لم تعد البطاقات الأمنية والعسكرية حكراً على قوات الأمن والشبيحة في سوريا، بل باتت سلعة تباع وتشرى بين كبار ضباط الأمن وميليشات الدفاع الوطني واللجان الشعبية، وبين أغنياء سوريا والبعض من الشباب وحتى بعض فتياتها.
حيث لجأ مؤخراً الكثير من الأغنياء في سوريا وبعض الشبّان في المدن الخاضعة لسيطرة النظام كدمشق وحمص وحماة إلى شراء بطاقات أمنية أو ما يعرف ببطاقات الحماية والتي تصدر عن جهات أمنية من النظام وظيفتها حماية حاملها من قوات النظام والمخابرات السورية، والسماح لحاملها بالتصرف كيفما شاء في هذه المدن تحت رعاية وحماية الجهة المانحة لتلك البطاقة.
وفي حديث للناشط الميداني في حماة -سيف الدين- للعربية نت قال بأن المئات من الشباب باتوا يحملون هذه البطاقة ولكثير من الاسباب، وأهمها هي أن الشاب الحامل لتلك البطاقة بإمكانه تأدية خدمته العسكرية الإلزامية عبرها فهو ليس بحاجة للإلتحاق بجيش النظام، كونه من أحد المتطوعين الأمنيين في صفوفه، بالإضافة إلى أن حاملها يعفى من خدمة الإحتياط لكونه أحد المتطوعين لدى أجهزة المخابرات للنظام ذاته، علاوةً على أن حاملها يسمح له بحمل السلاح، والمرور عبر خطوط عسكرية، ومنع أي جهة من التعرض إليه سوى الجهة المانحة لتلك البطاقة، كما يمنع المدنيين من التعرض أو الإساءة إليه فهو يعتبر عنصر أمني لدى النظام، بالإضافة إلى السماح بخلع أرقام “النمرة” لسيارته والسماح له بالتشبيح على المدنيين والأهالي كيفما يريد دون أي رادع.
,أضاف بأن منهم من قام بإمتلاكها لحماية نفسه من تعرض النظام له أو إعتقاله عشوائياً والحماية من الخدمة العسكرية الإلزامية أو الإحتياطية، والكثيرون ممن أمتلكوها كان همهم التشبيح العلني والعمل إلى جانب النظام خاصة مع هدوء العمل الثوري في المدن الخاضعة للنظام مؤخراً، وعدم خوفهم من أي عمل عسكري ثوري ضدّهم كما كان سابقاً، حيث كان شبيحة النظام فيما سبق يخافون من العمليات العسكرية الثورية داخل تلك المدن ولذلك كانوا يعملون على إخفاء إنتمائهم وعملهم إلى جانب النظام على عكس ظهورهم وتفاخرهم بذلك اليوم.
أسعار حسب الأهمية
وقال الناشط الحقوقي في حماة، كريم الياسين، والذي يعمل على توثيق أسماء الحاصلين على تلك البطاقات والعاملين في التشبيح إلى جانب النظام في مدينة حماة، بأن البطاقات الأمنية تختلف أهميتها وسعرها من بطاقة لأخرى، فهنالك بطاقات يجب أن يكون حاملها متطوع في مخابرات النظام العسكرية أو الجوية أو أمن الدولة وأن يعمل إلى جانب النظام في الأفرع وعلى جبهات القتال ضد الثوار وهذه عادةً تكون من أرخص البطاقات والتي يصل سعرها إلى 50 ألف ليرة سورية، فيما هنالك بطاقات يتطوع حاملها للأفرع الأمنية بشكل أسمّي فقط ويتعهد رئيس الفرع الأمني المانح للبطاقة بعدم دعوته للقتال على الجبهات وأن تمنح له الصلاحيات الأمنية كافة، وهذه تكون أغلى من سابقتها وقد يتراوح سعرها بين 150 ألف ليرة سورية وحتى 300 ألف، ومكتوب خلف البطاقة ” يمنح صاحب هذه البطاقة سلاح برقم، للمؤازرة والمساعدة حين الطلب وتيسير أمر حامل هذه البطاقة”.
