لم يكن أمام أهالي القاع الشجعان إلّا حمل السلاح، في مواجهة موجة الانتحاريين، لكنّ مخزون هذه الشجاعة يكفي فقط لرفع معنويات أهل البلدة والبقاء في منازلهم، لكنه لا يصلح لأن يكون عنواناً حقيقياً للدفاع عن البلدة، أو عن المنطقة المهدّدة، ولاسيما أنّ هناك بلدات مسيحية أخرى ربما تكون معرّضة للاستهداف كما القاع، ومنها بلدة رأس بعلبك.
ما حصل في القاع بعد استهدافها أعطى مؤشرات عدة الى وجود تراخٍ أمني لم يسبق له مثيل خصوصاً بعد العجز عن ردّ الموجة الليلية من الانتحاريين، وهذا العجز يترك تساؤلات كثيرة، ويُحدّد مسؤوليات لم تتحدّد حتى الآن.
وإذا كان حمل السلاح في مواجهة الانتحاريين، بات يشكّل الحلّ الموضعي لأزمة بدت أنها أكبر من مجرّد حماية بلدة من هنا أو بلدة من هناك، فإنّ غياب المبادرة لدى القوى التي يُفترض بها أن تبادر، كان وسيبقى الثغرة الأساسية التي لا تجد الى الآن مَن يعمل على ردمها، والمعني بها، الغياب عن حمل مشروع المطالبة بالحلّ الجذري الذي يُفترض أن تحمله قوى لا يرهبها منطق الخوف أو التخويف القائم على إيقاع تخيير اللبنانيين بين التعرّض لخطر الإرهاب، أو الاندفاع الى اتباع نموذج «حزب الله»، الذي عمّم نموذج «سرايا المقاومة» في بيئته، وفي البيئة السنّية، فيما يطمح لتعميمها لدى المسيحيين، الذين انكفأوا أمام خطر تعرّض مدنهم وقراهم لما تتعرّض له البلدات السورية، وها هم يندفعون الى الأمن الذاتي الذي لا يمكن اعتباره أكثر من حبّة مورفين موضعية وظرفية، تؤدي الى التخدير، الذي يسبق عادة الانفجار الكبير.
ما حصل في القاع لم يكن ليتمّ حسب ما أجمع عليه مراقبون لو لم يحصل فراغ أمني بشكل أو بآخر، وما سيجري في المنطقة يمكن أن يصل الى حدّ فتح جبهة جديدة، قد تأخذ في طريقها بعض هذه البلدات، ما سيؤدّي الى تهجيرها، باعتبارها ساقطة عسكرياً، إذا لم تتوافر لها الحماية الأمنية الشرعية.
وتجاوزاً لشجاعة أهل القاع وصمودهم، كما للعراضات التي قام بها بعض القوى السياسية، وحوّلت القاع مسرحاً كبيراً، يكمن السؤال في عدم طلب أيّ حزب مسيحي ضبطَ الحدود، ويأتي في طليعة هؤلاء رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل الذي كان مشاركاً في مؤتمر التحالف الدولي، واكتفى من القاع بإطلاق مواقف لا تتصل بعمق الأزمة بل تذهب الى تسعيرها، خصوصاً عندما أعطى الشرعية لقتال «حزب الله» في سوريا، وعندما طلب من «بلدياتنا» أن تتخذ إجراءات بحق السوريين الموجودين في نطاقها، في وقت كان الأحرى به أن يطلب ضبط الحدود، والاستعانة بقوات دولية لمساعدة الجيش اللبناني، طبقاً لما ينص عليه القرار 1701».
ويبقى السؤال: هل وقع الجميع في فخ القاع، وهل نجح «حزب الله» في الانتقال الى تعميم أزمته في سوريا، على الواقع اللبناني الذي لن يستطيع الصمود في مواجهة استيراد الأزمة السورية الى لبنان، مع كلّ ما تتضمّنه من قدرة على تفجير الاستقرار الهش؟
الأكيد أنّ القوى المسيحية المتحالفة مع «حزب الله» وفي طليعتها «التيار الوطني الحر»، ستندفع الى ملاقاة الحزب وتحقيق أهدافه، باعتبار أنّ هذه الأهداف ستُترجَم حكماً لصالح «التيار» ولصالح تعزيز الحظوظ الرئاسية للعماد ميشال عون، الذي يعتقد أنّ مشروع السلة المتكاملة سيصل به الى قصر بعبدا، معزّزاً بالذعر المسيحي ممّا حصل في القاع، وبفقدان المبادرة لدى القوى المسيحية الأخرى التي باتت تفتقد القدرة على حماية أيّ مبادرة وطنية تحمي الاستقرار.