوجته، وتجاه الخطيبة التي كان حتى الأمس يغازلها. أنجب المسلسل غراماً ساذجاً من لزوم ما لا يلزم، لكنّها ضرورات التشويق. ظلّت معالجة إشكالية زواج الشابة من كهل سطحية، عابرة، كأنّها مقدّمة للالتفاف على صناعة قصة حبّ "جديدة". لا أكثر، إلا إن أثبتت الحلقات المقبلة شيئاً من العمق.
ضعَّف المسلسل بمعظم مَشاهده ريتا حايك وبيَّنها يا للأسف ممثلة عادية، تسبقها طوال الوقت أزياؤها، بعدما أبدعت على المسرح. ندرك أنّ حجم الدور ضئيل، لكنّ نوعيته هي المعضلة. تسلُّح الشخصية بالدفاع عن حقوق المرأة ورفعها خطاب رفضها الاستسلام، قضية جميلة، لولا المبالغة دائماً بالملامح الملائكية. طَرْح عذابات المعنّفات، لم يأتِ بإضافة لمسلسل يتفوّق فيه واقع الحشو، رغم امتلاكه بنية تحمل إمكان التأثير. العمل، من أجل أن يشكّل صاعقة، ذهب إلى الأقاصي بتضخيم فقر عائلة نسرين ومصائبها، كمبرر لالتحاقها بأول سفينة نجاة تضيء لها النور، مستعرضاً كلّ ما يمكن أن يحلّ ببشر دون مستوى العيش: مرض الأم وضعف شخصيتها، عنف الأب وثمالته، وعقدة الأولاد، كأنّه لا بدّ دائماً من ضدّ يقابل ضدّه. رغم ذلك، لا مفرّ من المصادفات الكاذبة، كأن يترك طبيب أعماله وأشغاله (المعنى ذاته، عذراً) ليلتحق بمريضة ضمن ما يُسمّى ربما "إعجاب النظرة الاولى" ويجتمع الكون بأسره لصبّ لعناته على الأم رندا كعدي وصمتها! لا بأس، وإلا كيف سيُسمّى كلّ هذا دراما؟
تنزلق أنطوانيت عقيقي في بعض مَشاهدها، لكنّها مُنحت دوراً حقيقياً لافتاً. لا نقصد "شهقة" اكتشاف أنّ رمزي لا يُنجب أولاداً، ولا دورها كخالة تبالغ في رفض زواج صهرها، بل ليندا من الداخل، بوحدتها وعزلتها وشعورها بفراغات مخيفة. مؤثّر تعلّقها بشاب يصغرها سنّاً (نيكولا مزهر)، تجهل نياته، ولا تعنيها سوى قدرته على مشاركتها روحها الباردة. هنا، عند هذا الحدّ فقط، قدّمت عقيقي إقناعاً بالدور الجميل وإمكاناً للتعلّق به، لا سيما بتخبّطها بين الصحّ والخطأ، وهذا ما لم يفعله أحدٌ في المسلسل.
نقولا دانيال يؤدّي دور رمزي باتقان، إنسان صادق أمام الكاميرا، لكنّ الشخصية لا تناسبه وليس هو الخيار الموفّق لها. للأمانة، استطاعت جويل داغر في دور الخطيبة سيلا إقناع المُشاهد بإحساس المرأة بالخطر لحظة تبدّل مشاعر شريكها، بعد أداء جاف منذ البداية؛ الشَعر المستعار بهذا الشكل أساء جداً لها. حضور وفاء طربيه وحفيدتها رانيا عيسى لا يضرّ مسلسلاً غير مطابق للمواصفات، الدراما فيه مغشوشة.
النهار