قبل أقل من سنة من موعد إجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل، حددت هيئة الحوار الوطني 2 آب موعداً للعودة إلى عقد سلسلة من الجلسات تهدف إلى الاتفاق على سلّة تسوية متكاملة، في وقت كان فيه الرئيس تمام سلام، وفي كلمة له في افطار دار الأيتام الإسلامية غروب أمس، يسمي الأشياء بأسمائها في واحدة من مصارحاته النادرة للرأي العام اللبناني، فهو اعترف صراحة بما يختلج في مكنوناته الوطنية والسياسية، وما يعتمل في وجدانه من معاناة كان سقفها الرادع عدم تسليم البلاد للفراغ القاتل:
1 - قال الرئيس سلام أن «المشهد الوطني الراهن يدعو إلى القلق».
2 - «الدولة مستضعفة وهيبتها مستباحة وقرارها مخطوف».
3 - «ساسة البلاد لا قدرة لديهم على التمييز بين سياسة وطنية وممارسات تغلب المصلحة الفئوية بأي ثمن».
4 - «الاستهتار بالصالح الوطني يُهدّد الكيان اللبناني نفسه».
5 - وبلغت صيحة الرئيس سلام ذروة التشاؤم عندما اعرب عن مخاوفه من أن تكون «حكومتنا آخر الحكومات ومجلسنا النيابي آخر مجالس التشريع في الجمهورية اللبنانية».
6 - وجه الرئيس سلام تحيتين بدلالتين كاملتين للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، ولقطاع الأعمال والمصارف والمصرف المركزي الذي يتولى بكفاءة عالية حماية الاستقرار النقدي والمالي، وعليهما تتوقف حماية الهيكل الوطني من السقوط بوصفهما الحارسان الأمينان: المؤسسات العسكرية والأمنية والمنظومة الاقتصادية والمالية.
7 - ومع ذلك، لم يعتبر الرئيس سلام أن الاستقرار الذي ننعم به ثابتاً ونهائياً ما لم نعمل على تحصينه.
وفي ضوء ما تقدّم لم ير غضاضة أن يصف اجتماعات مجلس الوزراء بأنها نموذج العجز والفشل واللاجدوى.
وفي ما خص ما يتعين فعله، ناشد الرئيس سلام الطبقة السياسية الذهاب فوراً إلى انتخاب رئيس للجمهورية «لنعيد النصاب إلى المؤسسات والروح إلى الحياة السياسية، رأفة بلبنان الذي لا يجوز أن تتركوه على قارعة المصالح الإقليمية والدولية».
وفي ما خص دوره قال سلام: «لم أتردد في القول أن الحكومة فاشلة وعاجزة، وأن ما يمنعني من التصرف بما عليه الوضع (أي الاستقالة) هو فقط المسؤولية الأخلاقية والوطنية، والخشية من دفع البلاد إلى هاوية الفراغ.
ورأى مصدر وزاري انه لم يكن بإمكان الرئيس سلام الحديث بأقل من ذلك، في ظل مزايدات ومماحكات تسعى وراء مكاسب شعبوية أو مرجعية ضيقة، ولا ترتفع إلى مستوى المسؤولية الوطنية التي يواصل الرئيس سلام مهامه على رأس الحكومة، وفقاً لمقاييسها أو معاييرها.
هيئة الحوار
اما هيئة الحوار الوطني التي توصف في الأوساط السياسية والدبلوماسية، بأنها رافعة الوضع السياسي المتهالك، فقد وجدت نفسها أمام الحقائق المرّة: أن الاتفاق حول كيفية الخروج من المأزق يحتاج الى معجزة، فلا مبادرة الرئيس نبيه بري التي تقضي بالاتفاق على قانون جديد للانتخابات وتقصير ولاية المجلس تمهيداً لانتخاب مجلس جديد، على ان يسبقه تعهد القوى السياسية بالالتزام بانتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل أي عمل آخر، مهما كانت النتائج، أخذ بها، ولا بدا للمجتمعين ان هناك وحدة في المقاربات، إذ دارت المواقف على نفسها. وكشف وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس الذي غادر الجلسة قبل انتهائها ان الرئيس برّي سأل نائبه فريد مكاري ان يضع المجتمعين في صورة ما توصلت اليه اجتماعات اللجان المشتركة، فرد مكاري قائلا: «لم نتقدم قيد أنملة».
