مع دخول البلاد رحلة انتظار الجلسات الثلاثية التي حدّدها الحوار الوطني بعد أربعين يوماً، لكي نغرفَ بالسلّة المتكاملة التي أعدّها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، حلاً للأزمة السياسية والرئاسية المعقّدة، تبقى كفّة ميزان التشاؤم هي الراجحة على كفّة التفاؤل، تبعاً لمواقف الأطراف الثابتة وتوجّهاتها المتناقضة، التي لا تشي حالياً بإمكانية تحقيق أيّ خرقٍ رئاسي أو سياسي أو انتخابي. مع ترحيل الحوار، ومعه البند الانتخابي إلى آب المقبل، دخلت الرتابة إلى حلقة اللجان النيابية المشتركة التي تبحث القانون الانتخابي، وانعقدت جلستها في مجلس النواب أمس، وكأنّها لم تنعقد، وفي أحسن الحالات بدت وكأنها بلا معنى، كما أكّدت مصادر نيابية لـ«الجمهورية»، حيث تحوّلت من جلسة لمناقشة القانون الانتخابي، الى جلسة تضييع للوقت، خرج فيها النقاش عن الموضوع، وفتحَ جدالاً حول أمور سياسية لا صِلة لها بالانتخابات، الأمر الذي دفعَ بأحد النواب الى القول لـ«الجمهورية»: «إنْ لم يكن هناك شيء في متناول اللجان فليعلَّق عملها إلى حين وضوح الصورة. وفي الاساس لم يكن في يدنا شيء، كنّا بنظام أكثري ثمّ نسبي ثم مختلط ثم صيغة فؤاد بطرس ثمّ مجلس شيوخ ثمّ سلّة كاملة... دوَّخونا ولم نعُد نعرف أين نذهب».

وفي هذا الانتظار الممتد على أكثر من أربعين يوما، يُنتظر أن تتربّع على سطح المشهد السياسي مجموعة من الملفات الحيوية، وتفرض نفسَها على حلبة الاهتمامات والمتابعات الداخلية، ويأتي في مقدّمتها ملف النفط البحري والمراسيم التطبيقية للقانون المرتبط به، والذي يُخشى أن تتولّد مع بدء المقاربة الجدّية لهذا الملف، ارتداداتٌ تعيد فتحَ النقاش حوله على عدة جبهات، خاصة وأنّه ما يزال يشكّل مادة خلافية بامتياز بين القوى السياسية.

إفطار عند برّي

على أنّ هذا التشاؤم غيرَ المفاجئ في إمكان بلوغ حلّ في آب، لا يلغي استمرارَ مدّ الجسور بين القوى السياسية المختلفة، وهنا يندرج في هذا السياق الجهد الذي يبذله بري لإبقاء لغة الحوار قائمة بين المختلفين وتطويرها، إنْ على طاولة الحوار الوطني، أو على طاولة الحوار الثنائي بين تيار «المستقبل» و«حزب الله». ومِن هنا تأتي مبادرته الى ترفيع مرتبة الحوار بين الطرفين، من حوار سياسي الى حوار الخبز والملح، وبمشاركته شخصياً في مأدبة إفطار يقيمها غروبَ اليوم الخميس في عين التينة.

وجنبلاط عند «الحزب»

وفي سياق انفتاح القوى السياسية على بعضها البعض، لفتَ الانتباه في اليومين الماضيين، لقاءٌ بين «حزب الله» ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، الذي «فطر» إلى مأدبة كتلة «الوفاء للمقاومة» يرافقه نجله تيمور والوزيران وائل ابو فاعور وأكرم شهيّب.

كما حضَر من الكتلة رئيسُها النائب محمد رعد والوزيران محمد فنيش وحسين الحاج حسن، والنائبان حسن فضل الله وعلي عمّار، ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط في الحزب الحاج وفيق صفا.

ولهذا اللقاء رمزيتُه ودلالته في هذه المرحلة، علماً أنّهما لم يلتقيا منذ فترة طويلة بسبب ظروف سياسية محلية وخارجية. وعلمت «الجمهورية» أنّ مأدبة الإفطار كانت مناسبة لدردشةٍ حول كلّ الشؤون والشجون، وتمّ عرض الوضع الداخلي السياسي، والملف الاقتصادي والملفات المعيشية والاجتماعية وكذلك مسار العمل الحكومي وما ينبغي القيام به لتفعيله والخروج من الرتابة الحالية، مع التأكيد على اهمّية وضرورة مقاربة الملفات الحيوية والخدماتية الآيلة للحلّ والتطبيق، وتقديمها على أيّ ملفات أخرى شائكة أو معقّدة.

