يرغب مَن يقرأ التردّد الروسي في تلبية رغبات دمشق وحلفائها بأولوية استعادة حلب، في التذكير بنتائج القمة الروسية ودول مجلس التعاون الخليجي التي عُقدت في 25 أيار الماضي في موسكو وأرست نوعاً من التفاهم توقف عند مصير الرئيس بشار الأسد. فكيف إذا ثبُت أنّ هناك دوراً روسياً في إعادة الثقة بين أنقرة وتل أبيب. ماذا يقول المشكّكون؟ مهما قيل في شكل العلاقات القائمة اليوم بين موسكو وحلفائها في طهران ودمشق والضاحية الجنوبية في المواجهة المفتوحة على الساحة السورية مع «الحلف الدولي» وواشنطن وحلفائهما المحليين، فإنّ الحديث عن خلافات استراتيجية ما زال مبكراً على رغم ما ظهر في الأيام القليلة الماضية من بوادر خلاف على الأولويات في سير العمليات العسكرية التي بلغت الذروة في بعض المحاور الشمالية ومحيط العاصمة، وتكبّد فيها الطرفان خسائر بشرية كثيرة تساوي في حجمها ما تكبّده المدنيون السوريون اطفالاً ونساء وأطباء من الذين لم تسمح لهم الظروف بالنزوح الى دول الجوار.

من بين الديبلوماسيين المراقبين لتطوّر الأحداث في سوريا مَن يشكّك في الدور الروسي الذي قدم أولوياته على أولويات حلفائه في دمشق وطهران، وتحديداً في مجرى العمليات العسكرية وهو ما تزامن مع سلسلة هزائم أصابت الحلفاء من خان طومان حيث ارتكبت المجزرة بالحلفاء الإيرانيين قبل شهر تقريباً، الى ما شهدته الأيام الماضية في قرى ريف حماه الجنوبي حيث المجزرة التي ارتكبت بمجموعات «حزب الله» في إطار الصراع القائم حول الطريق الرئيس السريع بين دمشق وحلب الذي تشكل السيطرة عليه مفتاحاً للتحكم بسير المعارك في أرياف المدينة المقسومة بين النظام ومعارضيه عدا عن إطلالتها على مناطق الرقة وادلب.

ويَدعو المشكّكون للعودة قليلاً إلى الوراء وتحديداً الى التّداعيات التي رافقت استعادة النظام السوري مدينة تدمر باعتبارها موقعاً استراتيجياً للتحكم بالطرق نفسها التي تقود بشبكتها الكبرى الى الرقة وإدلب كما حماه، والتي شكلت في رأي النظام تحوّلاً كبيراً في سير العمليات العسكرية في الشمال السوري والتي سوّق لها النظام على أساس أنها البوابة السريعة الى معقل «داعش» في الرقة والمجموعات المسلحة الموالية لتركيا والسعودية واميركا في حلب، وبنيت عليها السيناريوهات الحاسمة.

من بين المشككين، ديبلوماسي عتيق عاب على النظام وحلفائه التهليل الخاطئ لإستعادة قلاع تدمر وآثارها وبحجم العملية، ولولا وجود المدينة على خريطة الآثار الدولية للأونيسكو لما ورد إسمها على لائحة المحاور الإستراتيجية في سوريا ولا على لائحة إنتصارات النظام وحلفائه.

لكن في المقابل رُفعت العملية لما رافقها من دور روسي مباشر، منسوب القلق لدى بعض اطراف الحلف الدولي ولا سيما أنقرة والرياض ليس على خلفية العملية وحجمها إنما بسبب التورّط الروسي فيها للمرة الأولى واحتمال أن تزيد موسكو من استخدام قوتها المفرطة براً وجواً في المعارك التي تليها.

وصادف أن تزامنت «عملية تدمر» مع التحضيرات التي رافقت القمة التي جمعت في موسكو قادتها ووزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، فحضرت معركة حلب المقبلة كما صوّرها النظام وحلفاؤه على جدول أعمال القمة وسط تحذيرات عالية السقف رفعتها كلّ من أنقرة والرياض من تمكين النظام استعادة حلب وأريافها الممتدة الى أقرب المواقع الحدودية مع تركيا لما تشكله المدينة من موقع استراتيجي في حسابات الحلف الدولي وأنقرة بعد الرياض والدوحة بغطاءٍ أميركي لا يتنكّر له أحد.

على هذه الخلفية، يستذكر الديبلوماسي نجاح القمة الروسية - الخليجية في لجم «الطحشة الروسية» المباشرة عدة وعتاداً الى جانب النظام في مجريات العمليات العسكرية المقبلة. وتحدثت القمة يومها عن ضمانات روسية وأخرى أميركية بعدم الإخلال بالتوازنات الدقيقة في محيط حلب وأريافها طالما أنّ البحث تقدم في الخيارات السياسية للحلّ في سوريا في مؤتمر جنيف على ما عداها من الخيارات العسكرية، على أساس استحالة أن يُحقّق أيٌّ من طرفي الصراع نصراً مبيناً يحسم المواجهة في الأزمة المتفاقمة.

ويضيف الديبلوماسي: لا يمكن أن ننسى مسلسل التفاهمات لوقف النار لساعات قليلة تلت «عملية تدمر»، فاستغلّها الأميركيون وكلّ من الرياض وأنقرة والدوحة في دعم المجموعات المسلّحة وتوحيد صفوفها، الأمر الذي انعكس سلسلة هزائم مُني بها النظام وحلفاؤه في اكثر من موقع بفعل الأسلحة الكاسرة للتوازنات تجاه المدرّعات وسلاح الجوّ السوري.

ومن هذه القراءة بالذات، ينطلق المشككون في الدور الروسي، ويزيدون: لم تتمكن قمة طهران بين وزراء دفاع روسيا وسوريا وطهران من تغيير هذه المعادلة لا بل سرّعت التثبت من التردّد الروسي، الى أن نقل عن قائد روسي كبير قوله إنّ «الجيش الروسي ليس للإيجار»، وهو ما يعني أنّ أولويات موسكو ستتقدم على أولويات حلفائها.

وينتهي المشككون عند حديثهم عن «النقزة» المتنامية من تحوّل ما في السياسة الروسية الى طرح سؤال وجيه يزيد الطين بلة: ماذا لو ثبت أنّ لموسكو دوراً في التقارب الحديث بين أنقرة وتل أبيب؟ وهل هو من نتاج اللقاء الأخير بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو؟   جورج شاهين: الجمهورية