لم يتكلف وزير الدفاع الروسي سيرغي شايغو عناء الانتقال إلى العاصمة السورية دمشق للقاء رأس النظام البعثي٬ فمشهد استدعاء الأسد إلى حميميم من قبل الرجل الأقوى في إدارة الكرملين٬ يكشف عن حجم الاستخفاف الروسي بموقع الأسد٬ ويشكل إهانة علنية ومقصودة لما تبقى من سيادة يدعيها النظام٬ فيما يؤكد التسريب المتعمد لتسجيل لحظة اللقاء بين الرجلين أن الأسد الذي تفاجأ بمثوله وحيدا أمام شايغو٬ قد تم جلبه من مكتبه في قصر المهاجرين دون معرفته مسبقا بمن سيلتقي٬ وأنه كان يتوقع وصول مسؤول عسكري روسي٬ على الأرجح رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الجنرال فاليري غيراسيموف!
فقد كانت رغبة الأسد الاجتماع بشخصية عسكرية روسية رفيعة في هذه المرحلة٬ من أجل استثمارها في تعزيز موقفه المصر على استكمال الأعمال العسكرية في كل المناطق السورية٬ والضغط على موسكو للتراجع عن التزامها في اتفاقية الهدنة والمصالحة التي وقعتها مع واشنطن. فعلى ما يبدو٬ بات تطبيق اتفاقية الهدنة حجر العثرة أمام طهران في المعركة الحاسمة التي تخوضها في مدينة حلب وريفها الشمالي٬ وكذلك الجنوبي٬ حيث تسعى إلى تسديد ضربة قاسمة للمعارضة السورية٬ وإضعاف موقف الدول الإقليمية الداعمة لها. وتطورات حلب الميدانية في الأسبوع الأخير٬ تشير إلى تمكن المعارضة السورية المسلحة من إنزال خسائر فادحة في صفوف الميليشيات الإيرانية٬ حيث اعترف حزب الله حتى الآن بسقوط 34 من مقاتليه٬ إضافة إلى عدد كبير من الجرحى٬ وخسارته لكثير من المواقع التي كان قد سيطر عليها سابقا بفضل الغطاء الجوي الروسي. فقرار موسكو المريب في عدم التدخل في معركة «خان طومان» والمناطق المجاورة لها٬ أدى إلى انتكاسة عسكرية لطهران في الشمال السوري٬ مما يعزز الاعتقاد بفشل الاجتماع الثلاثي الذي جرى في طهران بداية الشهر الحالي٬ والذي جمع وزراء دفاع إيران وروسيا والنظام السوري٬ حيث كان من المتوقع أن توافق موسكو على تأمين غطاء جوي لعمليات عسكرية أوسع٬ سيخوضها الأسد والميليشيات الإيرانية٬ تسمح بتحقيق انتصارات فعلية تحصن موقف النظام وداعميه في مواجهة الضغوط الدولية المطالبة بالبدء بعملية الانتقال السياسي.
وعليه٬ فقد فشلت طهران في إثبات قدرتها على تحقيق إنجاز ميداني٬ من دون الحاجة للطيران الروسي٬ يمكنها من تحقيق توازن سياسي على طاولة المفاوضات إلى جانب الروس٬ خصوصا بعد شكوكها القوية بنيات الكرملين المبيتة تجاه مصير الأسد وشكل نظامه٬ التي من الممكن الاتفاق عليها مع واشنطن في المستقبل. يضاف إليها قلق إيران من محاولات موسكو إعادة ترميم ما تبقى من ميليشيات الأسد٬ وتحويلها إلى جيش نظامي يقوم بتغطية المساحات التي يتم السيطرة عليها بغطاء من الطيران الروسي٬ وهي خطوة على الأرجح تهدف إلى تقليص حضور طهران الميداني٬ الذي ترغب موسكو في تحجيمه وتحديد أماكن انتشاره٬ مع إمكانية الاستغناء عنه في الجبهات التي تسري فيها الهدنة٬ حيث لا تعود الحاجة إلى وجوده بشكل كثيف وكبير٬ فموسكو الممسكة كاملا بالورقة السورية٬ التي تتصرف كدولة انتداب٬ تعلم جيدا أنه لولا تدخلها منذ نحو السنة٬ لما استطاعت الميليشيات الإيرانية الصمود بوجه تقدم المعارضة الحاسم حينها٬ ولذلك تتعامل مع من يصفون أنفسهم بحلفائها في سوريا بكثير من الاستخفاف٬ فالتباين في المواقف والتضارب في المصالح بين موسكو وطهران في سوريا لم يعد من الممكن إخفاؤه٬ خصوصا بعد أن لوحت صحيفة «كومسولسكايا برافدا» عن إمكانية التعديل في موقف الكرملين إزاء سوريا بعد زيارة وزير الدفاع الغامضة.
لم يعد باستطاعة موسكو التحكم طويلا في عامل الوقت٬ فباراك أوباما المشلول حاليا أصبح مقيدا بقياس مصلحة مرشح حزبه في الانتخابات الرئاسية٬ لذلك لم يعد قادرا على إنجاز التسوية٬ في الوقت الذي وضع أكثر من 50 دبلوماسيا أميركيا مذكرة على طاولة البيت الأبيض يطالبون فيها باستخدام حكيم للقوة٬ بما فيها الضربات الجوية ضد نظام الأسد٬ بصورة تؤدي إلى دعم العملية السياسية٬ وانخراط أكبر للولايات المتحدة فيها٬ وهي أول إشارة عن التبدل المتوقع في مواقف واشنطن بعد باراك أوباما٬ فالمجتمع الدولي الذي يعرف حجم النفوذ الروسي في سوريا٬ والذي عبر عنه سابقا رئيس وزراء بريطانيا الذي قال إن بوتين يستطيع إنهاء الأزمة السورية باتصال واحد٬ وكأنه يعبر عن قناعة لدى الجميع بأن الطائرة التي نقلت الأسد مخفورا للقاء سريغي شايغو٬ هي نفسها تستطيع نقله إلى جهة مجهولة٬ أو إلى خارج سوريا٬ لو أراد سيد الكرملين.
مصطفي فحص: الشرق الأوسط