أظهر تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الإتحاد الأوروبي الأزمات التي يعاني منها الإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالإندماج الإجتماعي بين دوله الأعضاء ففي وقت يعتبر فيه الفرنسيون سياسة الإتحاد الأوروبي ليبرالية اكثر مما هو مطلوب يرى البريطانيون أن المعاملات الإدارية والقوانين الداخلية التي فرضها الإتحاد الأوروبي أدت إلى تراجعه وجعلت منه هيكلا في قارة عجوز وسط تخوف أوروبي من أن يكون لخروج البريطانيين تأثيرُ الدومينو على باقي دول الإتحاد الأوروبي حيث تتصاعد شعبية الأحزاب القومية المتطرفة التي تريد الخروج من الإتحاد الأوروبي والرافضة للهجرة المتنامية من دول أوروبا الشرقية وتلك الوافدة إليها من خارج أوروبا على غرار هولندا والدانمارك وفرنسا وإيطاليا والنمسا.   رأى الإتحاد الأوروبي النور تدريجيا منذ تشكيله عام 1950 وانضمت بريطانيا إليه عام 1973، واحتفظت بوضعية خاصة فيه إذ لم تدخل فضاء شينغين و لم تكن يوما عضوا في منطقة اليورو.  وعارضت فرنسا في حقبة الجنرال شارل ديغول مرتين  دخول بريطانيا في الإتحاد الأوروبي في عام1963  و1967 و اعتبر الرئيس الفرنسي آنذاك، الجنرال شارل ديغول، أن قبول بالمملكة المتحدة عضوا في الإتحاد الأوروبي، لن يكون سوى عضوية كذاية ستؤدي إلى زوال صرح بُني بالكثير من العناء و وُضعت عليه آمالٌ كبيرة، لأن جنرال شارل ديغول لطالما اعتبر ان المملكة المتحدة تظل أقرب إلى الولايات المتحدة من الدول الأوروبية على الرغم من موقعها الجغرافي.  عدة ازمات عصفت بالكيان الأوروبي لم تصل سابقا إلى خروج دولة  عانى الإتحاد الأوروبي في السنوات الماضية من أزمات مالية بعد وصول اليونان إلى شفير الإفلاس عام 2008  و كانت ازمة اللاجئين و المهاجرين غير الشرعيين عام 2015  الأسوا منذ الحرب العالمية الثانية، و أظهرت الإنقسامات العامودية بين دوله الأعضاء التي بادر قسم منها و في إجراء مستقل إلى إقفال حدوده ما هدد حرية التنقل في الفضاء الأوروبي الموحد إضافة إلى خطر الإرهاب الذي ضرب باريس و بروكسيل و تبين أن القوانين الأوروبية المعمول بها مكنت الجهاديين من التنقل بحرية إلى حين تنفيذ هجماتهم. و لكن على الرغم من كل الأزمات التي عصفت بكيان الإتحاد الأوروبي منذ ستين عاما،  فهو استطاع السير إلى الأمام حتى جمع 28 دولة عضو إلى ان أتى تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الإتحاد الأوروبي ليشكل سابقة من نوعها في انسحاب دولة من الكيان الأوروبي الموحد الذي بات يضم 27 دولة.  باريس: فقدان الثقة بالمشروع الأوروبي الموحد يحتم إجراء تغييرات  اعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أن قرار البريطانيين الخروج من الإتحاد الأوروبي يحتم علينا اليوم إعادة دراسة ما يفتقر إليه العمل الأوروبي الموحد،  بعدما فقدت الشعوب الأوروبية الثقة بالمشروع الذي يحمله الإتحاد وسط تزايد خطر الأحزاب القومية، المتطرفة و كي تسير أوروبا إلى الأمام عليها أن تخرج من سياستها الحالية.  وحدد الرئيس الفرنسي أربعة اهداف للمرحلة المقبلة تتمثل بتعزيز الأمن و الدفاع لحماية حدود الإتحاد الأوروبي  و زيادة الإستثمارات لتدعيم النمو و خلق فرص عمل جديدة و تنسيق ضرائبي و إجتماعي و تدعيم منطقة اليورو و حوكمتها  الإقتصادية  في إطار مشاريع أوروبية لا يجب ان تضيع في معاملات إدارية.   