لا دين للإرهاب ولا هوية له. فلا يفرق بين منطقة وأخرى وطائفة وأخرى، ففي القاع امتزج الدم المسلم بالدم المسيحي وسال على تراب الوطن لحفظ الميثاق القائم على العيش المشترك بين كافة المكونات الدينية للشعب اللبناني في نموذج فريد من نوعه في العالم.
أن أحدا لا يستطيع الإدعاء بأن ما جرى في بلدة القاع بالأمس القريب كان مفاجأة، فالارهاب يغزو العالم كله ومن الطبيعي ونحن على مقربة من الجماعات الإرهابية التي تنشط في سوريا والعراق ان يكون للبنان نصيب منها.
لكن المفاجأة هي ان الطبقة السياسية الحاكمة في البلد لا تزال تغط في سبات عميق عما يجري من حولنا، وعندما تستعيد بعضا من وعيها فإنها تتلهى بالمهاترات والمناكفات والاتهامات المتبادلة بين أركان السلطة على أزمات ومشاكل يعود السبب الأول إليها في تفاقم هذه المشاكل وتراكمها، وحتى في أشد المحن التي يتعرض لها الوطن فإن أركان الحكم يغرقون في البحث عن جنس الملائكة.
وما ان انجلت الغبرة عما حدث في القاع صباح يوم الاثنين الماضي حيث تواترت المعلومات عن إقدام أربعة ارهابيين على تفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة بشكل متتابع وفي مدة زمنية لا تزيد عن الساعة بارتكابهم عمليات انتحارية في منطقة سكنية في البلدة أسفرت عن استشهاد ستة مدنيين وسقوط عشرات الجرحى الذين هرعوا إلى مكان التفجير.
ومن بين الجرحى عدد من العسكريين الذين صادف مرورهم ضمن دورية للجيش اللبناني كانت تقوم بمهمة عادية قرب مكان الانفجارات حيث عمدت إلى تطويق المنطقة بمساندة قوات من ألوية أخرى استقدمت على وجه السرعة للقيام بعمليات الكشف والمسح والتحقيق وملاحقة المشتبه بهم.
وما ان بدأت وسائل الإعلام بنقل الوقائع الميدانية لساحة التفجير حتى بدأت مواكب وفود النواب والوزراء وكبار المسؤولين بالتوافد إلى مسرح الجريمة في بلدة القاع محملين باكوام من الوطنية والحرص على العيش المشترك وطلاقة اللسان والتضامن مع البلدة المفجوعة.
فانطلق حفل فولوكلوري من التصريحات ذات النبرة العالية والخطب الرنانة والكلام المعسول الممزوج بمنسوب كبير من الدجل والنفاق والرياء والخالي من أي مضمون واقعي او تحمل للمسؤولية يمكن أن تحد من هذه الظاهرة الإجرامية وتخفف من معاناة المتضررين والمفجوعين وذوي الضحايا.
وكالعادة فإن المسؤولين يقتنصون الفرص للمتاجرة بمعاناة الناس ودماء الابرياء وأرواح الضحايا دون أن يرف لأي منهم جفن. حتى ولو ضاع الوطن. مع أن المطلوب منهم أقل بكثير من الكلام الذي يلقونه فوق السطوح.
المطلوب فقط وبكل بساطة ان يفرجوا عن الدولة وفكها من القيود المفروضة عليها لتكون دولة بكل ما تعني الكلمة من معنى، دولة المؤسسات والقانون بحيث يتم تفعيل كافة المؤسسات الدستورية وكافة الاجهزة العسكرية والأمنية والقضائية كي تقوم بالمهمات الملقاة على عاتقها والتي حددتها الأنظمة والقوانين.
عندها فقط يلتئم المجلس النيابي وينتخب رئيسا للجمهورية ويتم الإتفاق على قانون جديد للانتخابات، وتجري الإنتخابات النيابة في مواعيدها المحددة ويتم معالجة كافة المشاكل والأزمات وينحصر قراري الحرب والسلم في يد المؤسسات الشرعية وينأى لبنان بنفسه عن الصراعات الإقليمية، عندها فقط يقف الشعب اللبناني بكافة مكوناته خلف جيشه بوجه اي عدو خارجي سواء جاء من الجماعات الإرهابية أو من العدو الصهيوني..