عزز اعتذار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لنظيره الروسي فلاديمير بوتين عن قيام الطيران التركي بإسقاط المقاتلة الروسية قرب الحدود السورية في نوفمبر 2015، زمام المبادرة التي تمتلكها موسكو بـ”توكيل” غربي في مقاربة الشأن السوري.
وترى أوساط دبلوماسية غربية أن دعوة أردوغان في رسالة الاعتذار إلى “إصلاح العلاقات بين تركيا وروسيا”، وتأكيده على أن “روسيا، بالنسبة إلى تركيا، صديق وشريك استراتيجي”، يعبّران عن حاجة تركية لإعادة تطبيع علاقاتها مع روسيا، بما في ذلك الاعتراف بالدور الذي تلعبه موسكو في سوريا.
ويأتي هذا الاعتذار ضمن سلسلة من التغيرات على مواقف الرئيس التركي الذي يبدو أنه قد أدار الظهر لمرحلة الشعارات، وأنه في الطريق إلى التخلي عن أصدقائه الإخوان، وبناء شبكة جديدة من العلاقات وعلى رأسها إعادة التطبيع مع إسرائيل واستدراج حماس لذلك.
وكان مراقبون في موسكو قد توقفوا عند اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ورئيس “تيار الغد السوري” أحمد الجربا الإثنين، بصفته جزءا من جهد روسي لدى أطراف المعارضة السورية لمواكبة الجهد العسكري الروسي بعملية سياسية تؤمّن انتقالا في سوريا وفق مقاربة موسكو في هذا الصدد.
ويعتبر دبلوماسيون أوروبيون أن التصريحات الصادرة الأسبوع الماضي عن الناطق باسم البيت الأبيض جوس إرنست، والتي تزامنت مع تصريحات لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، حول استبعاد اللجوء إلى القوة ضد نظام بشار الأسد في سوريا، تطلق يد موسكو العسكرية والدبلوماسية للمضي قدما في “حلها” للأزمة السورية.
واعتبر مراقبون أميركيون أن كلام إرنست عن أن استخدام القوة العسكرية قد يؤدي إلى “حرب شاملة”، متخوفا مما وصفه الحرب ضد “أمة ذات سيادة وتتلقى الدعم من روسيا وإيران”، يعبر عن سياسة إدارة الرئيس باراك أوباما في الاتّساق مع المقاربة الروسية تماما، وأخذ الدور الإيراني في الحسبان، كما يعطي جرعة إضافية لتعويم نظام الأسد وفق الرؤى الروسية.
منذر أقبيق: تيار الغد مع تشكيل هيئة انتقالية حاكمة بصلاحيات كاملة
وكان الجربا قد أعلن في شهر مارس الماضي في القاهرة عن تأسيس تيار “الغد السوري” المعارض، بصفته تيارا متعددا هدفه مواجهة الإرهاب ورعاته الإقليميين.
واعتبر المراقبون حينها أن الإعلان عن التيار الجديد من العاصمة المصرية بحضور مندوب عن السفارة الروسية وممثل عن مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق إضافة إلى شخصيات تمثيلية أخرى، يعكس تمثيل الجربا وتياره لوجهة نظر سورية إقليمية ودولية تختلف عن تلك التي يعبّر عنها الائتلاف المعارض.
وتعمل روسيا على استبعاد ما تراه غير مناسب لخططها من الوفد المعارض المناط به التفاوض مع النظام. وقد أدت الضغوط الروسية إلى مداولات داخل الائتلاف لإبعاد كبيري المفاوضين محمد علوش وأسعد الزعبي. كما أدت إلى فتح ورشة اتصالات داخلية لتوسيع وفد المفاوضات ليضم ممثلين عن جماعات معارضة أخرى، لا سيما تلك التي تنتمي إلى منبر موسكو ولقاء القاهرة.
ولفت المراقبون إلى أن زيارة الجربا والوفد المرافق إلى موسكو تزامنت مع تصريحات للمنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية السورية حسن عبدالعظيم الأحد، والذي اعتبر أنه لا يتصور المرحلة الانتقالية في سوريا بمعزل عن الرئيس السوري بشار الأسد، مشيرا إلى ولاء الجيش والأجهزة الأمنية له.
وقال منذر آقبيق القيادي في تيار الغد السوري بعد حضوره لقاء الجربا ولافروف في موسكو “إن تيار الغد السوري ملتزم تماما بمرجعيات العملية السياسية حسب بيان جنيف وفيينا وقرار مجلس الأمن 2254، أي تشكيل هيئة انتقالية حاكمة تمارس صلاحيات تنفيذية كاملة”.
وأضاف آقبيق بخصوص موقف موسكو من منح الحكومة الانتقالية كامل الصلاحيات، أن “لافروف أكد التزام روسيا بهذه النقطة”.
وعن عرض موسكو القبول بحكومة انتقالية في سوريا مع بقاء الأسد، على المعارضة السورية، قال آقبيق “موقفنا معارض لبقاء الأسد خلال المرحلة الانتقالية، أما موقف موسكو فإن هذا يجب أن يتم الاتفاق عليه من خلال مباحثات سورية سورية في جنيف”.
ويلفت معلقون في موسكو إلى أن الدبلوماسية الروسية تتحرك هذه الأيام على وقع الزلزال الذي ضرب الاتحاد الأوروبي بعد الاستفتاء البريطاني وعلى أساس الموقف الأميركي الحاسم في عدم استخدام القوة ضد دمشق.
يضاف إلى ذلك اجتماع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو الأخير مع بشار الأسد، والذي اعتبر رسالة واضحة لكل من يهمه الأمر، لا سيما في طهران، بمحورية واحتكارية دور موسكو في الميدان السوري عسكريا وسياسيا.
ويتابع المراقبون عن كثب تباين موقفي روسيا والرياض في مسألة دور الأسد في المرحلة الانتقالية وقضية تصنيف المعارضة، لكنهم يرون في التحالف الذي يربط تيار أحمد الجربا بمسعود البارزاني سبيلا للتواصل مع تركيا التي تربطها علاقات ممتازة مع رئيس إقليم كردستان العراق.
ويرى هؤلاء أن علاقة جربا بالبارزاني، إضافة إلى رسالة الاعتذار التركية لموسكو ستترك لروسيا هامشا واسعا لتقرير مستقبل الصراع في سوريا.
العرب