تغيّرت اوضاع السوق التجاري في النبطية، لم يعد لهذا السوق اهميته الاقتصادية المعهودة مقارنة بالقوة التجارية التي حظي بها بين عامي 2006 و2008. تراجعه وسوء احواله يظهران بشكل ملحوظ قبل الاعياد ، ومع انخفاض نسبة مبيعاته الى اكثر من 50 بالمئة وهذا يربطه التجار بأسباب عدة ، تبدأ بالقدرة الشرائية المحدودة للمواطن، تدهور الوضع الاقتصادي وتزعزع الوضع الامني ولا تنتهي بالازمات الاقتصادية التي يُعانيها ابناء المدينة في افريقيا والخليج العربي.


كلها اسباب انعكست سلبا على السوق عشية العيد. الحركة داخل السوق تبدو "خجولة" ، وزاد الطين بلة، الارتدادات الامنية التي خلّفتها تفجيرات "القاع"، ما خلف الخوف والقلق ودفع المواطن ليحسب الف حساب قبل ان يقدم على ارتياد السوق لشراء احتياجاته.
كان متوقعا ان تحرك الاحتفالية الموسيقية والمسرحية التي كانت سترافق مهرجان التسوق الذي انطلقت بحلته الجديدة، ان تجذب الرواد وتخلق حالة خاصة، كتلك التي عاشتها المدينة قبل ثلاث سنوات ولكن.. اتت التفجيرات فغيّرت معالم الصورة التي ابقت فقط على التخفيضات وسحوبات التومبولا والسيارة التي سيجري سحب القرعة عليها بعد عيد الفطر في احتفال خاص.

تدني الحركة
في جولة ميدانية على المحال داخل السوق تلحظ تدني حركة الشراء، ووقوف التجار عند منعطف آخر لم يكن بحساباتهم. امام محلها تقف هدى تراقب الطريق، تنتظر زبونا عابرا لا يأتي. ولا تترد بالقول ان "السوق تراجع 50 بالمئة عن العام الماضي"، ولا تخفي قلقها من تلك الحالة التي قد تدفع برأيها "لافلاس عدد كبير من التجار، الذين يتكبدون خسائر كبيرة بدءًا من اجرة المحال المرتفعة التي تتراوح في شارع محمود فقيه بين الـ600 والـ3000 دولار اضافة الى اجرة اليد العاملة والكهرباء والاشتراك وغيرها".
ووسط نمو حالة الركود التجارية فان الوضع بات سيئا، وفق فاطمة " لم يكتب لسوق النبطية ان ينافس اسواق صور وصيدا اللذين يعيشان فورتهما ونادرا ما يتأثران بالاحداث التي تعصف بالبلد، رغم ان النبطية تستقطب كل الماركات التجارية لكنها لم تنجح في استقطاب الزبائن كما يحب".
لسامر حطيط صاحب محلات "تانغو" رؤيته المختلفة، يُعيد اسباب تراجع حركة السوق الى تدهور الحالة الاقتصادية للمغتربين سيما في افريقيا بسبب ما تعانيه البلد من ازمات، فبدل المليون دولار التي كانت تحول الى لبنان انخفضت الى الـ500 الف دولار وهذا له تأثيراته السلبية، فقوة السوق "الاموال الاغترابية" التي تدنت مضافا اليها إبعاد الكثير من اللبنانيين من دول الخليج، كلها عوامل اسهمت في سوء الحال. وفق حطيط فان سوق النبطية يعيش اسوأ حالاته "واذ كنا نعول على حراك العيد الذي يحرك العجلة الاقتصادية فأملنا قد خاب لكون الحركة اقل من عادية، والزبون يبحث عن القطع الرخيصة".