وتعتبر مصادر قصر الرئاسة الفرنسية في تصريحات إعلامية  ان مقتضيات عصرنا تتطلب شيئا جديدا، فالنقاش الأوروبي لطالما كان محصورا بالآليات و ليس الأهداف و نحن نريد اليوم  ان يغير الألمان طريقة تفكيرهم بعدما راوا ما يمكن أن يأتي به أيُ استفتاء. ألمانيا تعتبر أن أي تعديل في قوانين الإتحاد الأوروبي يجب ان يكون في إعادة مناقشة المعاهدات الموقعة و هو ما ترفضه باريس لأن أي تعديل في أي معاهدة يجب أن يمر عبر استفتاء شعبي و هو ليس مضمون النتائج اليوم.  اليمين المتطرف دعا إلى استفتاء على غرار بريطانيا في فرنسا  سارع حزب الجبهة الوطنية، اليمين المتطرف للدعوة إلى تنظيم استفتاء مماثل  في فرنسا و اعتبرت رئيسته مارين لوين انه في حال انتخابها رئيسة للجمهورية فهي ستعمد لإعادة دراسة المعاهدات مع الإتحاد الأوروبي و  سيتم طرحها في استفتاء شعبي حول بقاء أو خروج فرنسا من الإتحاد الأوروبي. ايلي حاتم المستشار السياسي لمؤسس حزب الجبهة الوطنية جان ماري لو بين يقول ل 'إيلاف' إن هيكلية الإتحاد الأوروبي كما هي عليه حاليا تمحي إستقلالية الدول من  الناحية الإقتصادية و السياسية أيضا و كما أعلن نايجل فاراج رئيس حزب إستقلال بريطانيا إنها عودة نحو إستقلالية بريطانيا'.  تابع: أعتقد أن الفرنسيين إذا سئلوا اليوم أو طٌلب منهم في استفتاء ماذا يرديون؟ البقاء أو الخروج من الإتحاد الأوروبي، فهم سيصوتون ب 'نعم'  للخروج من الإتحاد الأوروبي على غرار البريطانيين و ستكون فكرة أوروبا ومشروع المكوث أو الخروج من الإتحاد الأوروبي في صلب الحملات الإنتخابية للرئاسيات القادمة عام 2017 و كان حزب الجبهة الوطنية أول حزب في فرنسا ينادي ضد المكوث في الإتحاد الأوروبي و الهيكلية التي هو فيها التي تفرض أن تكون القوانين الفرنسية متطابقة مع القوانين الأوروبية و هناك شعور أنه ليس هناك استقلالية في فرنسا بل هناك نوع من الديكتاتورية التي يفرضها الإتحاد الأوروبي في بروكسيل على باقي أعضائه'.  خروج البريطانيين من الإتحاد الأوروبي: من المستفيد و من المتضرر؟  انقسمت ردود الفعل بين فريق سياسي، ضم الأحزاب القومية و المتطرفة، رأى في تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الإتحاد الأوروبي دعما لمعتقداته السياسية و خروجا عن ديكاتورية بروكسيل، و فريق آخر تمثل بخبراء المال حذر من تداعيات سلبية على الإقتصادين الفرنسي و البريطاني معا.  وأسفرت نتائج الإستفتاء إلى صدمة في الأسواق الأوروبية، حيث خسر الجنية الإسترليني 12 بالمئة من قيمته لأول مرة منذ 30 عاما و خسر اليورو 4,5 بالمئة من قيمته العادية فيما هوت البورصات الأوروبية  إلى ما دون 13 بالمئة غداة إعلان النتائج.  أشرف العيادي خبير مصرفي و مالي يتوقع في حديث ل 'إيلاف' بان تكون حجمُ الإستثمارات التي قد تأتي إلى بريطانيا في السنوات القادمة أقل بكثير من تلك المعهودة لأن العديد من المؤسسات المالية و المصارف و الشركات المتعددة الجنسيات التي كانت تعمل عبر لندن في بقية دول الإتحاد الأوروبي ستخسر الإمتيازات التي كانت مستقرة من أجلها في لندن و سوف تكون مجبرة على تحويل العديد من عملياتها و مكاتبها إلى عواصم أخرى مثل باريس وفرانكفورت و لوكسمبورغ وبروكسيل بحد أقل.   