حَتِ السياسةُ جانباً، ودخلت الملفّات كلّها في حالٍ من الاسترخاء والاستراحة، بالحدّ الأدنى أسبوعاً، إلى ما بعد عيد الفطر، حيث يؤمَل أن تشكّل العطلة فرصةً للمستويات الرسمية والسياسية، لاستجماع الذات وجدوَلةِ الأولويات وتغليبِ الأهمّ مِن الملفات والقضايا، على المهمّ، وبالتالي الالتقاء على القواسم المشتركة وكلّ شروط المناعة الداخلية التي ترتكز على أولوية وقفِ الدوران في الحلقة المفرَغة، وكسرِ حلقة الجمود والتعطيل والفراغ، وفتحِ ثغرةٍ في جدار الأزمة، والنفاذِ منها إلى الحلّ المنشود. وفي الجانب الآخر للمشهد، بقيَت الحركة الداخلية مضبوطةً على الإيقاع الأمني، فالجيشُ اللبناني، ومعه الأجهزة الأمنية، يشدّ القبضةَ على الأمن الداخلي بوتيرة سريعة ومكثّفة ومشدَّدة في مختلف المناطق اللبنانية، وعلى الحدود اللبنانية ـ السورية، والتوقيفاتُ بالعشرات.
بدأت بلدة القاع تستعيد حياتها الطبيعية وتعود إلى سابق عهدها قبل الهجوم الإرهابي الذي تعرّضت له، في وقتٍ توقّفَ المراقبون عند الحملة التي استهدفَت بكركي والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، منتقدةً غيابَه عن الساحة.
بكركي توضح
في أوّل تعليق من البطريركية المارونية على هذه الحملة، أكّدت بكركي أنّ «القاع ليست في الأطراف، بل هي في قلب الراعي ولبنان وقلبِ كلّ مسيحي ومسلِم، وتحرُّك المؤسسات المارونية باتّجاهها وتنفيذُها خطوات عملية بالتعاون مع البلدية هو أكبر دليل على أنّ البلدة ليست متروكة لقدَرها، وأنّ مؤسسات البطريركية تعمل بشكل منهجي بعيداً عن التصريحات، وعندما يعود البطريرك إلى لبنان سيكون إلى جانب أهله كما كان دائماً.
وأوضَحت مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «إنفجار القاع وقعَ يوم الإثنين، بينما غادرَ الراعي لبنان يوم الأربعاء قبلَ وقوع التفجيرات»، مشيرةً إلى أنّ «البطريرك لو كان موجوداً في لبنان، لكانَ أوّلَ مَن توجّه إلى القاع ووقفَ إلى جانب أهلها، كما حصَل عند وقوع جريمة بتِدعي أو أيّ حدثٍ تطلّبَ تواجدَه.
خصوصاً أنّه ومنذ تبَوُّئه السدّة البطريركية لم يمضِ أسبوع إلّا وزار بلدةً أو مدينة وتفقَّد أحوالها، وحتّى هذه الزيارات كانت تواجَه بالانتقادات والقول إنّ البطريرك لا يسكن بكركي».
وبحسب المصادر، فإنّ الراعي يؤكّد أنّ المسيحيين اللبنانيين في أميركا بحاجة له، والزيارة كانت مقرَّرة منذ مدّة، حيث سيشارك في المؤتمر الماروني في سان فرنسيسكو، والقانون يَفرض على البطريرك زيارةَ كلّ أبرشياته كلَّ خمس سنوات مرّةً في أقلّ تقدير، واليومَ العملُ في الخارج أنجحُ من الداخل، فالبطريرك ليس زعيماً سياسياً ليطلقَ المواقف والعنتريات.
وتضيف المصادر أنّ الراعي يَلفت إلى أنّ أعدادنا كمسيحيين تتناقص بشكلٍ مخيف في لبنان، ويجب عليه أن يلحقَ شعبَه أينما كان ويشجّعهم على استعادة الجنسية اللبنانية وتسجيل أولادهم في السفارات، وهناك مغتربون يزورون لبنان ويَشعرون بالارتباط ببطركيتهم ووطنِهم بعد زيارات الراعي إليهم.
