ما بين شادي مقلّد الآتي من بلدة جرجوع الجنوبية والذي كشف هو ووالده الإرهابيين الاربعة، والعسكري جان خوري الذي تحوّل مسعفاً لنقل الجرحى والشهداء، رواية كاملة عن ليل القاع الدامي والتي ستبقى تفاصيلها محفورة في أذهان القاعيين، وشهادة حيّة سطرها شادي ووالده الراقدان في مستشفى رياق للمعالجة.
لم يخطر ببال شادي الذي يعمل في حقول ومشاريع القاع الزراعية، بأنه سيتحوّل حارساً للبلدة واهلها بعدما فضح الإرهابيين الأربعة ممن اتخذوا من جوار منزله نقطة انطلاق مشوارهم القاتل.
بدأت الحكاية قرابة الساعة الثانية فجراً حين سمع الشاب الجنوبي دردشات "عالية الصوت" بين متجوّلين غريبيْن، وكان الهدف من هذه الضجة، إيقاظ الناس حسبما يقول شادي الذي بادرهم الى السؤال عن هويتهم، فادعيا أنهما ينتميان الى مخابرات الجيش اللبناني. الا أنه لم يصدقهما، وطلبا منه الاتصال بالجيش للتأكد من ذلك، ولم تكن بينهما سوى بضعة أمتار معدودة.
أكمل الإرهابيان طريقهما واختفيا بين البساتين، الا ان ارتياب شادي وخوفه منهما أبقياه ساهراً يرصد البساتين التي عاد وخرج منها قرابة الساعة الثالثة اثنان آخران، لم يكونا حسب شادي الشخصين نفسيهما. ودار بينهم الحديث ذاته قبل أن يختفيا مجدداً في البساتين، ليعود الأربعة سوية عند الرابعة إلا عشر دقائق فجراً.
وبعد تلاسن بين الأربعة وشادي الذي كان ينتظرهم على شرفته المطلة على الطريق العام وقد استعان بسلاحه الحربي، بادر أحد الانتحاريين إلى إطلاق رصاصة باتجاه الشاب الذي أصيب بيده، الا أنها لم تحل دون إطلاقه النار على الانتحاري في بطنه الذي كان قد حاول الاقتراب أكثر من المنزل فعالجه شادي برصاصة أخرى. في هذا الوقت كان الثلاثة الباقون قد ابتعدوا عن رفيقهم تمهيداً لتفجير نفسه، ولكن من دون وقوع إصابات.
بعد التفجير الأول، نُقل شادي إلى أحد المراكز الصحية ثم نزل والده الى مكان الحادث، ولم يكد يقترب من جثة الانتحاري حتى وصل آخر من داخل البساتين وقام بتفجير نفسه، فأصيب طلال بشظايا في أنحاء جسمه، غير أن حالته مستقرة.
بعدها استكمل العسكري جان خوري "الحكاية"، لكونه وصل بعد دقيقتين من التفجير الثاني الى منزل صديقه شادي. وقبل أن يترجّل طلبت منه الأجهزة الأمنية التي حضرت الى المكان، إقفال الطريق بسيارته للحؤول دون تدفق الأهالي، ثم عمل على إسعاف مقلد ونقله الى سيارة الاسعاف. وما إن أقفل خوري باب سيارة الإسعاف حتى لمح احد الانتحاريين يخرج من البساتين ويتّجه مسرعاً نحو الأهالي المتجمّعين.
وفي ثوانٍ شاهد خوري "رفيقَيْ السلاح" في الجيش اللبناني المتقاعدَين بولس الأحمر وفيصل عاد يُستشهدان، لكونهما كانا الأقربين الى الانتحاري وقد وصلت شظايا حزامه الى قدمَيْ خوري الذي بقيَ على الارض ممدداً. وما هي عشر دقائق أخرى حتى خرج انتحاري رابع ليفجّر نفسه وتصيب شظاياه جسم خوري أيضاً ما استدعى نقله الى مستشفى رياق للمعالجة.
(السفير)