القطاعات الأكثر تضررا  يعتبر قطاع النقل البري و الجوي أكثر المتضررين بعد خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي حيث ستفقد شركات النقل البريطانية إمكانية التنقل بحرية داخل الفضاء الأوروبي الموحد، إضافة إلى قطاع التغذية و الطاقة التي يمكن ان تؤدي الرسوم على البضائع التي ستفرضها دول الإتحاد الأوروبي على الشركات البريطانية إلى خسائر مالية كبيرة لها. أشرف عيادي: 'بطبيعة الحال، ستتأثر شركات النقل لأنه نقل جوي و لأن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي سيؤدي إلى قيود أكثر على تحرك الأشخاص و السلع و المؤسسات بين حدود بريطانيا و الإتحاد الأوروبي و لا ندري بعد كيف ستكون القيود على تحرك الأشخاص و رجال الأعمال و أعتقد ان قطاع السياحة البريطاني سوف يتضرر من هذه الوضعية و العديد من القطاعات لأنه سوف يتم إعادة النظر في المعاهدات التي تنظم حركة السلع  و التبادل التجاري و يمكن توقع ارتفاع في بدل الرسوم الجمركية و هذا سيؤدي إلى مشكلة في بريطانيا لأنها تستهلك الكثير من المنتوجات التي تأتيها من أوروبا و بالتالي بما ستعوضها و ما ستكون الكلفة الجديدة مع رسوم جمركية إضافية و لن تكون الأزمة فقط اقتصادية لأن الجانبين البريطاني و الأوروبي يحتاجون للكثير من الوقت لإعادة صياغة كل العلاقات التجارية بين الإتحاد الأوروبي و بريطانيا.  ودعا العديد من قيادات الإتحاد الأوروبي إلى خروج فوري لبريطانيا من الإتحاد الأوروبي بعد نتيجة الإستفتاء. يقول أشرف عيادي: إن الإتحاد الأوروبي في عجلة من أمره لأن قياداته تعلم انه إذا طالت المفاوضات فإن وضعية الأسواق وعدم الثقة سوف تتواصل طويلا و لذلك يدعون بريطانيا إلى الخروج سريعا و التفاوض سريعا.  في المقابل، عمدت الأحزاب القومية والمتطرفة إلى استعراض النتائج الإيجابية لخروج بريطانيا منها الإقتصادية و في هذا الإطار يقول إيلي حاتم: ' إن خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي سمح للجنيه الإسترليني بالإنخفاض و هذا سيسمح للصادرات البريطانية أن تتكثف و تزدادا و نحن نعلم ان سياسة الولايات المتحدة الأميركية من الناحية الإقتصادية كانت تخفيض قيمة الدولار، هذا سيسمح أولا للذين يريدون الإستثمار و يريدون شراء العقارات في بريطانيا أن يضعوه في بريطانيا و ثانيا هناك نواحي ضريبية مهمة تسمح اليوم للشعوب الأوروبية أن تذهب و تضع أموالها في البنوك البريطانية لأنهم  لم يعودوا تحت وطأة السياسة الضريبية الهائلة التي تدفعها الشعوب المنتمية للإتحاد الأوروبي.  وفي نظر الخبراء الماليين، الإتحاد الأوروبي و بريطانيا هما الخاسران الأكبر. أشرف عيادي يعلل ذلك بالأسباب التالية: ' إن الجميع خاسرون لأن الإتحاد الأوروبي يخسر عضوا مهما داخله، له وزن إفتصادي كبير وكان يدفع بديناميكية معينة و كانت بريطانيا الفتى المدلل داخل الإتحاد الأوروبي و استفادت من الكثير من الإمتيازات الخاصة لإبقائها داخل الإتحاد الأوروبي و لكن ستخسر بريطانيا الكثير لأنها سوف ترى نفسها في عزلة إفتصادية و سياسية و عسكرية و إن بريطانيا عادت اليوم إلى المربع الأول الذي رسمه وينستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بعد الحرب العالمية الثانية أي أن إتحاد الدول الأوروبية لا يمكن أن يكون إلا للدول في الضفة الأخرى أما بريطانيا فهي الحليف الطبيعي للولايات المتحدة'.

 

إيلاف