في سياق متصل، علمت «الجمهورية» أنّه فيما كان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يعزّي المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص بنجلِه في جامع محمد الامين، حضَر وفد من «حزب الله» ضمَّ النائبَين علي عمار وحسن فضل الله، ولوحِظ انّ عمّار قد صودِف جلوسه الى جانب جعجع حيث تبادلا أطراف الحديث.

ملفّ النفط

واحتلّ ملفّ النفط حيّزاً في النقاش بين الطرفين، في وقتٍ تجري التحضيرات الحكومية لتناولِه في المدى القريب، كما أوحت بذلك مصادر في السراي الحكومي.

وقال وزير الطاقة والمياه آرثور نظريان لـ«الجمهورية»: «الموضوع لم يعُد عندنا بل في يد رئيس الحكومة. فيما قال وزير الخارجية جبران باسيل ردّاً على سؤال لـ«الجمهورية» حول ما إذا كان سيتمّ بحث هذا الموضوع: «قريباً إنْ شاءَ الله، نحن نشتغل حوله».

على أنّ اللافت للانتباه في هذا السياق أنّه رغم الحديث المتزايد عن الملف النفطي في الفترة الاخيرة، إلّا أنّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء لم تعمّم على الوزراء أيّ بندٍ يتّصل بالمراسيم الخاصة بالنفط والغاز. وردّت مصادر ذلك الى انتظار بلوَرة تفاهم على شكل ومضمون التعاطي معها، خصوصاً وأنّ هيئة الحوار هي التي تناولَت الموضوع من دون ان تنال القضية موافقة جميع الأطراف.

ويبدو أنّ الاعتراض على طرح ملف النفط حالياً قد بدأ قبل ان يدرج فعلياً على بساط البحث، وبرَز في هذا السياق موقف رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي قال إنّه يعارض أيّ قرار في هذا الملف الحيوي والمصيري لمستقبل لبنان في ظلّ حكومةٍ اعترفَ رئيسُها أنّها حكومة الفشل والفساد، وفي ظلّ الشغور الرئاسي ومجلس النواب المعطل، أي في غياب أيّة رقابة»

حكيم لـ«الجمهورية»

وفي السياق، انتقَد وزير الاقتصاد والتجارة المستقيل آلان حكيم احتمالَ أن تُدرِج الحكومة على جدول أعمالها مرسومَي النفط لإقرارهما. وتساءل كيف تتجرّأ الحكومة التي نعَتها رئيسُها بحكومة «التمريقات»، على التفكير في وضع ملف مراسيم النفط والغاز على طاولة مجلس الوزراء؟ وقال لـ«الجمهورية» إنّ الهدف من هذه الخطوة واضحٌ، وهو استغلال غياب رئيس الجمهورية لتمرير الملفّات.

مجلس وزراء... والرتابة

وسط هذه الأجواء، انعقد مجلس الوزراء في جلسة عادية، طغَت عليها، كما قالت مصادر وزارية، الرتابة، وانسحبَت إليها سياسة الترحيل والتأجيل من طاولة الحوار.

وبحسب المصادر، كانت جلسة الأمس، هادئة ومنتِجة نسبياً، وترَكت المنازلات للقضايا الخلافية الكبرى، أقربُها سيُطرح في جلسة غد الجمعة الاستثنائية عند مناقشة مشاريع مجلس الإنماء والإعمار، وعلى وجه الخصوص ملفّ النفايات.

يُشار إلى أنّ الأمانة العامة لمجلس الوزراء عمّمت من ضمن جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء غداً الجمعة، تقريرَ مجلس الإنماء والإعمار المطروح للمناقشة، حول مجموعة المشاريع الموضوعة قيد التنفيذ وتلك الجاهزة وكيفية توزيعها على المناطق اللبنانية جغرافياً. مع تحديد كلفتها بما يقارب 262 مليار و499 مليون ليرة لبنانية.

وألمحَ وزير الداخلية نهاد المشنوق الى أنّ صفقة كبيرة تحصل في مطمر برج حمّود، فيها هدر لملايين الدولارات، وأكّد أنه سيثير هذا الأمر في جلسة الجمعة.

