خص الكاتب والمحلل السياسي الأميركي ديفيد شينكر جريدة “الأنباء” الالكترونية بمقابلة تناول فيها تطورات الأوضاع في لبنان وسوريا والمنطقة.
يُذكر أن شينكر هو مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وخبرته تتركز في قضايا: مصر، الأردن، لبنان، سوريا، السياسة العربية والإسلامية، السياسة الأميركية وعمل في السابق في مكتب وزير الدفاع كمدير شؤون دول المشرق، والمساعد الأعلى في سياسة البنتاغون الخاصة بدول المشرق العربي. وكان مسؤولاً في هذا المنصب عن تقديم المشورة إلى وزير الدفاع وكبار قادة البنتاغون حول الشؤون السياسية والعسكرية لسوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية. كما أنه يتقن اللغة العربية ويعمل كخبير داخلي في المعهد في مجال السياسة العربية.
أما بالنسبة للتحصيل العلمي، فهو يحمل شهادة ماجستير من جامعة ميشيغان، شهادة من مركز دراسة اللغة العربية في الخارج من الجامعة الأميركية في القاهرة، وبكالوريوس من جامعة فيرمونت.
المقابلة أجريت مع شينكر عبر البريد الالكتروني وجاء فيها:
كيف تنظرون إلى مسار الأزمة السورية من هنا لا سيما بعد إنسداد الأفق السياسي في ظل غياب التوافق الدولي؟
حتى اللحظة، غياب التوافق الدولي، وتحديداً عدم فاعلية جامعة الدول العربية، كان بمثابة خدمة وتبرير لواشنطن لتلافي إتخاذ أي خطوات جدية للمساعدة في إنهاء الحرب في سوريا. ونظراً لعدم وجود قيادة دولية للتعاطي مع الأزمة السورية، تقدمت المملكة العربية السعودية وقطر لملء الفراغ بتقديم الأسلحة للاسلاميين في سوريا، مما حوّل الثورة من مسعى علماني واسع إلى واقع يرتكز على العنصر الجهادي بشكل أساسي.
إن تسليح هذه المجموعات، والنجاح المتتالي لها في ميدان المعركة وفي حيازة الأسلحة الثقيلة، غيّر المعادلات على الأرض. نظام الأسد يفقد القدرة على السيطرة على الأرض، ولكن توقف القتال قد يستغرق مزيداً من الوقت. لا شك أن النظام قد قام بالعديد من الخطوات التحضيرية، مثل التطهير العرقي للمسلمين السنة القاطنين في المناطق التي يتحدر منها العلويون، في محاولةٍ لجعل أي تراجع تكتيكي أكثر قابلية للتحقق. ولا يزال من الممكن أن يلجأ الأسد لاستخدام الأسلحة الكيماوية إعتقاداً منه أن الخطوط الحمراء التي أعلنها (الرئيس الأميركي باراك) أوباما قابلة للتفاوض.
ومع هزيمة الأسد في نهاية المطاف، قد لا تكون هذه المرحلة هي نهاية الأزمة. فمثل حالة ليبيا، ستغرق سوريا بالأسلحة والميليشيات التي ستتقاتل على السلطة والمواقع، وغير قابلة للتخلي عن السلاح. في الوقت ذاته، ونظراً للأعداد الكبيرة من القتلى، سيكون صعباً، إن لم نقل مستحيلاً، تفادي الاعمال الانتقاميّة ضد الطائفة العلوية، وربما ضد أقليات أخرى مثل المسيحيين، الذين يُنظر إليهم على أنهم يدعمون النظام. ومع ذكر كل ما سبق، يبدو أن الأزمة في سوريا، مع أو بدون الأسد، سوف تطول.
