أصبح واضحاً أن جميع الدول المنتجة للنفط داخل «أوبك» وخارجها تريد رفع سعر النفط، فمستوى سعر البرميل الذي يتراوح منذ فترة بين 48 و50 دولاراً لم يعد كافياً للدول المنتجة لتنفيذ خطط موازناتها وبرامج استثماراتها. حتى السعودية وهي أكبر منتج نفط وتتميز باحتياط مالي كبير ترى أنه ينبغي الحد من تراجع سعر النفط ورفعه إلى مستوى مريح كي تعود الاستثمارات في العالم وكي لا يكون هناك نقص في الإمدادات على المديين المتوسط والطويل.
في ضوء هذا التطور، من المهم انتظار اللقاء المرتقب بين وزيري الطاقة الروسي الكساندر نوفاك والسعودي خالد الفالح لنرى ما إذا كان في إمكان موسكو المساهمة مع الرياض في الحد من تراجع سعر النفط، كون الدولتين أكبر المنتجين في العالم. فنوفاك قال إنه سيلتقي الفالح حتى لو اضطر إلى التغيب عن مؤتمر وزراء دول مجموعة العشرين في الصين نهاية الشهر.
وقد يكون اللقاء المرتقب بالغ الأهمية إذا كانت الدول المنتجة في «أوبك» وخارجها عازمة فعلاً على التعاون. ففي المؤتمر الأخير لـ «أوبك» كانت هناك فكرة من دول الخليج لجعل مستوى الإنتاج الحالي سقفاً للإنتاج، أي أكثر قليلاً من 32 مليون برميل في اليوم، لكن إيران رفضت العرض مطالبة بتحديد الحصص، وهو أمر صعب جداً، إذ لا توافق دول «أوبك» الكبرى على الدخول في هذا الجدل العقيم، خصوصاً أنه لن ينتهي إلى نتيجة لأسباب سياسية، ولن يكون سوى عنصر تعطيل لأعمال المنظمة.
يمكن أن يكون دور روسيا أن تقنع حليفها الإيراني بالقبول بسقف إنتاج، على أن يتم تجميد حصص بقية منتجي النفط. لكن طهران سارعت منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي عندما رفعت العقوبات عنها، إلى زيادة الإنتاج بنحو مليون برميل في اليوم. فزادت صادراتها بوتيرة أكثر بكثير مما كان متوقعاً، وهي تنتج حالياً حوالى ثلاثة ملايين ونصف المليون برميل يومياً، وقد ترغب في الاستفادة من تراجع إنتاج فنزويلا في شكل كبير لأخذ حصتها في السوق.
أضف إلى ذلك أن الأوضاع السياسية المتأزمة بين دول الخليج وإيران لا تساعد على إقناع الأخيرة بضرورة الالتزام بسقف إنتاج، ما ظهر في مؤتمر «أوبك» الأخير. قد يكون هناك توجه لوضع سقف إنتاج للمنظمة، لكن إذا استمرت إيران في زيادة إنتاجها في ظل سريان هذا السقف، فسيعني ذلك أن هذه الزيادة ستكون على حساب آخرين، وهو أمر لن يكون مقبولاً. فالتزام الجميع بالسقف مع تجميد الإنتاج قد يكون فكرة جيدة لرفع مستوى الأسعار، لكن إذا لم تلتزم إيران بسقف الإنتاج فسيكون ذلك معقداً جداً.
غير أن أهمية طرح فكرة السقف الإنتاجي من قبل دول الخليج خلال المؤتمر الأخير تتمثل بوجود توجه جديد لديها للعدول عن سياسة ترك أسعار النفط تتراجع إلى مستويات غير مناسبة لاقتصادها مهما كان احتياطها المالي كبيراً. فالسعودية وهي أكبر منتج في «أوبك» حريصة على عدم ترك سعر النفط ينهار لأن ذلك أيضاً يؤثر في الاستثمارات المستقبلية في الإنتاج النفطي أينما كان في العالم، ما قد يؤدي خلال فترة سنتين أو ثلاث إلى توتر في سوق النفط بسبب نقص في العرض.
لكن اليوم لا يمكن أن ترتفع أسعار النفط، خصوصاً بعد الهزات التي حدثت في الأسواق المالية نتيجة قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلا بقرار جماعي في «أوبك» في شأن الإنتاج، على الأقل بتجميده. وقد يكون لقاء الفالح ونوفاك مهماً جداً لهذه المسألة وللتعاون بين أكبر منتجين للنفط من داخل «أوبك» وخارجها، علماً بأن روسيا تاريخياً معروفة بعدم احترام التزاماتها، لكن ربما تقودها حاجتها الملحة لزيادة عائداتها من النفط إلى مثل هذا التحرك.