الأمن: هدوء... وتوقيفات
إلى ذلك، لوحظَ في الساعات الأخيرة رفعُ مستوى الاستنفار في صفوف الجيش اللبناني، مع تكثيف عملياته ومداهماته التي امتدّت إلى أكثر مِن منطقة، وبشكل مركّز على مناطق وتجمّعات النازحين السوريين، في بعض المناطق النائية من منطقة زغرتا وسائر منطقة الشمال، إلى البقاع الغربي والأوسط والشمالي، إلى الجنوب، وتحديداً في منطقة مرجعيون، وصولاً إلى عين عرب وسفحِ جبل الشيخ بمحاذاة الحدود الدولية الجنوبية.
وفي ظلّ هذه الإجراءات، دخلت البلاد في جوّ مِن الهدوء والاستقرار الأمني، ورجّحَت مصادر أمنية لـ«الجمهورية» الإعلانَ قريباً عن إنجاز أمني مهمّ، وأشارت إلى إنجازات أمنية نوعية ومتتالية حقّقَها الجيش خلال الأسابيع الثمانية الأخيرة، حيث فَكّك شبكات عدة، وأُحبِطت عمليات عدّة كانت قيدَ التحضير وأخرى قيدَ التنفيذ وتمَّ توقيف أفرادها، وقد أنجز ذلك كلّه بسرّية مطلقة. والخليّة التي أعلنَ الجيش عن توقيف خمسة مِن أفرادها هي الأخطر، حيث كشفَ أفرادُها معلومات خطيرة جداً.
وجزمت المصادر أنّ ثلاثةً من انتحاريّي القاع، جاؤوا إلى البلدة عبر الجرود، لكنّها لم تحدّد الجهة التي أتى منها الخمسة الآخرون، مشيرةً إلى أنّ الكشف على أشلاء الانتحاريين بيَّن أنّهم لم يكونوا يَحملون أيّ أوراق ثبوتية تدلّ على هويتهم، ولا أيّ وثائق، أو هواتف، ولا أيّ سلاح ولا أيّ شيء، وكانوا جميعاً يرتدون تحت ثيابهم الخارجية «بيجاما رياضية».
مرجع أمني
وأكّد مرجع أمني كبير لـ«الجمهورية» وجودَ هذا العدد الكبير من الانتحاريين، بالتزامن مع حركة مكثّفة للخلايا في بعض المناطق، في سياق قرار المجموعات الإرهابية بإدخال لبنان في مرحلة دموية، «فلدينا معلومات أكيدة منذ حوالى شهرين تفيد بأنّ قيادة «داعش» في الرقّة، قرّرت تكثيفَ عملياتها الإرهابية في لبنان، مستغلّةً الوضعَ السياسي الهشّ الذي يعانيه».
وطمأنَ المرجع إلى «أنّ الوضع في الداخل ممسوك بالكامل، لكن يجب الإبقاء على الحذر، خصوصاً وأنّ المفاجآت الإرهابية متوقَّعة في أيّ لحظة، مِن «داعش» وكذلك من «جبهة النصرة»، التي تُعِدّ سيناريوهات دموية للبنان».
وفي سياق متّصل، عبّر المرجع عن قلقه «من وضع مخيّمات النازحين السوريين، فهي أقرب إلى قنابل موقوتة، وهناك تقارير وردَت إلى جهات رسمية تحذّر مِن أن تشكّل تلك المخيمات وأماكن تجمّع السوريين وانتشارهم خطراً كبيراً على مصير لبنان ووحدته».
