التفجير الإنتحاري الأول الذي حصل في القاع تلك البلدة البقاعية الحدودية النائية جعلت كثيرين يعتقدون أن التفجير سببه الضغط الذي تعرض له الإنتحاريون في تلك المنطقة فإضطروا إلى التفجير، لكن وقوع التفجير الثاني في نفس اليوم مساءا غير المعطيات والتحليلات التي ذهبت بإتجاه آخر.
لماذا القاع :
القاع منطقة بقاعية حدودية تتشارك عقاريا مع أراض سورية تسيطر عليها قوات داعش التي إستطاعت بسط سلطتها على آلاف الأمتار من جرودها وهي تشكل منفذا مهما لعناصر التنظيم وغيره للتسلل داخل الأراضي اللبنانية خصوصا من منطقة البساتين الذي وجد الجيش اللبناني العديد من المعدات العسكرية المخبأة فيها.
وأقرب نقطة بين داعش والأهالي لا يتجاوز 3 كلم وهي منطقة عسكرية تعتبر مهمة بمنظور التسلل والتوغل بإتجاه الأراضي اللبنانية، فهي جغرافيا منطقة مرور وعبور مهمة للتنظيم للتوغل بالعمق نحو الأراضي اللبنانية.
والقاع لها ميزة أخرى أعطت التحليلات السياسية بعدا إضافيا وجعلت الأمور أكثر تشويشا. هي منطقة يسكنها غالبية مسيحية يدينون بالولاء للقوات اللبنانية. فالقوات رأيها كرأي باقي قوى 14 آذار هو تحييد لبنان عن صراعات المنطقة وخصوصا المستنقع السوري الذي يغرق فيه الجميع بحرب إستنزافية تبدو طويلة الأمد.
القاع مستهدفة أو رسالة:
التفجير الثاني الذي حصل مساءا جعل العديدون يغيرون قناعتهم التي تحدثوا عنها في الصباح وفي طليعتهم سمير جعجع لجهة إستهداف القاع أو لاء.
والسؤال: ما الغاية المتوخاة من التفجير؟ هل هي غاية سياسية أو مجرد غاية لوجستية.
إذا نظرنا إلى موقع بلدة القاع نرى أن الغاية بحت لوجستية لها علاقة بعبور الإنتحاربين لا غير.
ومن المستبعد أن يكون التفجير له غايات سياسية كتأليب الرأي المسيحي على الإرهاب لأنه ببساطة هذا الرأي مؤلب طبيعيا وهذا ما تعبر عنه معظم القوى المسيحية ونخبها. وهنا لا يفوتنا الغطاء المسيحي الكبير الذي يؤمنه التيار الوطني الحر لدخول حزب الله إلى سوريا.
فمرد الأمر كما يبدو بالظاهر لوجستي وتجهيزي فقط ، وهذا ما عبرت عنه بعض التسريبات الأمنية عن مخطط لإستهداف بيئة حزب الله من حسينيات ومساجد في ليلة القدر.
وبرز سيناريو آخر يؤكد هذا التوجه ويبرر في نفس الوقت سبب حصول تفجيرين في ذات اليوم.
والسيناريو يتحدث عن أن الإنتحاريين كانوا متوجهين لإستهداف مناطق حزب الله ولكن بعد فضح مخططهم وهم في القاع تحولوا إلى الخطة " ب" وفجروا أنفسهم فكان التفجير الأول. بعد التفجير فرض الجيش اللبناني والقوى الأمنية حصار أمنيا وطوقا على البلدة وفي هذه الأثناء كان لا يزال هناك بعض الإنتحاريين داخل البلدة، وبعد فشلهم في التهرب من هذا الحصار، فجروا أيضا أنفسهم فكان التفجير الثاني بالمساء.
وما يؤكد هذا السيناريو هو توقيت التفجير الأول فجرا، حيث لا يوجد مواطنين في الشارع، وهذه التنظيمات تتميز بأنها تتعمد إسقاط أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية وهذا التكتيك لا يتوافق مع التوقيت، ما يؤكد أن الإنتحاريين نفذوا خطة " ب" تحت الضغط وإنكشاف مخططهم ولم ينفذوا الخطة "أ".
وعن هدف التفجيرين، تؤكد مصادر أخرى أن هدف الإنتحاريين لم يكن حصرا فقط بيئة حزب الله بل قوات الجيش اللبناني أيضا والسبب يعود إلى الضربات القاسية التي تتعرض لها هذه التنظيمات من الجيش اللبناني في الجرود.
لكن يبقى الكلام تحليلا خصوصا أنه لوقت كتابة هذا المقال لم تتبن داعش أو أي تنظيم آخر العملية، وهذا ليس من عادة هذه التنظيمات.
وإذا طال هذا الصمت الإعلامي من قبل هذه التنظيمات، سيبدو أن الأمر له حيثيات وخلفيات أخرى.
لم يعلن داعش او النصرة لبنان ساحة جهاد إلى الآن، هي فقط ساحة عمليات، ورسالة القاع تقول: هي ممر وليست مقر.