مع تواصل الاستعدادات لتشييع شهدائها الخمسة عصراً، تعيش بلدة القاع ومعها كل الوطن حالة من الاستنفار العسكري والأمني والأهلي غداة التفجيرات الانتحارية الثمانية التي أدخلت البلاد من أقصاها إلى أقصاها في مرحلة حرجة جديدة على خارطة المواجهة المفتوحة مع الإرهاب المتمدد من سوريا، ما استدعى رفع الدولة تأهبها إلى مستوياته القصوى حكومياً وعسكرياً وأمنياً درءاً للخطر المحدق بالساحة الداخلية وتأكيداً على حصرية مسؤولية المؤسسات الشرعية في حفظ الاستقرار والأمن وسط رفض جامع عبّر عنه مجلس الوزراء أمس لكل مظاهر «الأمن الذاتي» سواءً كان فئوياً أو طائفياً أو مذهبياً «لكي لا نقع في الفخ الذي نصبه لنا الإرهابيون« كما نبّه رئيس الحكومة تمام سلام. في حين كان الرئيس سعد الحريري يجدد التشديد على أنه لا سبيل لحماية لبنان «إلا من خلال الانضباط الشامل تحت سقف المصلحة الوطنية العليا وتحت سقف الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية وإلا بخلاف ذلك سيبقى لبنان ساحة للتدخل والتسلل والتخريب«.
إذاً، استنفر لبنان الرسمي كامل قواه المؤسساتية الشرعية في مواجهة الموجة الإرهابية التي أطلت برأسها على الساحة الداخلية الاثنين من بلدة القاع البقاعية، في ظل ارتفاع منسوب المخاوف الوطنية من أن يكون ما حصل «بدايةً لموجة من العمليات الإرهابية في مناطق لبنانية مختلفة« وفق تعبير سلام في مستهل جلسة مجلس الوزراء، ومؤشراً إلى «مرحلة جديدة أكثر شراسة في المواجهة مع الإرهاب الظلامي مع عدم استبعاد أن تكون هذه الجريمة الإرهابية فاتحة لموجة من العمليات الإرهابية» بحسب ما جاء في بيان الاجتماع الأمني الذي عقد مساءً في السرايا الحكومية ودعا خلاله المجتمعون إلى وجوب عدم اتخاذ الاعتداء الإرهابي الذي وقع في القاع «ذريعة لأي شكل من أشكال الأمن الذاتي المرفوض».
وبينما عُقد كذلك اجتماع عسكري - أمني في اليرزة جمع إلى قائد الجيش العماد جان قهوجي، وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وتناول البحث التطورات الأمنية الأخيرة في منطقة القاع وتعزيز الجهود العسكرية والأمنية المشتركة لمكافحة الإرهاب، أوضح وزير الداخلية لـ»المستقبل» أنّ «الأكيد بحسب المعلومات المتقاطعة أمنياً وعسكرياً أنّ 7 من انتحاريي «القاع» الثمانية كانوا قد أتوا من الداخل السوري في حين يتم العمل على تحليل معالم وجه الانتحاري الثامن للتأكد من هويته». ورداً على سؤال، أجاب المشنوق: «هدف الموجة الإرهابية لم يتضح نهائياً بعد لكن مختلف تقديرات الأجهزة تؤكد أنها ليست موجة عابرة».
مجلس وزراء.. أمني
وعلى وقع المستجدات الإرهابية الخطرة، حوّل مجلس الوزراء جلسته أمس من مالية إلى أمنية استهلها سلام بمطالبة جميع القوى السياسية «إعطاء موضوع استهداف بلدة القاع المسيحية بعده الوطني وليس الفئوي» مذكراً بأنّ «مناطق إسلامية مثل الضاحية الجنوبية وطرابلس وعرسال وغيرها استهدفت في الماضي». وبنتيجة النقاش أصدر المجلس بياناً جدد فيه «ثقته الكاملة بالجيش وجميع القوى والأجهزة الأمنية التي تؤدي على أكمل وجه واجبها الوطني في حماية أمن اللبنانيين وحفظ الاستقرار في جميع أنحاء البلاد«، ودعا «جميع المواطنين إلى الالتفاف حول القوات الشرعية وعدم الاستسلام للذعر الذي يريد الإرهابيون بثه في النفوس لهز الثقة بالبنيان الوطني«، واضعاً نفسه «في حالة تأهب دائم للتعامل مع أي تطور أمني جديد«، ومعلناً «وضع جميع المؤسسات الحكومية بكلّ إمكاناتها في حالة استنفار كامل لمواجهة تداعيات الأحداث«.
عن مجريات الجلسة، أوضحت مصادر وزارية لـ»المستقبل» أنّ النقاش في شقه السياسي تراوح بين تركيز وزراء «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» على ملف النازحين السوريين ومطالبتهم بحل شامل لمسألة المخيمات التي يلتجئون إليها على الأراضي اللبنانية في ضوء تفجيرات «القاع» وسط إثارة الوزير محمد فنيش مسألة ترحيل بعضهم إلى عدد من المناطق السورية الآمنة بالتنسيق مع الحكومة السورية، وبين مطالبة وزراء قوى 14 آذار وخصوصاً الوزيرين نبيل دي فريج وسجعان قزي بضرورة الاستفادة من القرار 1701 الذي يتيح للجيش اللبناني طلب المساعدة من القوات الدولية العاملة في الجنوب للانتشار عند كل المرافئ الحدودية البرية اللبنانية والعمل على ضبطها.
غير أنه وفي محصلة النقاش الوطني على طاولة مجلس الوزراء، لفتت المصادر إلى أنّ كل أعضاء المجلس أعربوا عن الدعم المطلق للجيش والأجهزة الرسمية الشرعية والرفض التام لأخذ ردات الفعل على التفجيرات الإرهابية منحى طائفياً، بالتوازي مع إبداء الوزراء بالإجماع رفضهم لكل أشكال الأمن الذاتي في البلد.