اختراق نوعي شهده قطاع النفط المعلّق منذ سنوات، بعد تفاهم مبدئي سطّره كل من الرئيس نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل بحضور الوزير علي حسن خليل، ما يعني دفع الملف الى الأمام خصوصاً أنّ خلاف الفريقين كان العامل الأساس في عدم إقرار المراسيم النفطية… فهل نضجت الطبخة؟
قبل يومين، طلب باسيل موعدا من بري، فما كان من الأخير، الا أن ألغى بعض مواعيده وحدد موعدا عاجلا لوزير الخارجية، من زاوية “كسب الوقت”، خصوصا أنه كانت قد بلغته مؤشرات ايجابية غداة انتهاء مهمة نائب وزير الخارجية الاميركي لشؤون الطاقة آموس هولشتاين الأخيرة الى بيروت، وكلها تصب في خانة تضييق بقعة زيت الخلافات النفطية التي أخذت مداها في السنوات الماضية على خط عين التينة ـ الرابية.
كل ذلك، وسط ضغط اميركي مستمر لتكريس “بيئة حاضنة” لبنانيا لاستثمارات نفطية “أكثر أمانا” بالتزامن مع رهان متابعي ملف النفط على الولايات المتحدة لتسوية الخلاف الحدودي البحري بين لبنان وتل أبيب يكون من بين نتائجها “تسهيل أمور” الشركات الاميركية الكبرى المستثمرة من الجانبين.
لكن مصدرا موثوقا يؤكد في هذا السياق ان المسائل التي تمّ التباحث بها بين الجانبين في عين التينة ابعد من إقرار المرسومين لأن روحية النقاش شكّلت تتمة للمسار الذي بدأ منذ نحو أسبوعين بشأن فتح “البلوكات” والتلزيم التدريجي لها وكيفية إنجاح المناقصة والموعد النهائي لها والتلزيم بطريقة متساوية، اي مسار عملية التلزيم وهذا الاهم”.
وفيما كانت هيئة “إدارة قطاع النفط والبترول” في صلب الملف النفطي، فإن المصدر يشير الى ان التقرير الذي وضعته في هذا السياق شكّل أرضية النقاش بين بري وباسيل، امس، خصوصا بعد الزيارة التي قام بها بعض أعضاء الهيئة الى رئيسي المجلس النيابي والحكومة وباسيل (التقوه بعيدا عن الإعلام)، وقد كان كلام أعضاء الهيئة أمام بري واضحا بشأن عرض المخاطر بناء على معطيات مؤكدة بأن في “البلوكين” 8 و9 هناك تداخلا لحقول مشتركة عدة، إضافة الى التطوّر الذي طرأ على خط أنقرة ـ تل ابيب، ومن أهمّ نتائجه إمكان بناء أنبوب من فلسطين المحتلة الى تركيا مرورا بالمنطقة الاقتصادية الخالصة وصولا الى قبرص فأوروبا.
وألف باء الحلحلة ستترجم على الارجح بإقرار مرسومي النفط العالقين في مجلس الوزراء منذ العام 2013 لاستكمال دورة التراخيص الاولى في المياه البحرية اللبنانية ومسودة القانون الضريبي المتعلّق بالانشطة البترولية وقطع الطريق على اعتداءات العدو الاسرائيلي المتمادية جنوب المياه الاقتصادية الخالصة اللبنانية، على ان تجتمع اللجنة الوزارية المختصة قريبا لإعداد الارضية المفترض ان ينطلق منها مجلس الوزراء لاقرار مرسوميّ النفط وقانون الضرائب الذي أعده وزير المال علي حسن خليل.
ماذا عن لقاء بري وباسيل، بحضور خليل؟
يقول رئيس المجلس لـ “السفير” إن الاجتماع مع باسيل كان ايجابيا، مشيرا الى أنه كانت هناك بعض نقاط التباين في ملف النفط والغاز، فتمت معالجتها وفق قاعدة اساسية مشتركة هي تثبيت حقوق لبنان النفطية والغازية وحماية “البلوكات” الجنوبية (8 و9 و10) من الأطماع الاسرائيلية.
وأشار بري الى أنه يفترض أن تجتمع اللجنة الوزارية المعنية قريبا، على أن يُدعى مجلس الوزراء للانعقاد لاقرار سلة المرسومين التطبيقيين وقانون الضرائب الذي أعده وزير المال علي حسن خليل. وقال انه بعد اقرار مشروع القانون الضريبي في مجلس الوزراء “سأدعو الى عقد جلسة نيابية عامة ولو تطلب الأمر أن يكون هذا المشروع بندا وحيدا على جدول الأعمال، ومن يغيب من النواب أو الكتل عن هذه الجلسة، عليه أن يتحمل المسؤولية أمام الشعب اللبناني وأن يتحمل تبعات أي تأخير اضافي في اطلاق الورشة النفطية”.
وكشف بري لـ “السفير” أنه طلب من رئيس لجنة الأشغال والطاقة النيابية النائب محمد قباني أن يعد اقتراح قانون للتنقيب عن النفط في البر اللبناني تمهيدا لوضعه على جدول أعمال مجلس النواب تحسبا لامكان تأخر الحكومة في اقرار مشروع قانون بهذا الصدد.
والتقى بري مع كلام لباسيل إذ قال رئيس المجلس إن التفاهم مع “التيار الحر” نفطي بحت، لكنه أردف أنه مستعد لأي تفاهم سياسي “ونحن منفتحون على كل ما من شأنه انقاذ لبنان من أزمته الحالية”، فيما أمل الوزير باسيل في أن يكون الاتفاق النفطي “فاتحة خير وأمل ليس فقط بالنسبة الى النفط والغاز بل في الكهرباء وغيرها، وفاتحة أمل لاتفاق سياسي أوسع”، وأكد الوزير خليل أنّه جرى “توافق كامل على النقاط التي كانت عالقة، وكان الرئيس بري حريصا على عدم الخروج من الاجتماع من دون ان يكون هناك اتفاق وتوافق يفتح المجال أمام إقرار المراسيم والانطلاق بورشة العمل”.
بدوره، أعلن باسيل أن “التيار الوطني الحر” و “أمل” اتفقا “على النقاط التي كنا نختلف عليها (في ملف النفط)، وهذا يعطي فرصة وتقاطعا مع جملة معطيات خارجية وداخلية تؤمن بالنتيجة استقرارا أكثر للبلد. وكذلك فإن قيامنا بهذا الامر هو ايضا من ضمن الحفاظ على حقوق لبنان بمواجهة العدو الاسرائيلي، ونخلق بالاضافة الى معادلة القوة معادلة نفطية غازية تضعنا على الخريطة النفطية والغازية في العالم وتؤمن نجاح المسار التقني والفني في المناقصات لكي تنجح”.
أضاف: “أعتقد أننا أمام الحد الادنى من هذه العناصر كلها: نجاح المناقصة، مصلحة لبنان الاقتصادية الاستثمارية وحقوق لبنان النفطية والغازية. وهذا التوقيت جيد للغاية”.
وتوجّه خليل وباسيل بالكلام الى رئيس الحكومة تمام سلام الذي كان ينتظر ان يحصل نوع من التوافق السياسي قبل دعوة اللجنة الوزارية المعنية بملف النفط، ولاحقا وضع المراسيم على جدول اعمال مجلس الوزراء في أقرب فرصة لإقرار هذه المراسيم.
عماد مرمل