غيّرت وسائل الإعلام المصرية وبعض مواقع التواصل الاجتماعي طريقة تناولها للشأن التركي، في ما وصف بأنه تمهيد لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وتمثل ذلك في استعراض تاريخ التعاون بين القاهرة وأنقرة، وحجم استفادة مصر من الاستثمارات التركية.
وتبدو السياسة الجديدة لتركيا راغبة في تنشيط التعاون الاقتصادي مع مصر عن طريق تطبيع العلاقات السياسية، وذلك بالتزامن مع تطبيع العلاقات مع إسرائيل وروسيا، وصرح رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم مؤخراً بأنه لا مانع من تطوير العلاقات الاقتصادية بين تركيا ومصر.
وأضاف يلدرم أنه بالإمكان تبادل الزيارات بين المسؤولين ورجال الأعمال في البلدين، وإجراء اتصالات تتعلق بالمجال العسكري.
وعلّق أحمد مصطفى وكيل لجنة القيم في البرلمان المصري على تصريحات تركيا قائلاً إن "على أنقرة الاعتذار عن الإهانات المتكررة لمصر"، مضيفاً أنه "يجب تسليم المطلوبين من قيادات جماعة "الإخوان" للعدالة المصرية، والمتهمين بارتكاب جرائم".
ويشدد مصطفى على أن العلاقات بين الدول لا بد أن تقوم على الاحترام المتبادل، ووصف تصريحات يلدرم بأنها مكررة وللاستهلاك الإعلامي.
دعم الأكراد
في المقابل، تقدم مصر دعماً لتيار كردي تصنفه تركيا ضمن قائمة الإرهاب، ونشرت "ديلي نيوز" تقريراً استخباراتياً عن استقبال وفد من حزب العمال الكردستاني في القاهرة، حيث وعدته السلطات بتقديم العون له مقابل تنفيذ هجمات ضد مجموعات الإخوان الموجودة في تركيا.
ويرى السفير السابق عبد الله الأشعل في موقف تركيا الجديد "محاولة لفك الاشتباك الإقليمي الذي أرهقها، خاصة مع روسيا وإسرائيل ثم مصر، التي لم تسبب أي مشكلة لتركيا، لكن إشارة رئيس الوزراء التركي إلى مصر كانت واضحة، ويترتب على ذلك مرونة اقتصادية يحتاجها البلدان".
ويضيف الأشعل أن تقارباً اقتصادياً بين القاهرة وأنقرة يمكن من تقارب سياسي بناء على تقدير أردوغان، وموقفه المعارض لقيام الجيش بدور في السياسة، ويشير السفير المصري السابق إلى أنه يمكن القفز على مخاوف الرئيس التركي، لكن ذلك قد يستغرق وقتاً طويلاً".
مسألة وقت
ويقول الكاتب والمحلل السياسي أسامة الهتيمي إن عودة العلاقات المصرية التركية أصبحت مسألة وقت، فالأمر بات محسوماً، خاصة مع تولي رئيس وزراء جديد زمام السلطة، إذ تحاول أنقرة تحسين علاقاتها الدبلوماسية التي تدهورت مع عدد من البلدان المهمة مثل روسيا والصين ومصر وإيران.
ويضيف الهتيمي أن تركيا تسعى إلى تهدئة الأجواء مع البلدان المذكورة، والتعاطي معها بشكل براغماتي يحقق الحد الأدنى من تطبيع العلاقات، ولو على المستوى الاقتصادي الذي يمكن أن ينمو ليصبح على مستوى وزاري يسمح بالتباحث حول القضايا العالقة بين الدولتين من أجل الوصول إلى علاقات كاملة وطبيعية.
ويعتقد الهتيمي أن "عودة العلاقات بين البلدين -ولو جزئياً- سيمكن كل منهما من أن يحدد مطالبه لتطوير العلاقات، وهو ما سيمثل أحد محددات الموقف التركي من النظام المصري القائم، كما سيكون أداة ضغط على المناوئين لهذا النظام من المقيمين بتركيا.
ويتوقع المتحدث أن تزيد احتمالات قيام تركيا بدور فاعل لتحريك الجمود الحاصل في علاقة نظام عبد الفتاح السيسي مع معارضيه.
وتابع الكاتب السياسي "ربما ما يزال تغير الخطاب الإعلامي المصري تجاه تركيا محدوداً للغاية، متمثلاً في تعاطف وتضامن مع أنقرة بعد الحوادث الإرهابية التي شهدتها مؤخراً، ولتفادي مشاعر الشماتة التي يمكن أن تنتاب مؤيدي النظام المصري، وهذا في اعتقادي تفاعل إيجابي مع التصريحات الأخيرة للحكومة التركية".
مثلث العلاقات
وقال أستاذ العلوم السياسية جهاد عودة إن مصر لن تخضع لشروط تركيا، والاستجابة المصرية للتصريحات التركية ستكون حذرة، خاصة في ضوء نقص المعلومات حول النوايا الإسرائيلية التركية، ويضيف عودة "هناك دائماً في العلاقات الإقليمية الدولية مثلث أو مربع للعلاقات، وبالنسبة للشرق الأوسط فهو يتجسد في إسرائيل وتركيا وروسيا ومصر".
ويشير أستاذ العلوم السياسية أنه ليس من الضروري أن تتحسن علاقات البلدين في جميع المحاور وبالدرجة نفسها، "بمعنى أن هناك فصلاً بين الآثار السياسية والآثار الإستراتيجية لتحسن العلاقات".
(الجزيرة)