ركود في المول

في سوق النبطية الذي يتفرع منه شارعا محمود فقيه وحسن كامل الصباح تنتشر المحال التجارية على كلا الجانبين، وشهد الشارعان في الفترة الماضية هجمة استثمارية تجارية لافتة، لكن الوضع اليوم صار مغايرا، والمول التجاري الذي كان يفترض ان يخلق حالة اقتصادية فريدة في المنطقة، يعيش خمولا اقتصاديا، بل وفق التاجر علي "لم يحرك ساكنا، هناك الكثير من المحال داخله". متسائلا: "ما سرّ هذا الخمول وهل هناك قطبة مخفية ما ترتبط بصغر حجم المدينة التجاري واعتبارها مقفلة نوعا ما؟ هل لسوء الوضع الاقتصادي للمواطن ومحدودية دخله؟ لا احد يعلم، الاوضاع سوداوية وان بقيت على هذا المنوال فان حالات افلاس تجارية بالجملة ستخرج الى العلن قريبا".

سوق الورد
وحده سوق الورد يبدو في عزه، يعيش فورته، ولا يتأثر بأي ارتدادات امنية او اقتصادية، قرب جبانة النبطية يفترش علي حايك اكثر من 12 الف وردة اصطناعية، منذ اكثر من 21 عاما وهو يعمل في سوق الورد، ورث المهنة عن والده وما زال ينتج كل موسم عيد ما يقارب الـ25 مليون ليرة، بحسبه فان ارتفاع عدد الشهداء اضافة الى الوفيات عززا سوق الورد ورفعا من نسبة ازدهاره اضعافا مضاعفة، عكس السوق التجاري، وهذا السوق يتنامى سنويا، ويتوسع، والاقبال كثيف، فضلا عن ادخال الاشغال اليدوية عليه ما يعطيه قيمة اكثر ويجذب الزبون اليه".
حديقة الورد الاصطناعية الموقتة قرب جبانة النبطية، تخبر عابري المدينة ان العيد قد اقترب، وان شهر رمضان قد شارف على انتهائه. يعتمد حايك على ثلاثة مصادر للورد: الصين، سورية ولبنان اضافة الى البراويز الذي يجهد ان يصنعها يدويا " فالورد الوحيد الذي يرمز للعيد، والعيد بات يمثل للكثيرين وردة وبخورا وفاتحة، وسط حالة الجمود التي تسيطر على السوق".

جهود جمعية التجار
لم تترك جمعية تجار النبطية بابا والا وطرقته لانعاش سوق النبطية التجاري، واخراجه من حالة التدهور التي المّت به خلال السنوات الماضية، كانت تُعول على المهرجان الكبير الذي سيرافق مهرجان التسوق، ولكن حسابات الجمعية خيبتها التفجيرات الامنية فتغيّرت الخريطة وفق رئيس جمعية تجار النبطية جهاد جابر: " السوق لامس الخطوط الحمر، فنسبة مبيعاته متدنية جدا، ونجهد اليوم لنتمكن عبر الحسومات التي تجتاح المحال من انعاشه وجذب الزبائن، هذا عدا عن ادخالنا تحفيزات اضافية لكل زبون يشتري قطعة يدخل اسمه في سحب التومبولا على جوائز قيّمة جدا، وهذه السياسة التجارية لا بد ان تترك اثارها الايجابية على السوق" . ولا يتردد جابر بالقول: " فرص نجاح مهرجان التسوق كبيرة لانه يواجه الارهاب، عدا عن انه يزرع لبنة اقتصادية جديدة واملا في انقاذ السوق ولو قليلا عشية الاعياد".
ما زال بريق العيد خافتا في النبطية ولكن التجار يعولون على ما تبقى من الايام علَ الحركة تتبدل . كل تلك الامنيات تتوقف على رغبة المواطن وتبدل المشهد الامني الملغوم والتخفيضات الكبيرة التي بدأت تجتاح المحال .الا ان السؤال المنطقي هل ما زال هناك عيد في بلد مأزوم اقتصاديا وامنيا واغترابيا؟

 

رنا جوني