لن ينتهي الصراع في سوريا وعليها في العقد الحالي. أقصى ما يمكن طموحه، تحقيق حالة من الهدنة الهشة التي تتخللها عمليات إرهابية وتصفوية، لتبريد بعض «الرؤوس الحامية« التي تتمنع أو تستقوي في الوقت الخطأ. محاولة أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وأخرى إقليمية في مقدمتها إيران والسعودية وتركيا وحلفاء كل واحدة منها، تحقيق التفوق في منطقة الشرق الأوسط التي تتسع فيها يومياً الفوضى، يفرض المزيد من الغموض حول الأهداف الحقيقية لها، خصوصاً كل ما يتعلق بمدى استعدادها للقبول بقواعد التسوية وحجم التنازلات التي ستقبل بها.

التصعيد العسكري القائم في سوريا مستمر ولن يتوقف هذا العام. لن ينتصر أحد ولن يهزم أحد. كل شيء بحساب. من لا يصدق أو يقبل ليراقب مؤشر الأرباح والخسائر لدى الأطراف في المعارك اليومية حتى نهاية العام الحالي، حيث سيتبين التعادل. ليس في هذا سخرية وإنما هذا هو الواقع. المطلوب أن تصرخ القوى المشاركة من الألم والتعب، أو التعب والإرهاق.

قبل عام بالضبط خطب الرئيس بشار الأسد معلناً تقريباً خسارة الحرب لأن «الجيش منهك والخسائر تتزايد والتراجع قائم». لم يكن ينقص هذا الخطاب إلا إعلان انسحابه الى دولة تضمن له السلامة. بعد عام كامل خطب الأسد من المكان نفسه في مجلس الشعب معلناً، «متابعة الحرب ضد الإرهابيين وكل المعارضة المسلحة إرهابية». التدخل الروسي والجمود الأميركي، قلبا الوضع فتقدمت القوات الأسدية وتراجعت القوى المعارضة». الآن تتزايد ضربات المعارضة من جهة بعد أن وجدت الحلول التقنية لاستخدام المعارضة للأسلحة المتقدمة، المدفع الذي حصد تسعة مقاتلين من «حزب الله« استخدم من مقاتل سوري دربه الأميركيون وأخذوا بصمته ووضعوها على المدفع بحيث لا يمكن لغير المقاتل الذي بصمته موجودة استخدامه وضد الهدف الذي يتم تصويره حتى تتأكد المخابرات الأميركية من صحة الواقعة.

روسيا الدولة الكبرى، مثال كبير على احترامها للقواعد الميدانية. موسكو تنسق ليلاً ونهاراً مع واشنطن وتل أبيب، الى درجة أنه: حتى عندما تحلق طائرة روسية باتجاه موسكو، فإن واشنطن تعرف باكراً قبل التحليق نوعية الطائرة وخط تحليقها. بدورها فإن إسرائيل تطلع على كل التحركات والأهداف، وهي مطمئنة الى أن قوات المعارضة والجيش السوري اللذين لا يبعد أحدهما عن الحدود أكثر من مائة متر، لن يطلقا طلقة واحدة ضدها. وقائع اكتمال «العجة« السورية تفرض الالتفات الى الخلف وليس الى الأمام حيث يقف الجندي الإسرائيلي.

تركيا استوعبت بعكس إيران الطموحة جداً، كما يبدو الوقائع والتحولات أن عليها تقديم التنازلات وبالتالي خفض سقف طموحاتها. يوم غد، أو قبل نهاية الشهر الحالي إذا وقع أي طارئ ستتصالح أنقرة مع تل أبيب، وستبدأ مساراً جديداً بعيداً عن الحرب حتى النصر. أما إيران فإن مسارها نحو التغيير والاعتدال ما زال طويلاً، لم تستوعب طهران أن نقطة ضعفها مهما بلغت من القوة تكمن في كونها شيعية في بحر من السنة. هذا التناقض أساسي وفي صلب التحولات. مما يطيل الخيارات الإيرانية أن الخارج فيها متداخل مع تشكلات الداخل بين المعتدلين والمتشددين.

تبقى الولايات المتحدة الأميركية. لن يقع أي تغيير في الاستراتيجية الأميركية. حتى مذكرة الديبلوماسيين الأميركيين لم تطالب بأكثر من تغيير في تكتيك الرئيس القادم سواء هيلاري كلينتون أو دونالد ترامب هو الذي سيقرر أي تغيير استراتيجي ولذلك يجب انتظار العام المقبل.

سؤال ميداني طرحته صحيفة «لوموند« الجدية: كيف حصل «داعش» على مليار دولار من العوائد المالية من بيع النفط؟ وكيف نجح في اختراق «الحصون» المصرفية لاستخدام هذه الأموال واستثمارها رغم الحرب الدولية ضده؟ لا جواب لدى «لوموند« رغم أنها على الأرجح تعرف بعض أو أغلب مفاتيح هذا السر، لكن ليس كل ما يُعرف يُقال، حتى تدق الساعة. عندئذٍ يُعرف الخيط الأبيض من الأسود.

 

المستقبل: أسعد حيدر