ولم يؤثّر غياب وزراء حزب الكتائب كثيراً على الحاضرين، سوى بعضٍ مِن «الاشتياق» عبَّر عنه وزير الصحة وائل أبو فاعور ممازحاً.

وقد ناقشَ مجلس الوزراء جدول أعمال عادياً وأقرّ منه نحو 30 بنداً مِن أصل 49. وعُلم أنّ الوزير رشيد درباس قد أثارَ في بداية الجلسة موضوع استقالة وزراء الكتائب، فتوجّه بسؤال إلى رئيس الحكومة: كيف يمكن لوزير مستقيل أن يغيب عن جلسات مجلس الوزراء، بينما هو يمارس عَمله داخل الوزارة وكأنّه لم يستقِل؟

فأجابه سلام: هذا الأمر يتعلّق بأمور دستورية، وإذا فتحنا الباب عليه سيَضعنا أمام جَدلية دستورية لا ننتهي منها، وعلينا معالجة الأمور بواقعية.

درباس

وقال درباس لـ«الجمهورية «إنّ ما يدفع الحكومة إلى البقاء هو قوّة البقاء والاستمرار وعدم وجود البديل. وأوضَح أنّ مداخلته في الجلسة ركّزَت على غياب وزراء الكتائب، حيث مِن حقّهم ان يستقيلوا، لكنّهم اعلنوا أنّهم لا يريدون ان يكونوا شهود زور، والنص يفسَّر بمفهومين: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة، فعندما يقولون إنّهم ليسوا شهود زور، فمفهوم الموافقة أنّهم شهود زور، لكن بمفهوم المخالفة، من لم يحذُ حذوَهم هو شاهد زور، وهذا اتّهام لنا نحن نَرفضه.

أضاف: «الاستقالات الحاصلة اليوم هي اعتكافات، لأنهم يصرّفون الأعمال من وزاراتهم، فما يَحدث اليوم هو أنّهم يرفعون مواضيع إلى مجلس الوزراء من دون ان يحضروا لشرحِها، وبالتالي المواضيع لا تسير، وفي الوقت نفسه لم تعُد لدينا رقابة عليهم.

أي هم تنصّلوا من رقابة الحكومة عليهم ورقابة مجلس النواب، وفي الوقت نفسه يمارسون الحكم من خلال وزاراتهم ويتّهموننا بأنّنا شهود زور، وهذا الأمر يجب أن يبحثه مجلس الوزراء لبتّه بصورة نهائية.

فكيف تُدار الوزارة من دون رقابة مجلس الوزراء؟ هذه مسألة قانونية سياسية أطرحها بهذا الشكل، ووافقَ على كلامي معظم الوزراء، خصوصاً الوزير حرب، وقال الرئيس سلام إنّ القصّة واضحة ومعروفة، وأنتم تدركون أنّ مجلس الوزراء يستطيع قبولَ الاستقالات، لكن ماذا سيُقال عندئذ ؟ سيقال إنّه حصَل افتراء على صلاحيات رئيس الجمهورية، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ غياب الرئيس سيؤدي إلى كثير من المشاكل».

جرَيج

وقال الوزير رمزي جريج لـ«الجمهورية» إنّ ما يَمنع الحكومة من الاستقالة هو الفراغ وعدم انتخاب رئيس جمهورية، وهي المؤسسة الدستورية الوحيدة التي تعمل رغم تعثّر عملِها.

وأضاف: «الرئيس سلام صبور وهادئ ويغَلّب المصلحة الوطنية على ما عداها، ويَعترف بعجز الحكومة عن معالجة كلّ القضايا، ولكن يعتبر مثل كثيرين، أنّ الشغور الرئاسي واستمراره لأكثر من سنتين، أدّى الى تعطيل عمل سائر المؤسسات الدستورية».

وأشار جريج الى أنّ استقالة وزراء الكتائب لم تثَر أيضاً في الجلسة، مكرّراً تأكيدَه أنّ لحزبِ الكتائب مبرّرات للاستقالة والخروج من الحكومة، أمّا بالنسبة لي فسبَب الشغور الرئاسي، عندي أيضاً مبرّرات للبَقاء في الحكومة ووجدت مناسباً في الوقت الحاضر لكي أبقى فيها».
وأكّد جريج أنّ ملف أمن الدولة لم يثَر في جلسة الأمس، وهو موضوع خلافيّ بامتياز.