إلّا أنّ الخطر الأكبر على لبنان ـ يقول المرجع ـ «يتأتّى من مخيّم عين الحلوة، فهو بيئة حاضنة للإرهابيين، وهناك أعداد كبيرة من «داعش» و«النصرة» ومجموعات تكفيرية أخرى، تنتشر في «الطوارئ»، «المنشيّة»، «الصفصاف»، «الطيرة» وجزءٍ من «حطين»، وتجنّد الإرهابيين وتعدّ الانتحاريين مع تحديد الأهداف وإعداد الخطط لعمليات إرهابية بتفجيرات واغتيالات. وهنا تَكمن مسؤولية الفصائل الفلسطينية المسؤولة عن الأمن في المخيّم، والتي تبدو مقصّرةً في القيام بما يتوجّب عليها حيال هؤلاء».
نصيحة برّي... وأطراف الطاولة
سياسياً، غداة النصيحة الأخيرة التي وجّهها رئيس مجلس النواب نبيه بري حول المضيّ بالسلّة التي طرَحها للحلّ الرئاسي والانتخابي والحكومي، استمزجَت «الجمهورية» آراء أطراف طاولة الحوار. فجاءت كما يلي:
مكاري... المطلوب تنازلات
نائب رئيس مجلس النوّاب فريد مكاري شكرَ للرئيس بري مبادرته، وقال لـ»الجمهورية»: «لا شكّ في أنّ الرئيس بري دائماً ومِن باب حِرصه على البلد، يحاول إيجاد حلول، وعندما لا يجد حلّاً ناجعاً يستنبط حلّاً آخر، وهو يُشكَر دائماً على مبادرته التي تبرهنُ عن حِرصه على لبنان.
لكن في هذا الموضوع بالذات، الحديث بسلّة متكاملة يحصل جزءاً جزءاً، نتّفق على رئيس الجمهورية، ثمّ ننتقل إلى قانون الانتخابات. في الواقع، من خلال تجربة التعامل ما بين الأفرقاء المتنازعين سياسياً، نجد أنّ فريق «حزب الله» ومعه حلفاؤه، يتنصّل من وعوده دائماً. فعندما نوافقُ خلال الحوار على أمر، ولو قدّمنا فيه تنازلات ووصَلنا إلى أمرٍ آخَر، يأخذ هذا الفريق ما اعتبر أنّه ضمنه وأصبح في جيبه ثمّ يتنصّل من وعده.
وهذا ما حدثَ عندما تنازلَ «المستقبل» في الرئاسة وسارَ بمرشّح من 8 آذار. فالحزب لا يريد انتخابات رئاسية ولم يسِر بأيّ مِن مرشحي 8 آذار، لكنّه اعتبر أنّ رئيساً من 8 آذار أصبح تحصيلاً حاصلاً.
لذلك لا أعتقد أنّ هذا الفريق مستعدّ لتكرار هذه التجربة مرّةً أخرى. فنصيحتي أن يعرض الطرف الآخر السلّة المتكاملة في الإعلام قبل الذهاب إلى الحوار، وعندها نعرف ما هي التنازلات التي سيقدّمها في كلّ البنود وماذا ستعطيه، وتتّضح الصورة ويصبح هناك مجال للبحث، لأنّ التجربة معهم لم تكن ناجحة ولا مشجّعة».
ميقاتي: إنقاذ لبنان
وقالت أوساط الرئيس نجيب ميقاتي لـ«الجمهورية»: «الأولوية لإعادة تفعيل المؤسسات. ومدخلُ الحلّ هو انتخاب الرئيس، على أن يتمّ قبل انتخابه الاتّفاقُ على قانون انتخابي جديد، وتجري الانتخابات بعد انتخاب الرئيس مباشرةً. ولم يعُد ممكناً انتخاب الرئيس بمعزل عن التوافق على سائر الملفّات».
شهيّب
وقال عضو «اللقاء الديموقراطي» الوزير أكرم شهيّب لـ»الجمهورية»: «قد تكون هذه الفرصةَ الأخيرة، كما يقول الرئيس بري، والمرحلة التي يمرّ بها لبنان مِن أصعب وأدقّ المراحل، فالكلّ في الخارج منشغلٌ ببيته الداخلي، و»ما حكَّ جِلدك إلّا ظفرُك».
