أولا: الديمقراطية الغربية..
أرست فلسفة عصر الأنوار الأوروبي وثورات القرن الثامن عشر، وفي مقدمها الثورة الفرنسية بمبادئها الخالدة أسس الديمقراطية الغربية الحديثة، وظلت أفكار ديدرو، ومونتسكيو، وجون لوك وديفيد هيوم وهيغل وماركس صالحة عبر القرون لإرساء الديمقراطيات الحالية ،والتي عمد مفكّرو وفلاسفة أوروبا إلى تحصينها بعد هزيمة الستالينية والنازية، من سارتر إلى فوكو إلى فرويد وليفي ستراوس وفلاسفة ما بعد الحداثة،: هابرماس في ألمانيا ودريدا في فرنسا، فترسّخت مبادئ الديمقراطية الليبرالية وحقوق المواطن وحقوق الإنسان، وترسخت سلطة الشعب، مصدر السلطات والكلمة الفصل.
والصحيح أن ثانيًا عند سلطة الشعب البريطاني..
ثانيًا: ماذا جرى في أوروبا خلال اليومين الماضيين، وتحديدا في بريطانيا؟
الدولة المركزية القوية بملكيتها الدستورية، ورئيس وزرائها الذي يمثُل أمام البرلمان كتلميذٍ شاطر أمام معلم متغطرس، دولة المؤسسات، وفي المقدمة المؤسسة القضائية، والجيش، والمخابرات، والإعلام، يربط بينها البيروقراطية-حكم المكاتب- ويُبدع وسائلها التكنوقراطية-حكم أصحاب الاختصاص- وسائط تعبيرها الأيديولوجية الإعلامية- حكم اللغة المرئية والمسموعة ، والمقروءة، ويقف مقابل كل هذه القوى: " الشعب" الذي لا يملك سوى قوة أحادية خفية هي كما فضّل تسميتها بعضهم "قوة الدم" ،أو قوة الموت الاعتراضي( أفضل مثال أحوالنا اليوم). ودموية ظهور هذا الحق ترغم الجميع في العالم الثالث كما في العالم الأول والثاني أنّ العدالة قابلة للظهور ،رغم جميع قوى وقف التنفيذ. وهكذا كانت كلمة الشعب المنقسم على نفسه في بريطانيا بنسبة لا تكاد تُذكر، فيخرج رئيس الوزراء السيد كاميرون ليعلن بجرأة وكرامة ومسؤولية، أنّ الشعب اختار طريقا آخر، لا يتّسق مع مبادئه وطموحاته، لذا فهو يعلن تنحيه عن الحكم بعد ثلاثة أشهر.
ثالثا: حكم الطغاة في بلادنا راسخ..
كما أنّ الأوروبيين كانوا اُمناء على تراثهم التنويري والإنساني ، فإنّ حكامنا، من باد منهم ومن زال على قيد الحياة والمسؤولية، كانوا وما زالوا تلامذة نُجباء لأساتذة أجلاّء، فقد رُوي أنّهم أحصوا من قتل الحجاج صبراً( أي مقيّدين) فوجدوهم أكثر من مائة وعشرين الفاً، ووُجد في سجنه بعد موته أكثر من هذا العدد، لا يقيهم ساترٌ من حرّ أو قرّ. وهذا مسلم بن عُقبة يجمع رؤوس أهل المدينة بعد وقعة الحرّة، وهي تزيد على ثلاثمائة رأس من قرشيين وأنصار، ويحملها إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، فيلقيها بين يديه (أو رجليه) فيتمثل يزيد بقول ابن الزبعرى بعد معركة أُحُد
ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا
جزع الخزرج من وقع الاسل.وهذا غيضٌ من فيض، فلا نعجبنّ اليوم إذا جدّد بشار الأسد البيعة له، وباصوات الشعب، الذي يُقادُ صاغراً أمام صناديق الديمقراطية الاستبدادية، وفوق جثث "الإرهابيين والتكفيريين" ودمار الأبنية التي عمّرها أصحابها بشقّ الأنفس، ورغم آهات المحبوسين وآلامهم، وخيبات المشردين الموجوعين في أصقاع المعمورة.
مناسبة هذا الكلام الذي يقمط القلب، ويُشعر بالخزي والعار، عندما تقارن بي ديمقراطية "الكفار" وديمقراطية" الأشداء على الكفار ،رحماء بينهم"، ورغم كل الدماء والخراب في سوريا، لا يكتفي "الحسينيون" عندنا بالسكوت على الظالم، بل يندفعون لنُصرته، في حين أجمعت أمّة الإسلام ، وحتى يومنا هذا على مخازي يزيد بالقول والفعل.
لعلّ رسالة أخرى أراد كاميرون أن يرسلها للأسد في سوريا بالأمس، إلاّ أنّ بعض المشاغل أخّرت إرسالها، إلاّأنّ المُطّلعين قالوا بأنّها مختصرة، ولكن مُعبّرة : قليل من الحياء، وبعض الجرأة يا أسد الأسود.