فرعون

ويُشار هنا إلى أنّه بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء، رافقَ الوزير ميشال فرعون رئيسَ الحكومة الى جامع محمد الامين لتقديم واجب العزاء لمدير عام القوى الامن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص. وكانت مناسبة تمّ خلالها التطرّق الى ملف أمن الدولة.

وسألت «الجمهورية» فرعون عن مساعي الحلّ، فأكّد أنّ الأمور متروكة بضعة أيام إلى حين تقاعُد العميد محمد الطفيلي، والخطوة الأولى هي تعيين بديل له، أمّا الخطوات الأخرى فتحتاج الى تفاهمات وتناقَش داخل مجلس الوزراء».

بوصعب لـ«الجمهورية»

وفي بند مشروع المرسوم الرامي إلى تصديق التصميم التوجيهي والنظام التفصيلي العام لمنطقة الدبّية العقارية، وهو بندٌ مؤجّل مِن 5 أيار 2016، ومدرَج على جدول أعمال الجلسة، وقد تحدّث فيه عدد من الوزراء المسيحيين على خلفية بيعِ مسيحيين عقاراتهم لرَجل الأعمال اللبناني حسين تاج الدين، قال الوزير الياس بوصعب لـ«الجمهورية»: «طالبنا بأن يعرَض التعديل الصادر عن المجلس الأعلى للتنظيم المدني، على المجلس البلدي الجديد لمعرفة وجهة نظره في الموضوع.

فالتعديل كان من المفترض إرساله الى البلدية لكي تبديَ رأيَها فيه، وهذا لم يحصل، والمضحِك في الموضوع، القول قبل أن «يفرط» المجلس البلدي إنّهم حاوَلوا الوقوف على رأي مختار البلدة، فأجابهم بأنّه عند سؤال رئيس البلدية السابق وهو على شفير الموت، كان جوابه «لا مانع».

تطمينات للأوروبّيين

على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» أنّ وزير الداخلية نهاد المشنوق أكّد أمس لرؤساء البعثات الأوروبية، على دور الأجهزة الامنية، والذي لا ينحصر فقط بالسَهرعلى الأمن في البلاد بل في العمليات الاستباقية التي تقوم بها هذه الأجهزة بالتعاون والتنسيق في ما بينها، ما أدّى إلى كشف شبكات الإرهاب وتفكيكها.

وقد شكّل هذا الأمر عنصر تطمين للأوروبيين، خصوصاً بعد الكلام الذي راجَ في الفترة الأخيرة عن مخطط لوقوع هجمات إرهابية تستهدف أماكنَ تجمّعات أجانب.

وكان المشنوق أكّد لرؤساء البعثات الأوروبية أنّ «الانتخابات النيابية ستَجري في موعدها المحدّد في حزيران من العام المقبل، وأنّ الوزارة بدأت بالتحضير لها».

وشدّدت سفيرة الاتحاد الأوروبي كريستينا لارسن على أهمّية إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية» معتبرةً أنّ إجراء الانتخابات البلدية يثبت أنّ لبنان قادر على اجتياز أيّ استحقاق انتخابي مستقبلي.

الكهرباء إلى الواجهة

في سياق آخر، يعود ملف أزمة الكهرباء إلى الواجهة من باب الإضراب الذي قرّرته نقابة عمّال مؤسسة كهرباء لبنان ومستخدميها ليومين (اليوم الخميس وغداً الجمعة)، والذي قد ينعكس زيادةً في التقنين، حسبما حذّر مجلس إدارة المؤسسة. وكان مجلس الإدارة قد طالبَ النقابة بالعدول عن الإضراب، واعتبرَه مخالفاً للقوانين، وهدّد العمّال باتّخاذ الإجراءات التي ينصّ عليها القانون في مِثل هذه الحالات.

وينذِر الخلاف بين إدارة مؤسسة الكهرباء ومستخدميها بالتصعيد على خلفية ملفّ التجديد لشركات مقدّمي الخدمات التي ينتهي التعاقد معها في آب المقبل. وقد يؤدّي التصعيد إلى مزيد من التقنين، بحيث سيَدفع المواطن فاتورةَ التجاذبات والخلافات والمصالح والقطَب المخفية في هذا الملف الحياتي الشائك.