لبنان: الانتخابات تفصيل قياساً للتحديات الكبرى
لطالما تأثر لبنان بجيرانه، وهو سيخوض إستحقاقاً إنتخابياً نيابياً في غضون أشهر قليلة، هل سيستطيع برأيكم الحفاظ على إستقراره الهش؟
ستتواصل إنعكاسات الأزمة في سوريا على لبنان. في الوقت الراهن، التأثير المباشر للأزمة السورية على لبنان كان في تدفق اللاجئين وتزايد التوتر السياسي. لكن، في النهاية، ومع سقوط الأسد، من الممكن للجهاديين السنة الذين خاضوا المعارك في سوريا الانتقال إلى لبنان للانتقام من داعمي النظام العلوي من الشيعة. ولا شك أن هذا سيعقد ويصعب حماية الامن في لبنان. ووفق السيناريو الأسوأ، فإن ذلك سيفرض تحدياً جدياً للاستقرار في لبنان.
المشكلة الأصعب بالنسبة للاستقرار في لبنان ستتمثل، على ما أظن، في كيفية تعامل حزب الله مع خسارة حليفه الأساسي في دمشق. لقد أعلنت إيران أن إسقاط الأسد هو بمثابة “خط أحمر” لأن خسارته ستكون ضربة إستراتيجية قاسية للنظام الثيوقراطي في طهران ولحزب الله في لبنان. ستحافظ المقاومة على الصواريخ المئة ألف التي تملكها بعد سقوط الأسد، ولكنها ستخسر عمقها الاستراتيجي، وبشكل أساسي خطوط الامداد. وكنتيجة لمساعدتها في قتل ما يزيد عن مئة ألف شخص بمعظمهم من السنة، ستكون في مواجهة حكومة سنية معادية في مرحلة ما بعد الأسد.
كيف ستكون ردة فعل حزب الله؟ هل سيضرب بعنف أم سيكرر ما فعله في 2008 (أحداث السابع من أيار) أم أنه سيحاول التوصل إلى تفاهمات مع اللبنانيين السنة والمسيحيين والدروز الذين هددهم بالعنف لسنوات؟ مع هذه التطورات، تبدو الانتخابات النيابية من أقل التحديات التي تواجه لبنان في الوقت الحاضر.
الربيع العربي وصعود التيارات الاسلامية
قيل الكثير عن أن الربيع العربي أفسح المجال أمام صعود التيارات الاسلامية، كيف تنظرون لذلك، وما هي البدائل برأيكم؟
منذ العام 2011، وبنسبٍ متفاوتة، تقدمت المجموعات الاسلامية كلاعبٍ سياسي أساسي في المنطقة. لعقودٍ طويلة، كان الاسلاميون يتعرّضون للقمع من أنظمة سلطوية فاسدة وحكومات علمانية. وفي بعض الحالات، مثل مصر، كان “الليبراليون” يتعرضون للقمع بشكل أكثر قسوة من قبل النظام.
وفي ظل غياب أي ثقافة سياسية متطورة أو نظام للأحزاب السياسية، عملت جماعة الاخوان المسلمين كمقدمي خدماتٍ إجتماعيّة مع رسالة بسيطة وفاعلة. ونظراً للهيكليات والبنى التراتبية والتنظيمية العالية لديهم، تميزوا بفاعلية وإنضباط خلال الانتخابات. في المقابل، كان غير الاسلاميين غير منضبطين، ولا يملكون رسالة سياسية موحدة، مع بنى تحتيّة محدودة في الحملات الانتخابية على المستويات المنخفضة. لذلك، مالت الدفة لناحية الاسلاميين. الجماعة والسلفيون ليسوا من المعتدلين، ولكن تم إنتخابهم واليوم يقودون أو يشاركون بقوة في عدد من الحكومات في المنطقة.
هل ستستطيع جماعة الاخوان المسلمين إنقاذ مصر من أزمتها المالية وتحسين الاقتصاد؟ وإذا لم تنجح في ذلك، هل سيكون لدى المصريين الفرصة يوماً ما للتصويت ضدهم وإخراجهم من السلطة؟ قلقي الكبير هو أن هذه القوى الاسلامية التي جاءت إلى السلطة من خلال الوسائل الديمقراطية لديهم رغبة محدودة في الحفاظ على النظام الديمقراطي وحماية جميع مواطنيهم في دولهم. إذا كان الاسلاميون أتوا لاستبدال الأنطمة الأوتوقراطية بأنظمة ثيوقراطية، فالاقتصادات سوف تتراجع وستستمر معاناة مواطني هذه البلدان، ويوماً ما سيقومون بثورة جديدة.