أكثر من 24 ساعة على تفجير القنابل البشرية في القاع ولا يزال تنظيم" الدولة الإسلامية" صامتاً، لا بيان ولا تصريح أو تسجيل يتبنى أو ينفي مسؤولية ما يجري، وأمام الخسائر البشرية والمعنوية والتخبط بين القوى السياسية ورشق الاتهامات لا بد من التساؤل: ماذا بعد تفجيرات القاع، وما هي أهداف "داعش" من هذه العمليات؟
جرود القاع وجريجير مرتع لمقاتلي "داعش"، يتعامل معهم "حزب الله" بخجل بعكس ما قام به في جرود عرسال وفليطا عندما شن حملة عسكرية على مقاتلي "الجيش الحر" و"جبهة النصرة"، فمنذ سنتين إلى الآن اقتصرت أعمال حزب الله العسكرية على ضربات عن بعد ومنع التسلل، فيما لوحظ صرف النظر الدولي عن هذه البقعة الجغرافية التي تهدد لبنان: أين التحالف الدولي من هذه المنطقة؟ وأين طائرات النظام، لماذا لا يرمي براميله فيها؟
الى حين صدور بيان "داعشي" يوضح سبب التفجيرات الدموية، تكثر التحليلات، فهناك من يعتبر أن القاع لم تكن الهدف وانها كانت محطة عبور، وآخرون يعتبرون أن الهدف هي قرى شيعية ومساجد تزامناً مع احياء ليلة القدر عند الشيعة، وهناك من يعتبر ان الاستهداف رسالة للمسيحيين ورابع يرى ان الانتحاريين يريدون ضرب الجيش اللبناني.
لا مقوّمات
أحد قياديي "الجيش الحر" الذين كانوا متواجدين في الجرود وخرجوا منها بعد تعاظم قوة داعش هناك، يستغرب قدرة الانتحاريين وهذا العدد منهم على اجتياز كل هذه المسافات باحزمة ناسفة ومتفجرات للوصول إلى القاع خصوصا في ظل وجود المراصد البريطانية على الحدود ويقول لـ"النهار": "المنطقة الفاصلة بين الجرود والقاع جبلية وتنتشر فيها نقاط لحزب الله من منطقة رأس العين وصولاً إلى نقطة التقاء مع الحدود السورية فضلا عن نقاط الجيش اللبناني"، ويضيف: "لا تزال أهداف داعش من هذا التفجير ضبابية، ولا يمكن سوى اعتبار أن هدفها هو زعزعة الأمن والاستقرار في لبنان".
ويؤكد أن "عناصر داعش ليس لديهم أي مقومات هجوم على لبنان، وهناك خلافات داخلية، ونقص الإمدادات وهذه التفجيرات هي كل ما يستطيعون فعله"، مشدداً على أن "عشر غارات للتحالف الدولي تنهي وجودهم في الجرود". وأكد القيادي أنه "طرح فكرة مهاجمة داعش برياً بغطاء جوي من التحالف لكنه لم يحصل على الموافقة".
فارس المنجد هو المتحدث الرسمي بإسم قيادة "قوات الشهيد أحمد العبدو" التابعة للجيش الحر والتي تقاتل "داعش" في أكثر من منطقة، يقول: "يجب النظر إلى أن تواجد تنظيم داعش الإرهابي ينحصر في نقاط عدة في جرود القلمون وهي جرود بعلبك من الجهة اللبنانية، وجرود قارة وجريجير في الجهة السورية، وأعدادهم لا تتجاوز الـ400 عنصر، وماشهدناه من عمليات مؤسفة في القاع، هي على مستوى أمني عال ومخطط لها، والتنظيم في تلك المناطق يفتقر لكامل الإمكانيات، لكن من غير المستبعد أن يقوم بمثل هذه العمليات، وذلك عبر دخول تستراً كمدنيين أو من نقاط تهريب، وبطبيعة الحال ليس صعباً على عناصر التنظيم تأمين تلك المواد في حال تواجدوا داخل لبنان".
أما في شأن محاولة سيطرة "داعش" على القاع يقول المنجد: "امكانية توغل التنظيم إلى نقاط داخل الحدود يعد أمراً مستحيلاً، حيث امكانيات التنظيم أضعف مما يروّج لها في الإعلام قرب الحدود اللبنانية، وتتركز اشتباكات التنظيم مع الجيش اللبناني في نقطة جرود بعلبك، ومن سابع المستحيلات أن يكون للتنظيم قدرة وامكانية للتوغل من تلك المنطقة إلى الجانب اللبناني، ويجب التذكير أنه قبيل عام تقريباً او أكثر، حاول التنظيم التوغل إلى الجانب اللبناني وقتل على أثرها آنذاك مععدد كبير من قيادييه في الجرود، وأدى ذلك إلى ضعف في القيادة العسكرية للتنظيم".
