"الأوضاع والأحداث في سوريا تتحرك وتتطور بطريقة تتناقض مع ما يريده الرئيس بشار الأسد ومع ما يخطط له ويهدف اليه، وهو يرفض الاعتراف بذلك ويواصل حرباً يريد منها أن تنقذه من الحل السياسي المدعوم دولياً والذي يطلب انتقال السلطة الى نظام جديد تعددي. فالأسد قادر، مدعوماً من حلفائه، على تسجيل نقاط لمصلحته والتقدم في هذه الجبهة أو تلك، لكن هذا التقدم يترافق مع تراجع وخسائر كبيرة في جبهات أخرى وكأن الحرب تدور في حلقة مفرغة الى ما لا نهاية. ويحاول الأسد اقناع ذاته وأنصاره بأنه قادر على فرض أمر واقع جديد على خصومه وبأنه يستطيع حسم المعركة لمصلحته والإمساك بسوريا مجدداً وتقرير مصيرها وقيادتها وإعادة الأوضاع الطبيعية اليها في ظل بقاء نظامه. لكن الحقائق والوقائع الأساسية تظهر أنه فقد القدرة على الإمساك بالبلد وعلى التحكم بمصيره، وحلفاؤه وأعداؤه يدركون هذا الواقع ويتخذون على هذا الأساس القرارات المتعلقة بهذا البلد الذي بات مصيره ومصير نظامه محوراً للتفاوض والمساومة الدولية والاقليمية ورهناً بمصالح الدول الأخرى. وباتت سيادة سوريا شكلية تخرقها يومياً أعمال وتصرفات الدول المعنية بشؤون هذا البلد. وهذا مصير المهزومين".
هذا هو تقويم مسؤول أوروبي بارز معني مباشرة بالملف السوري استناداً الى اتصالاته مع واشنطن وموسكو. وقال إن الواقع مختلف جذرياً عن البيانات الرسمية السورية وعما يقوله الأسد، وركز في هذا الشأن على الأمور الأساسية الآتية:
اولاً، ليس انتصاراً للأسد تواصل القتال الى ما لا نهاية من أجل محاولة القضاء على جميع المعارضين أو اخضاعهم لسلطته والتحكم بسوريا مجدداً لأنه يصطدم بعجزه عن تحقيق هذا الهدف وبقرارات وتفاهمات دولية – اقليمية تؤكد استحالة الحسم العسكري لأي طرف وتنص على تطبيق الحل السياسي المتفق عليه دولياً والذي يتضمن ضرورة انتقال السلطة الى نظام جديد تعددي من أجل انهاء الحرب وحل النزاع.
ثانياً، ليس انتصاراً للأسد رفض الاعتراف بوجود معارضة سورية حقيقية لها مطالب مشروعة تدعمها الغالبية العظمى من الدول وتتمسك بضرورة اشراكها في أي مفاوضات تتناول طريقة انهاء الحرب وتقرير مصير سوريا. والأسد عاجز مع حلفائه عن إلغاء هذه المعارضة الشرعية.
ثالثاً، ليس انتصاراً للأسد الاعتماد على حلفاء عاجزين عن انهاء الحرب لمصلحته وعن فرض بقائه في السلطة والحفاظ على نظامه، والبعض من هؤلاء الحلفاء أي الروس يحرصون على التفاوض مع أميركا علناً وسراً في شأن مصيره ومصير البلد.
رابعاً، ليس انتصاراً للأسد انكار الحقائق الأساسية التي تتحكم بالصراع السوري ومحاولة اقناع انصاره بأنه هو الذي يتحكم بمسار الأوضاع وقت يعرف الجميع أن سوريا أفلتت من قبضته وأن حلفاءه الروس يضعون حدوداً لدعمهم له ويرفضون مساعدته على استعادة كل الأراضي السورية لأن تحقيق هذا الهدف يتناقض مع التفاهمات الأميركية – الروسية ومع متطلبات الحل السياسي.
خامساً، ليس انتصاراً للأسد اخفاء حقائق الكوارث المادية والانسانية غير المسبوقة التي أصابت سوريا وأعادتها أربعين سنة الى الوراء من أجل محاولة اقناع انصاره بأن النصر آت وبأنه قادر على تجاوز المصاعب الهائلة التي يواجهها البلد في كل المجالات وعلى حل مشاكله. لكن الأسد عاجز عن تنفيذ هذه المهمات من غير مساعدات كبيرة تقدمها لسوريا الدول المؤثرة التي تتمسك برحيل الأسد وقيام نظام جديد.
سادساً، ليس انتصاراً للأسد رفض تنفيذ اتفاق الهدنة وتطبيق القرارات الدولية والامتناع عن تسهيل وصول المساعدات الانسانية الى مئات الآلاف من المحاصرين لأن هذه المواقف والأعمال لن تمنح النظام القدرة على حسم المعركة لمصلحته ولن تدفع الدول والجهات الدولية والاقليمية الى الرضوخ لمطالبه بل تزيدها تصميماً على ضرورة تكثيف الجهود من أجل انهاء حكمه بطريقة من الطرق".
وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: "إن تصميم الأسد على مواصلة الحرب وانتهاك القرارات الدولية يهدد بوقف أو تجميد التعاون الأميركي – الروسي في سوريا وبانهيار العملية الديبلوماسية ويدفع الإدارة الأميركية الى تبني خيارات واجراءات أخرى تقود الى تصعيد الضغوط العسكرية على النظام. والأسد خاسر في نهاية المطاف مهما فعل".
النهار: عبد الكريم ابو النصر