حرص أمين عام "حزب الله" في خطابه الأخير في 24-6-2016، على التطرّق الى قانون العقوبات الأميركي، وفيما اعتبر البعض ان الموقف الذي أعلنه يؤشّر الى استمرار المشكلة، رأى آخرون ان كلامه خاتمة الأحزان، وهذا ما يُفسّر اعلان انتصار لم يتحقّق. في قراءة كلام أمين عام حزب الله الأخير في شأن القانون الأميركي المتعلق بمكافحة تمويل الحزب في العالم، (HIFPA)، يتبيّن ان المعلومات المتوفرة في موضوع المفاوضات بين الحزب والقطاع المصرفي، وعلى رأسه مصرف لبنان، قد وصلت فعلاً الى تفاهُم، يمكن تلخيصه بالنقاط التالية:
أولا – رضخت المصارف لطلب الحزب عدم التوسّع في لوائح اغلاق الحسابات لأشخاص ومؤسسات لم ترِد في القوائم الأميركية السوداء، خصوصا ما يتعلق منها بالمؤسسات ذات الطابع الانساني والاجتماعي.
ثانيا – عدم استخدام المصارف حقها في اغلاق الحسابات، لتوسيع القوائم الأميركية السوداء، من خلال إغلاق حسابات أقرباء أو حتى معارف أي شخص يرِد اسمه في هذه اللوائح، على أساس أن لا علاقة للأقارب والأهل في حال ورد اسم أحدهم في اللائحة الأميركية.
ويستعين الحزب في اثبات هذا المنطق بما جرى أخيرا، عندما ورد اسم مصرفي لبناني يمتلك مصرفا على اللائحة الاميركية، وقد تمت معالجة الامر من خلال تسليم نجله قيادة المصرف، وأُقفل الملف.
ثالثا – يتشدّد مصرف لبنان أكثر في التعاطي مع المصارف التي يمكن أن تخالف التعاميم المُلزِمة التي يُصدرها، بصرف النظر عن واقع أن هذه التعاميم لا تحمي المصرف، خصوصا في علاقاته مع المصارف المراسلة.
رابعا – يلتزم حزب الله عدم القيام بأي ردة فعل لحماية أي شخص يرِد اسمه في قوائم المقاطعة السوداء، على أن يتم اغلاق حسابات هؤلاء فورا التزاماً بالقانون الأميركي.
من خلال هذا التفاهُم بين القطاع المصرفي وحزب الله، تمّ إغلاق مؤقت للملف، وهذا ما يفسّر تطرّق السيد حسن نصر الله الى هذا الموضوع، واستخدام نبرة الانتصار في اعلان رفض الحزب للقانون الاميركي جملة وتفصيلا، واعادة استخدام عبارة السيادة النقدية، للدلالة على خطورة ما ترمي اليه الولايات المتحدة الأميركية من خلال القانون، ولتحويل المواجهة، اعلامياً على الاقل، من مواجهة ثنائية بين واشنطن والحزب، الى معركة وطنية تتعلق بالسيادة النقدية، والتي يُفترض في هذه الحالة، أن تكون معركة كل اللبنانيين.
هل تُعتبر هذه النهاية نهاية سعيدة، وخاتمة الأحزان بالنسبة الى الحزب والمصارف في آن، وبالتالي، يمكن طمأنة الناس الى ان لا خطر على الوضع المالي والاقتصادي في البلد، انطلاقا من الأزمة التي ظهرت بعد بدء تطبيق القانون الأميركي الجديد؟
هناك نقطة مؤكدة في هذا الموضوع، سواء تمّ الاعتراف بها ام لا، وهي ان المفاوضات بعد متفجرة فردان ليست مثل المفاوضات التي جرت قبلها. وبالتالي، التفاهّم الذي أمكن الوصول اليه بعد المتفجرة، لم يكن متاحاً قبلها.
وهذا الكلام لا يعني فقط أن القطاع المالي صار أكثر استعداداً لتليين موقفه فحسب، بل يعني كذلك ان الأميركيين الحريصين على امن لبنان، صاروا اكثر استعدادا لغضّ الطرف عن بعض التفاصيل المتعلقة بمندرجات تطبيق القانون.
هل تؤشّر هذه الحقائق الى أن الأزمة صارت وراءنا فعلا، ومن يضمن مسألة المصارف المراسلة التي لا علاقة لها باللوائح الاميركية فقط؟
في الجواب على هذا السؤال، الكثير من الغموض، لكن المعادلة التي سيحاول القطاع المصرفي تطبيقها تقضي بزيادة الجهد الخاص لطمأنة المصارف المراسلة والعمل معها عن كثب على زيادة منسوب الشفافية، وفي الوقت نفسه القبول بالمجازفة انطلاقا من فكرة ان البديل قد لا يكون أقل خطراً.
في المقابل، يعرف حزب الله ان هذا التفاهم مع القطاع المالي لن يحميه من التداعيات الى ما لا نهاية، وان المسألة صارت في يد الأميركيين، من خلال اللوائح السوداء التي قد تتسّع أو تضيق، وفق الظروف والمتطلبات والاولويات، لكنه مضطر الى القبول بهذه المجازفة هو الآخر، لأن البديل هنا أيضاً ليس أقل خطراً، وهو يكتفي بالافادة من حرص الاميركيين على الاستقرار، لتقطيع هذه المرحلة. أما لاحقاً، فان لكل ظرف حكمه وقراراته.
(انطوان فرح - الجمهورية)