خوض غمار البحث عن الرقم الذي وصل إليه الدين العام اللبناني، يفضي إلى الغوص عميقاً ورؤية "المصيبة"، دون إمكانية إنتشال الإقتصاد من غرقه، لأسباب كثيرة، منها الإقتصادي المرتبط بمستنقع الدين وفوائده، والذي يقوم على مبدأ أن من يستدين مرة، يكون عرضة للإستدانة مرات عديدة. فكيف إذا كان هذا الدين مرتبطاً بأسباب سياسية تقوم على إتخاذ قرار بتكرار الإستدانة ومراكمة الفوائد، لمصلحة أصحاب القرار والمقربين منهم؟
وجود دين عام مرتفع في دولة صغيرة مثل لبنان، لم يعد أمراً يهابه اللبنانيون، فهم إعتادوه، بل أصبح الدين العام سمة لبنانية بإمتياز، ملاصقة لإسم الدولة. وازداد التلاصق بعد العام 1990 مع تزايد معدلات الإستدانة مع تبني السلطة الحاكمة خيار الإستدانة من أجل الإستهلاك لا الإنتاج، وربط الإقتصاد بالقطاع الريعي. ما وفّر بيئة خصبة لفرض المصارف الفوائد التي تريدها لقاء إعطاء الدولة ديوناً. ولعلّ الدين الداخلي، هو الأخطر على الإقتصاد، لأنه يعرقل تطور المؤسسات الإنتاجية التي لا تدفع لها الدولة مستحقاتها، ويعزز مكانة المصارف على حساب المؤسسات المنتجة. والمصارف وفق القوانين اللبنانية تستفيد من حرية العمل لخلق مزيد من عمليات الإستدانة للدولة وللأفراد.
في السياق، تتناول تقارير إقتصادية رسمية وغير رسمية، أرقاماً حول الدين العام، تراوح بين 70 و75 مليار دولار. وبعض الإقتصاديين يرفعه إلى 80 ملياراً. أما تقارير "جمعية المصارف"، فتسجل أن الدين العام يدور حول 71 مليار دولار. وياتي هذا الرقم المرتفع، في ظل صرف الدولة "5% من موازنتها على المشاريع التنموية"، وفق ما يؤكده لـ"المدن" وزير المال السابق جورج قرم. وهذه النسبة تظهر مدى غياب القرار الرسمي اللبناني بزيادة إنتاجية الإقتصاد لسداد الدين، الذي راكمته الفوائد "المجهولة"، وفق قرم.
الإختلاف في تحديد حجم الدين العام يعود في جزء منه إلى الإختلاف في طريقة إحتساب الدين. فهناك من يحتسب الدين الخارجي، ضمن الدين العام، ولا يحتسب إلتزامات الدولة غير المدفوعة داخلياً. ومنهم من يحتسب الإلتزامات، ليرتفع بذلك حجم الدين، إستناداً إلى ما يقوله الخبير الإقتصادي حسن مقلّد. ويشرح في حديث إلى "المدن" أن "الدين العام اللبناني يصنف من النوع الخطر جداً، إذ إنه يفوق نسبة 75% من الناتج المحلي. وهي النسبة التي تبدأ عندها الدول بالحذر. وبإعتبار دينها بأنه في مرحلة الخطر. والحديث عن زيادة أو نقصان رقم الدين العام عن المعدل ما بين 70 و75 مليار دولار، أو أكثر بقليل، لا يؤثر بشكل مباشر طالما نحن أصلاً في دائرة الخطر".
إزاء هذا الواقع، لم تعد معرفة الرقم الحقيقي للدين العام ذات أهمية إقتصادية كبرى، وسواء تضمن الرقم الديون الداخلية أم لا. بل السؤال الأبرز هو عن إمكانية تقليص الدين العام، وهل الدين العام سمة سيّئة في مطلق الأحوال أم لا؟
ومعالجة الدين العام في لبنان، وفق مقلد، "يجب أن تبدأ بتكبير حجم الإقتصاد عبر توظيف الأموال في الإنتاج، ومن عائدات زيادة حجم الإنتاج يمكننا سداد الدين". وإلى جانب هذا الحل البعيد الأمد، يمكن تنفيذ حلول مؤقتة، تطال عمليات إقتصادية يقوم بها لبنان، كالإستيراد والتصدير، فمثلاً، "يمكن تقليص إستيراد سلع كثيرة يستوردها لبنان من الخارج بملايين الدولارات، منها الحلويات والورود وغيرها". وتقليص إستيراد هذه المواد من شأنه توظيف الموفورات في الإنتاج الداخلي، لكن هذا الأمر، وفق مقلّد، "يحتاج إلى قرار".
القرار غائب، وقد لا يُتخذ، لأن تغذية الدين العام تُفيد جهات سياسية وإقتصادية عديدة، تحصن نفسها ضد أي خلل إقتصادي داخلي، عبر إستثمارات في الخارج. ما يجعل الإقتصاد اللبناني بالنسبة إلى هذه الطبقة، سوق إستثمار لا أكثر، يستفيدون منها اليوم لمراكمة فوائد الديون. وبالتالي من غير المسموح المس بتغذية الدين العام الذي يرتبط بعلاقة متوافقة مع إستثمارات المستفيدين. فكلما إرتفع الدين العام، إرتفعت حاجة الدولة لسد فوائده المرتفعة أصلاً، وإرتفعت الحاجة إلى الإستدانة من جديد.
خضر حسان
من يعرف حجم الدين العام؟
من يعرف حجم الدين العام؟لبنان الجديد
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
المدن
|
عدد القراء:
598
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro