مع التقدم الكبير المسجّل في الحرب على تنظيم داعش في العراق، تحوّل تفكير قسم من العراقيين من التنظيم ومخاطره، إلى التحدّي الذي تطرحه الميليشيات المشكّلة للحشد الشعبي المشارك بفعالية في تلك الحرب، كون تلك الميليشيات قويت شوكتها وتضخّمت كثيرا عدّة وعتادا وباتت بمثابة جيش رديف سيمثل الإبقاء عليه مشكلة للدولة العراقية، تماما مثل حلّه.
أمّا إدماجه ضمن القوات المسلّحة فسيشكل السيناريو الأسوأ وسيكون بمثابة شهادة ميلاد رسمية لجيش عراقي مقام على أسس طائفية.
ونُقل، الإثنين، عن علي المتيوتي، عضو لجنة الأمن في مجلس النواب العراقي، قوله إنّ “مصير الحشد الشعبي بعد انتهاء معارك التحرير متروك للحكومة الاتحادية والمرجعية الدينية”، معلنا دعم اللجنة لتشريع أي قانون “يساهم في حفظ حقوق منتسبي الحشد الشعبي”.
وجاء كلام المتيوتي امتدادا للجدل المتصاعد في العراق بشأن مصير ميليشيات الحشد بعد نهاية الحرب على تنظيم داعش، وما ستشكّله تلك الميليشيات من ضغوط على الدولة العراقية، لا تقتصر فقط على الجوانب المادية، بل تتعداها إلى المسائل الأمنية وحتى السياسية.
ولا يتردّد عراقيون في التعبير عن تشاؤمهم بشأن مستقبل الاستقرار في بلدهم في ظلّ وجود جسم شبه عسكري منافس للقوات النظامية ويتلقّى أوامره من جهات متعدّدة، معتبرين أن الحرب القائمة حاليا ضد تنظيم داعش تلوح من هذا المنظور بلا أفق واضح. ويشرح هؤلاء أنّه على افتراض حسم الحرب وإنهائها بانتصار على التنظيم، فإنّ الدولة العراقية ستواجه معضلة نزع سلاح الميليشيات نظرا لما شهدته الأخيرة من تغوّل يتجسّد في كثرة عدد مقاتليها وما باتت تمتلكه من أسلحة وما يصلها من أموال سواء من إيران أو من الداخل العراقي، فضلا عن السلطة السياسية التي يتمتع بها قادتها.
وأثار المتيوتي في حديثه لموقع السومرية الإخباري السيناريو الذي يثير مخاوف العراقيين بشأن “تطييف” المؤسسات الأمنية والعسكرية، مشيرا إلى إمكانية الإبقاء على الحشد كمؤسسة أمنية دائمة بالقول إن “هيئة الحشد الشعبي جهة رسمية وإذا شُرّع لها قانون ستكون أسوة بالجيش والشرطة”.
ويحذّر قادة رأي عراقيون من أن ما بدأ يطرح على ألسنة قيادات شيعية بشأن إدماج ميليشيات الحشد الشعبي ضمن القوات المسلّحة العراقية بعد نهاية الحرب، يعدّ أحد أسوأ السيناريوهات حيث سيؤدّي إلى إنشاء قوات مسلّحة شيعية طائفية، الأمر الذي لن تقبل به عدّة مكونات عراقية ولا يستبعد أن تضطر إلى حمل السلاح بوجه الدولة، ما يعني نشوب حرب أهلية جديدة في العراق.
علي المتيوتي: مصير الحشد الشعبي متروك للحكومة الاتحادية والمرجعية الدينية
وتعود ظاهرة التكاثر الفوضوي والسريع للميليشيات الشيعية في العراق إلى سنوات خلت وتمثلت بانقسام ميليشيات وخروجها من أرحام بعضها البعض.