فيما أضاف بأن هنالك بطاقات هي ذات شأن وأهمية أكبر من ذلك، كبطاقات تيسير الأمور والتي تمنح من وزير الدفاع لدى النظام بشكل شخصي وبتوقيعه، وسعرها يقارب النصف مليون ليرة سورية وهي لمدة عام فقط وتنتهي صلاحيتها بعد ذلك، كما هنالك بطاقات أهم وهي بطاقات الأمن القومي زرقاء اللون وهي ذات أهمية كبيرة وعناصر الأمن وحواجز النظام تخاف منها كثيراً لان حاملها يكون على وصول كبير لسلطات النظام وأجهزته الأمنية حتى أستطاع الحصول عليها، ويسمح له بكافة الصلاحيات دون أن يردعه أو يحاسبه أحد سوى المسؤولين عن الأمن القومي في دمشق وهذه هي قوة هذه البطاقة، كما هنالك بطاقات تدعى بطاقة “المقاومة الإسلامية السورية” وهي بطاقات تمنح من حزب الله اللبناني للمتطوعين السوريين في صفوفه، وهذه أيضاً ذات شأن كبير، وسعرها يصل إلى أكثر من نصف مليون ليرة سورية، ويوقع عليها الحاج الذي هو برتبة قائد لفصيل من فصائل حزب الله في سوريا، وتكون ذات صلاحيات مفتوحة ايضاً وليس من حق أي جهة أمنية محاسبة أو إيقاف حاملها.
وقال بأن توثيقاته لمحافظة حماة فقط، فهنالك أكثر من عشرة آلاف حامل للبطاقات الأمنية في مدينة حماة وريفها دون العمل إلى جانب النظام وإنما يحملون بطاقات أمنية تحميهم من النظام فقط، وذلك بحسب تسريبات حصل عليها من داخل أفرع النظام.
فيما أشار الشاب محمد أحد شبّان مدينة حماة، بأن البطاقات الأمنية أصبحت أمراً شائعاً في المدن التي يسيطر عليها النظام، فأصبح من غير المعتاد أن تجد شاباً يمشي في شوارع او جامعات سوريا ولا يحمل بطاقة أمنية تحميه، إلى أن وصل الحدّ بأن الخطوط العسكرية على حواجز المدينة مزدحمة بشكل أكبر من خطوط عبور المدنيين، وهذا دليل على كثرة حاملي البطاقة والمتعاملين فيها، بالإضافة إلى إنتشار السلاح وطلي السيارات باللون الأسود مع رقم السيارة علناً في الشوارع دون أدنى رقابة وحساب وهذا ما جعل من عمليات الخطف والسرقة تنتشر بشكل كبير دون معرفة القائم بها من اي ميليشا أو جهة أمنية لكثرتهم.
وقال بأن البعض من أصدقائه ممن قام بإمتلاك بطاقات أمنية وبطاقات من اللجان الشعبية، وعقب إتفاقهم مع المانح بعدم إستدعائهم لجبهات القتال، قام عقب شهور بإستدعائهم للقتال في جبهات ريف حمص وريف اللاذقية، فالعقود التي يقومون بتوقيعها أثناء تطوعهم لا تحمل شرطاً يمنع المانح من إستدعائه حينما يريد، فيما أتخذ هذا الأمر الكثير من الضبّاط لإبتزاز الحاملين لتلك البطاقات للحصول على أموال أكثر بحجّة دعوتهم إلى جبهات القتال وإعفائهم من ذلك مقابل مئتي ألف ليرة سورية.
ووسط كل هذه الفوضى التي يخلقها النظام وضباطه في المدن التي يسيطر عليها، يبقى المدنيون هم الخاسر الوحيد في خضّم البيع والشراء في أرض وأرواح السوريين، والمتاجرة بدمائهم مقابل آلاف من الليرات السورية.
المصدر: العربية