لا شك أن مرحلة انعطافية تمر بها المنطقة، تنبئ عنها المستجدات المتسارعة على الساحة السورية أو قل عند الاطراف اللاعبين عليها ، ولا تقتصر هذه التحولات على الساحات الميدانية فقط وإنما تصل إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير، مما يعني أن مرحلة جديدة غير واضحة المعالم بدأت إرهاصاتها بالتبلور.
فالتقارب التركي الاسرائيلي المفاجئ، وتخلي أردوغان عن العنجهية التركية والرضوخ للشروط الاسرائيلية وقبلها اعتذاره المهين من روسيا والصياغات التي أبداها بموضوع إسقاط الطائرة بعد مرور كل تلك الفترة الزمنية إنما تعني أمرا واحدا أن تركيا الآن هي سياق إعادة تموضعها من خلال السعي لعودة المياه الروسية إلى مجاريها من خلال البوابة الاسرائيلية هذه المرة بعد أن صارت مصالح كل من اسرائيل وروسيا في نفس الدفة مقابل مصالح الاعبين الاخرين. على ضوء هذه المتغيرات وتشكل ما يشبه الجبهة الموحدة ذات ثلاث شعب ( روسيا - اسرائيل - تركيا )
جاءت تفجيرات القاع وما لفها من غموض مخابراتي كبير جعل من مقاربتها والتحليل فيها أشبه ما يكون بالاقتراب من أحجية، إذ من غير المنطق اعتبار تفجيرات القاع مجرد عمل إرهابي تم كشفه بالصدفة وأدى إلى ما أدى إليه. فليس بقرية القاع ذات الاغلبية المسيحية أهداف محددة للحركات التكفيرية، ومن غير المستبعد على داعش التي تقف خلف العمليات تلك حتى وإن لم تتبناها رسميا حتى لحظة كتابة هذه الأسطر، من الاختراقات المخابراتية المعهودة وكما يحدثنا تاريخ هذه المجموعة الارهابية.
مما يعني وبدون أدنى شك أن تفجيرات القاع ( الصباحية والمسائية ) لا تعدو أكثر من عمل مخابراتي بإمتياز، وما القاع إلا نقطة ضعيفة أريد من خلال التفجيرات فيها إرسال رسالة أمنية مغمسة بالدم وكأنها أرسلت على عجل مفادها أن لبنان ليس بعيدا عن الحريق السوري، وأن باستطاعة أحد ما جر النيران إلى الجغرافيا اللبنانية في أي لحظة. وبمراجعة بسيطة لمسلسل الاحداث والتفجيرات التي ضربت أكثر من منطقة لبنانية لا نتفاجأ حين ندرك أن قبيل أي من المعارك الحساسة والمهمة يحدث ما هو مشابه لها. فقبيل معركة القصير مثلا حدثت عدة تفجيرات، وكذلك هي الحال قبيل معركة القلمون حيث تفجيرات الضاحية، وهكذا تكاد تجد تلازما خفيا بين تطور الاحداث الميدانية بسوريا وحاجة حزب الله بالخصوص إلى المزيد من التورط وبين التفجيرات في لبنان. طبعا أصابع الإتهام لا تتوجه إلى حزب الله بقدر توجهها الى النظام السوري البارع والذي يمتلك تاريخا عريقا باستعمال هذه المجموعات وتشغيلها منذ أيام الاحتلال الاميركي للعراق وقبل العراق، وهذا الأمر لا يحوجنا إلى كثير أدلة وبراهين وما ميشال سماحة عنا ببعيد.
فأمام التحولات السياسية التي ذكرناها اعلاه، يجد نظام الأسد نفسه وكأنه قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح خارج اللعبة بالخصوص بعد التراجعات الكبرى التي شهدناها في ريف حلب الشمالي، وما يحكى عن تراجع للدور الايراني المثخن بالجروح الروسية وانشغاله بالصفقات التجارية مع المجتمع الدولي، وما قيل عن بدايات تحول بالموقف الايراني الذي كان من أبرز معالمه تنحية عبد اللهيان وقيادات كبيرة للحرس الثوري مما يوحي ببدايات تراجع ايراني أمام الدور الروسي. فما كان على نظام الاسد إلا العودة إلى الأساليب التي لا يتقن غيرها للضغط على حزب الله أولا وثانيا في معركة حلب المرتقبة والتي يحتاج أكثر من أي وقت مضى ليسجل فيها النظام انتصارات ميدانية علها تعيده كواحد من اللاعبين على الطاولة.
وهنا بالتحديد يبرز السؤال الملح عن كيفية حماية لبنان من همجية الدواعش أولا ومن ألاعيب النظام الأسدي ثانيا وعدم السماح باستعماله كصندوق بريد دموي , ولا نرى بدا للاجابة على هذا التساؤل إلا بالعودة الى القرار الدولي 1701 وتوسيع نطاق صلاحياته ليشمل الحدود الشرقية فنحمي بذلك لبنان وحزب الله معه.