غير أن ظاهرة تكاثر الميليشيات تفاقمت في ظل الظرف الراهن بالعراق، الذي يشهد حربا ضد تنظيم داعش وتمرّ فيه الدولة بحالة من الضعف الشديد خصوصا مع حالة شبه الانهيار لقواتها المسلّحة التي أفسحت المجال للميليشيات لتصدّر مشهد الحرب في نطاق ما يعرف بالحشد الشعبي الذي يستمد مشروعية تتجاوز مشروعية الدولة بحدّ ذاتها باعتبار أنه أنشئ بالاستناد إلى فتوى من المرجع الشيعي علي السيستاني تعرف بفتوى الجهاد الكفائي.
ويلفت متابعون للشأن العراقي أن الحشد الشعبي ليس خيارا محليا أملته الظروف التاريخية بالرغم من أن ظهور ذلك التنظيم قد تزامن مع احتلال داعش للموصل والمناطق العراقية الأخرى، وهو ما أوهم الكثيرين بأن تأسيس ذلك الجسم شبه العسكري جاء متسقا مع فتوى الجهاد الكفائي التي أصدرها السيستاني.
وتكشف بنية الحشد الشعبي طبيعته. فهو عبارة عن تجمع للميليشيات المسلحة التابعة لعدد من الأحزاب الشيعية المشاركة في الحكم تحت خيمة التحالف الوطني. وقد خدمت الظروف التاريخية مسعى أمراء الحرب في اتجاه شرعنة وجود تلك الميليشيات وإضفاء الطابع القانوني عليها، بعد أن كانت موضع نقمة الشارع الشيعي لما تعلّق بها من سمعة سيئة.
والآن بعد أن تحول الحشد الشعبي إلى عنوان للانتصارات الطائفية، فإن سلطته صارت أكبر من أن تقوى الحكومة الهشة على المساس بها. وإذا ما انتهت الحرب على داعش فإن ذلك الحشد سيتخذ مكانه في المنظومة الحكومية كما هو حال الحرس الثوري الإيراني.
وإذا ما كان البعض قد اعتبر أن وجود الحشد هو ضمانة لاستمرار حكم الأحزاب الشيعية، فإن هناك من يعتقد أن ظهور ذلك الحشد شكل المعول الأخير الذي وجه الضربة القاضية لمشروع الدولة في العراق.
ويرجّح أن لا يكتفي زعماء الحشد الشعبي بصفته كبديل للجيش العراقي بل سيضعونه فوق الدولة العراقية وسيجهضون بذلك كل محاولة لقيام نظام يسعى إلى ضبط حركة الميليشيات. وقد لا يكون من المبالغة القول إن الحشد سيتفرغ في جزء من مهماته لحماية أصحاب الرأسمال الشيعي من العامة بعد أن تثبت الحكومة عجزها عن القيام بذلك، وفي جزء آخر ستقع عليه مهمة جمع الضرائب غير القانونية، وهو ما يذكر بنظام الانكشارية أيام الحكم العثماني.
وكانت بعض المناطق العراقية قد شهدت خلال الأشهر الماضية بروز ظاهرة جديدة تمثلت في نشوء ميليشيات شيعية متخصصة بالاختطاف والقتل والسرقة والنهب وجمع أموال التبرعات بدعوى دعم مقاتلي الحشد الشعبي في جبهات القتال ضدّ تنظيم داعش.
وهذه الظاهرة مرشّحة للتفاقم بعد نهاية الحرب على التنظيم المذكور حين يجد الآلاف من منتسبي الحشد الشعبي أنفسهم بلا وظيفة محدّدة، بينما يملكون من الخبرة والتدرّب على القتال وحمل السلاح ما يتيح لهم استخدام مهاراتهم لأغراض أخرى قد تتمثل في الاستيلاء على الأموال والممتلكات بالقوّة أو تصفية الحسابات الشخصية والحزبية خصوصا أن الولاءات متعددّة جدا داخل الميليشيات، وموزّعة بين قادة يحمل الكثير منهم عداوات مستحكمة لقادة آخرين.
العرب