المجتمع اللبناني لا يزال يولد أزمات أخلاقية في محيط جغرافي بات يفتقد لمقومات الإنسانية. وهذا المجتمع يدعي مثاليته وفوقيته وتمسكه بمعايير أخلاقية تختلف عن محيطه الشرقي. لكن سرعان ما يسقط اللبناني في إمتحان الأخلاق عند كل مفترق تفجير تقوم به داعش وأخواتها.
العنصرية متجذرة فينا:
أصاب لبنان منذ بداية الأزمة السورية في 2011 العديد من التفجيرات الإرهابية التي أودت بحياة العديد من اللبنانيين وغير اللبنانيين. المشكلة ليست هنا مع أنها كارثة، المشكلة بعيدة عن التعاطف الإنساني مع أهالي الشهداء والجرحى، المشكلة تجدها في التراكمات النفسية التي تنمو في مجتمعنا الفاشل.
عند كل تفجير، يطفو على السطح عبارات وتصرفات متنوعة ما بين الطائفي والمناطقي والعنصري. والسؤال المستهجن في القرن 21 هل هذا طبيعي او ردة فعل فطرية وعادية؟
هي ردات فعل طبيعية لمجتمع بالأصل يتبنى هذه المنظومة من التصرفات والوعي، فاللبناني بطبعه عنصري، والسبب يعود إلى المنظومة الثقافية التي تربى عليها مجتمع بأكمله.
هذا ما برز في خطابات اليمين اللبناني خلال الحرب الأهلية اللبنانية والذي رفع شعار " اللبنانية" وتحول إلى جدل بل ترف فكري حول هوية لبنان، هل هو فينيقي او عربي؟
وتفرع عن هذا الجدال كره متبادل وعنصرية وحشية بين الفلسطينيين واللبنانيين بشكل عام.
حتى الذين تعاطفوا مع الفلسطيني في حقبة الحرب الأهلية، كانوا من مبدأ الإيمان بالعروبة " العنصرية القومية" والإنضمام إلى سوريا لا بسبب أن المجتمع الذي نعيشه هو بالأصل مجتمع مثالي أو يتبنى هكذا أطروحات.
خلال فترة السلم الأهلي بين توقيع إتفاق الطائف وإغتيال رفيق الحريري، أخذت العنصرية لونا آخر حتى من المؤمنين بالعروبة. هذا اللون كان بعيدا عن العنف ويقتصر على التجريح الشخصي والإيحاءات العملية.
فتخلل هذه الفترة موجة من العنصرية إتجاه العامل الأجنبي سواء كان سوري أو سوداني أو مصري أو سيريلنكي وغيره.
فالإيحاءات العملية ترجمت بأن اللبناني لم يعد يعمل بالمهن التي يعمل بها هذا الأجنبي، في الزراعة والبناء واليوم بالمطاعم. وأول من دفع الثمن هو اللبناني ما إنعكس إرتفاع في معدلات البطالة وإزدياد في إستيراد اليد العاملة والهجرة نحو الخارج.
منذ لحظة إغتيال الحريري وما بعده، تعرض العديد من العاملين السوريين واليوم نازحين إلى موجات من العنصرية إتخذت في بعض الأحيان لونا من العنف.
ولم يقتصر هذا الأمر على العامة أي الغوغاء بل نخب المجتمع اللبناني بدأت تنحو بهذا الإتجاه، كتصريحات وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل إتجاه النازحين.
وبعد كل تفجير، ترى أصابع العنصرية والإنحطاط الأخلاقي تتوجه نحو النازحين السوريين أو اللاجئين الفلسطينيين على الرغم من أن بعض شهداء هذه التفجيرات كانوا من هذه الجنسيات ومناطق كسوريا وفلسطين تتعرض بشكل يومي لموجات إرهاب، هكذا يحدثنا المنطق.
لكن المنطق توقفت محركاته في عربة مجتمع هو عنصري وفاشل بالآن نفسه.
فشل هذا المجتمع يغطيه أبناؤه بالبرستيج ومواكبة العصر، متناسين أن التطور والحضارة الحقيقية ليست بإستخدام جهاز آي فون تكتب من خلاله على حسابك على الفايسبوك عبارة عنصرية.
هذا إستغلال للتطور من أجل الترويج لأفكار عنصرية وشيطانية باتت تمثل خطرا وجوديا أخطر من الإرهاب عينه.
حل هذا المرض:
فترة ما بعض الطائف شهدت مرحلة من السلم الأهلي سمح ولو نظريا ببناء المجتمع فكريا ليطابق هذا السلم. لكن البناء ليس قاعدة للرقي دائما والهدم ليس قدوة للفشل والإرهاب أحيانا.
ما تم بناؤه وتأسيسه في هذه الفترة هو إلتفاف على الكلمات والعبارات وتمويهها.
كتاب التربية والتنشئة الوطنية تراه أنموذجا رائعا عن الرقي والوطنية. لكن مهلا، هو رائع فقط داخل جدران المدرسة، أما في المجتمع اللبناني فاللبناني إستمر ببناء جدران الخوف والمظلومية من أخيه اللبناني، وإستمرت نغمة " شرقية" و " غربية" في بيروت العاصمة التي يصفها المثقفون "العنصريون" بعاصمة القانون.
ينتهي الأستاذ من محاضرته الوطنية لتلاميذه فيحدثهم عن رأيه السياسي بأي قضية بعنصرية.
يخرج التلميذ من صفه ليسمع أبيه يحرض على الأديان المخالفة لثقافته وقيمه، ينتمي إلى الأحزاب والحركات والتيارات فتحاضر فيه عن الخطر الوجودي من الآخر، فيهرب إلى المجتمع ليسمع ويرى في شوارع وأزقة المجتمع كلام وأفعال التحرش والعنصرية. يبقى يبحث، فيلتجأ إلى رجال الدين وهناك الطامة الكبرى لتأتيه الفتوى بأن عنصريته هي مدخله إلى الجنة.
أحدثكم عن مجتمع مريض بحاجة لعلاج، والعلاج يبدأ من البيت إلى المدرسة فالمجتمع ، العلاج بحاجة للإلتجاء إلى أحضان العلم والإبتعاد عن تفسيرات الدين وتصنيفاته هذا مؤمن وذاك كافر أو ضال.
العلاج بمنظومة فكرية وثقافية متوازنة الخطوات ومنسقة المراحل ومتكاملة لنصل إلى شواطىء الحضارة الجميلة.
حتى بلوغ هذا الحلم الرائع، ستبقى داعش تفجرنا وتفضحنا.