القاع لم تكن الهدف؟
رئيس جمعية "السكينة الاسلامية" أحمد الايوبي لا يزال على قناعته بأن القاع لم تكن الهدف بل كانت محطة عبور ويقول: "يبدو أن المجموعة بالكامل حوصرت في نطاق جغرافي واحد وحيز واحد فاقدموا على تفجير أنفسهم حتى لا يتم القاء القبض عليهم وبالتالي يستفيدون باحداث بلبلة وارباك امني".
ويرفض أيضا نظرية استهداف الجيش، موضحاً انه "لو أرادت هذه المجموعة أن تستهدف الجيش، فهي قطعت حواجز مهمة للجيش قبل وصولها إلى القاع، وكان في امكانها استهدافه واحداث خسائر استراتيجية، فليس من المنطقي القول إن القاع مستهدفة فإذا كان هناك حديث عن استهداف المسيحيين هناك مناطق اخرى مسيحية قريبة من هذا التنظيم خصوصاً في سوريا وقادر على مهاجمتها"، مذكراً بأنه "لم يحصل هجوم متزامن من خارج البلدة على القاع بهدف احتلالها، ولو كانت محاولة احتلال لكانت هناك عناصر من خارج المنطقة تغطي نارياً عمليات الهجوم وتقتحم القاع ولم يحصل ذلك، لهذا فإن المسألة لها علاقة باكتشافهم في البلدات وفقدوا الاتصال بقيادتهم ولم يعد لهم خيار الخروج فاقدموا على تفجير أنفسهم".
ويعتبر الأيوبي أن "حزب الله وداعش لديهما اهداف محددة من خلال الصراع على الحدود، فداعش وفي ظل الضربات التي يتعرض لها في سوريا والعراق ربما اتخذ القرار بتوسيع دائرة العمليات في لبنان وربما الاعلان لاحقا عن فتح الحرب على لبنان من أجل تخفيف الضغط الاقليمي والدولي عن مواقعه السورية مثلا لأن لبنان له خصوصية حضارية واستراتيجية، اما حزب الله فربما يكون يحضر عملا امنياً عبر دفع هذه المجموعة إلى القاع من خلال اجراءات معينة وهو المستفيد الاول من استهداف بلدة مسيحية في هذا التوقيت، يستثمر التفجير للحد الاقصى وظهرت عناصر منه مع عناصر من أمل مسلحة على تخوم القاع، ويريد أن يقول: نحن درعكم الواقي بالمواجهة ضد التكفيريين والارهاببين، يريد من الراي العام المسيحي الانضمام اليه في حملته في حلب".
خلط أوراق
وفي شأن عدم تبني الهجوم حتى الان يقول: "ربما كون هذه العمليات حصلت بحكم الامر الواقع وليس التخطيط المسبق فقد امتنع التنظيم حتى الان عن توضيحها او ربما اعتماد سياسة الغموض لاشاعة المزيد من الفوضى والتساؤلات حول ما جرى".
اما رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية السورية فهد المصري فيلفت إلى أن "داعش باتت شركة مساهمة اقليمية ودولية، ومن الواضح ان العديد من التحركات والعمليات سواء في سوريا او غيرها من الدول ومنها لبنان هي من تنفيذ الجناح التابع لايران (تكتيك) حتى تمتلك عبر ومن خلال ادواتها (حزب الله في لبنان) منظومة التبرير لمخططاتها الاستراتيجية لتعزيز نفوذها"، مشيراً إلى امكانية "استخدام مختلين عقليا بعمليات انتحارية مثلما حدث في العراق وفي سوريا باشراف امني ايراني".
أما العميد الاردني فايز الدويري فيقول: "بصرف النظر عن الاتفاق او الاختلاف عن تدخل حزب الله في سوريا أو حول ان داعش هي صنيعة النظام وايران، فإن تورط حزب الله في الازمة السورية يعطي المجال للقاصي والداني ان يتدخل بلبنان مقابل تدخل الحزب، وتنظيم الدولة سواء كان مختلفا او متفقا مع الحزب فهو يتدخل بسبب حزب الله".
وفي رأي الدويري أن "داعش يريد خلط الأوراق من هذه التفجيرات، لأنه يتعرض الآن إلى هجمات في الرقة وخسر في الفلوجة وهناك ضغوط في مواقع أخرى ويريد أن يثير الأمور في أكثر من مكان ويعيد خلط الأوراق".
محمد نمر