يوم فرضت الولايات المتحدة الاميركية عقوباتها المالية على حزب الله، امتداداً لما كانت بدأته اوروبا بادراج جناحه العسكري على لائحة المنظمات الارهابية، واستكمالا للاجراءات التي باشرتها دول الخليج والتي لم تات بالمرجو منها بعد تدخلات ووساطات خففت من وقعها، كان الكثيرون في لبنان ومن بينهم القيادتين المالية والعسكرية يدعون بان يبعد الله تلك الكاس المرة عن حزبه وعن لبنان.
كاس بتداعياتها غير المحدودة زماناً ومكاناً،خصوصا في مرحلة مصيرية على صعيد المنطقة وعلى المستوى الاميركي الداخلي، مع تحول حزب الله الى ورقة في السباق الى البيت الابيض، حيث لم ينس الاميركيون حتى الساعة الهجمات التي تعرضوا لها خلال الثمانينات واتهام الحزب بالوقوف وراءها. ولعل في كلام الرئيس نبيه بري لمساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون الارهاب بقوله "تريدون ملاحقة السيد محمد حسين فضل الله الى القبر" في اشارته الى شمول العقوبات حسابات جمعية المبرات الخيرية، دليل معبر.
في كل الحالات وان كان حاكم مصرف لبنان بخبرته التي راكمها طوال السنوات الماضية قد نجح في امتصاص نقمة حزب الله وهضمه للهجمة التي تعرض لها، معيداً فرض القواعد التي ارساها في اتفاقه مع حارة حريك، وان بقدر اكبر من الليونة، فان الامور لن تكون بهذه السهولة والجرة لن تسلم كل مرة، مع تسريب معلومات عن اتجاه لرفع نسبة الضغوط وحجمها، في ظل القراءة المتباعدة بين موقفي بيروت وواشنطن لمفهوم "الاستقرار اللبناني"، وهو ما ظهر جليا في ترجمة مفاعيل انفجار "لبنان والمهجر".
غير ان العالمين ببواطن الامور يروون الكثير عن تلك الليلة السوداء، التي كادت تفجر لبنان ، مع قرار الحارة وضع المرحلة الثانية من خطتها للمواجهة قيد التنفيذ، او اقله الايحاء بذلك لمعسكر الاعداء في عملية ضغط مضاد ورداً على الحملة التي اعطى اشارة انطلاقها تصريح وزير الداخلية بعد دقائق "من الهجوم الارهابي" . وبحسب ما سرب تقضي الخطة بتسيير تظاهرات لجماهير الحزب الغاضبة في اتجاه بعض المصارف وبالتحديد مصرف لبنان للاعتصام امامه،مع ما قد يحمله ذلك من انفلات للوضع.
وفقا للخطة، ونظرا لما للبنك المركزي من رمزية سيادية، فان وحدات الجيش ستكون مضطرة للتدخل وحفظ النظام وبالتالي الاحتكاك مع المحتجين ما سيؤدي الى اشتباكات بينه وبين الحزب. عند هذه النقطة تنقلب المعادلات، فلا الحزب قادر على تحمل نتائج مواجهة مع الجيش لما له من نتائج سلبية اولها سقوط الغطاء المسيحي عنه، ولا واشنطن مستعدة للمخاطرة والتضحية باستثماراتها الامنية في حال ادى توسع الصدام الى انقسام الجيش. ورقة الحزب التي دفعت بواشنطن في السابع من ايار 2008 الى العودة عن خطتها ضد سلاح الاشارة.فلما لا تعاد الكرة هذه المرة طالما ان الشيعة هم المستهدفون بلقمة عيشهم؟
تلك الصورة بسيناريوهاتها رفعت الى واشنطن على عجل، في الوقت التي انطلقت فيه جولة واسعة من الاتصالات والوساطات لتهدئة الاجواء بالنتظار ليونة اميركية تحمل معها جزء من الحل الوسط على قاعدة "لا يموت الديب ولا يفنى الغنم"، فيكون تعادل الجولة الاولى السلبي. وهذا ما كان، معادلة جديدة برائحة البارود والزجاج المحطم، رضوخ لحزب الله وهامش حركة للحاكم "بتفويض" اميركي، بانتظار الجولة الثانية من مسلسل المواجهات.
بين اللائحة الاولى واللائحة الثانية المنتظرة يكثر الكلام. وبين وساطة مسؤول امني من هنا وتدخل اعلامي من هناك، تتسع التحليلات وتزداد القراءات التي لم يكن ينقصها سوى انفجار "بنك بلوم" لتكتمل صورة المشهد.
(ليبانون ديبايت)