فرعون: الرئيس أوّلاً
وقال الوزير ميشال فرعون لـ«الجمهورية»: «إنّ تجربة الانقلاب على اتّفاق الدوحة ما زالت في الأذهان، على رغم كلّ الرعاية العربية والدولية التي حظيَ بها. ولذلك نحن لا نرفض سلّة الرئيس برّي بالمطلق، ولكن نرى أنّ الأولوية لانتخاب الرئيس».
مجدلاني لـ«الجمهورية»
وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب عاطف مجدلاني لـ«الجمهورية»: «الأولوية لانتخاب رئيس جمهورية. يمكن أن يحصل تفاهم أوّلي على قانون الانتخاب، أمّا في الموضوع الحكومي، فهذا عائد للاستشارات النيابية، ونحن لا نستطيع أن نخرج من
الدستور».
جابر لـ«الجمهورية»
ودعا عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب ياسين جابر عبر «الجمهورية» إلى الاستجابة لنصيحة برّي، وقال: المطلوب من كلّ الأطراف الجلوس سَوياً والتداول الثنائي والثلاثي، لكي لا يكون موعد الخلوة في 2 آب موعداً للبحث في الحلول، بل لتكريسها».
ماروني: إنتخاب الرئيس
وقال عضو كتلة حزب الكتائب النائب إيلي ماروني لـ«الجمهورية»: «الكتائب يَعتبر أنّ إقرارَ قانون جديد للانتخاب ضرورةٌ وواجب، ولكن لا أولوية له على الرئاسة. وإنّ الآلية التي طرَحها الرئيس برّي لا تؤدّي الغاية التي نريدها، بل إنّها تدعونا إلى الاستسلام».
عون لـ«الجمهورية»
وقال عضو تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب آلان عون لـ«الجمهورية»: «أوافقُ الرئيس بري على المنطق الذي يطرحه والهواجس التي يعبّر عنها. فمخطئ أيُّ فريق يعتقد أنّه يمكنه من خلال المماطلة والحالة الانتظارية أن يحافظ على مكتسبات وهميّة في هذا النظام السياسي. الأداء السياسي الحالي يحوّل النظام السياسي إلى سفينة تغرق، فإمّا أن نحاول إنقاذَها أو أن نغرقَ معها.
هل يجوز ألّا نأخذ أيّ عبرةٍ أو درسٍ مِن تجربتنا كلبنانيين منذ الـ 2005، أي منذ أصبَحنا من دون وصاية؟ هل يجوز إنكار أنّ هناك أموراً يجب تصويبُها في نظامنا منذ اختبرناه من دون وصّي علينا، وقد أظهرَ حدوده وثغراته؟ التطرّق إلى بنود السلّة المطروحة هو شرط إلزاميّ لتأمين الاستقرار لنظامنا وحياتنا السياسية، وإبعاد شبحِ الأزمات المتكرّرة في المستقبل.
إنْ سبَقَت أو لحقت انتخابَ رئيس، لا مفرَّ من معالجة بنود تلك السلّة، بعيداً من المهاترات التي تتّهم كلَّ مطالِب بتطبيق صحيح للطائف أو طامح لتطويره، على أنّه ذاتُ نوايا انقلابية أو تأسيسية.»
سعادة لـ«الجمهورية»
وقال عضو المكتب السياسي في تيار «المردة» الوزير السابق يوسف سعادة لـ«الجمهورية»: «نحن نتعاطى بإيجابية مع كلّ مبادرة يَطرحها الرئيس بري. أمّا موضوع السلّة، فأهمّيته أنّه يجب أن نتحاور حول كلّ الأمور. لكن بالنسبة إلينا، نرى أنّ هناك ضرورةً لانتخاب رئيس الجمهورية، ونحن مستعدّون للنقاش في قانون انتخاب يؤمّن صحّة التمثيل».