وعلى هذه المراوحة القاتلة لاجتماعات اللجان خاطب برّي الأقطاب قائلاً: «لا تفكروا بعد اليوم بالتمديد، فالناس ستنزل إلى الشارع إذا اجريت الانتخابات على أساس قانون الستين».
وكشفت المداخلات التي جرت تباعاً، أن مشاريع قوانين الانتخابات استأثرت بأكثر من 75 في المائة من المناقشات التي كانت أشبه بتكرار معاد لمواقف معلنة، أو موثقة في بيانات، أو في مناقشات اللجان.
ومع انه كان المطلوب من الجلسة البحث عن حل فان الأقطاب المشاركين في الجلسة التي تجاوزت الساعتين ونصف الساعة، ارتأوا الاستطراد والدفاع عن طروحاتهم من دون الأخذ بعين الاعتبار 

الحاجة لكسر حركة الجمود، وفتح الباب أمام اللجان النيابية لاستكمال مهامها في تدوير زوايا قانون الانتخاب الجديد.
ولاحظ قطب شارك في الجلسة أنه كان هناك محاولة للقفز عن قانون الانتخاب عندما أثار رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل إنشاء مجلس للشيوخ وإقرار قانون اللامركزية الإدارية في محاولة لإيجاد قانون انتخاب على أساس الدائرة الفردية التي تستجيب لأحجام الكتل والتيارات السياسية وتؤدي إلى وضع قانون إنتخاب عصري خارج القيد الطائفي.
وفي أقل من خمس دقائق أثير ملف النفط من قبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والذي لاقى تأييداً من الرئيس برّي والنائب غازي العريضي الذي مثّل النائب وليد جنبلاط على طاولة الحوار، والذي اعتذر عن المشاركة لأسباب خاصة.
وأضاف القطب المشارك أن الرئيس فؤاد السنيورة قدم عرضاً موثقاً لمحاولات انتحاب رئيس الجمهورية ونقاشات قانون الانتخاب، معتبراً أن هناك «مخاطر دستورية وعملية عديدة تكمن في الموافقة على مبادرة الرئيس برّي إجراء انتخابات نيابية في ظل غياب رئيس الجمهورية»، متسائلاً عن الضمانة في انتخاب رئيس للجمهورية حتى بعد انتخاب مجلس نيابي جديد، الأمر الذي يعني أننا سنبقى في النقطة نفسها «ولا ينفع في ذلك لا وعود ولا تعهدات»، مذكّراً بتعهدات قطعت في اجتماعات الدوحة ولم يلتزم بها كالتعهد بعدم الاستقالة من الحكومة، وعدم استعمال السلاح في الداخل، مع أن الضمانات التي قطعت في حينه كانت خطية، ناهيك عن تنفيذ مقررات الحوار الوطني بعد العام 2006.
وفي ما خصّ قانون الانتخاب جدد الرئيس السنيورة التمسك بالاقتراح المشترك مع «القوات» والاشتراكي كأقصى الممكن المقبول.
وأعاد الرئيس السنيورة التأكيد أن الأولوية من جهة تيّار المستقبل هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
أما الرئيس نجيب ميقاتي فقد تحدث عن سلّة متكاملة، من دون أن يرى مانعاً من وضع قانون جديد للانتخاب، ثم انتخاب رئيس الجمهورية.
ووصف النائب أحمد كرامي لـ«اللواء» ما جاء في مداخلة الرئيس ميقاتي بأنه «مساهمة في فتح طاقة صغيرة في ظل التجاذب السياسي الحاصل».
ولم تخرج مداخلة الوزير باسيل عمّا يتمسك به التيار العوني من اعتماد قانون النسبية، على أن يكون لبنان إما دائرة واحدة، وهذا ما يؤيّده الرئيس برّي وحزب الله، أو يكون مقسماً إلى ما يزيد عن 13 دائرة.
ولم تخرج سائر المداخلات الأخرى عن أدبيات الجهات المشاركة، سواء بالنسبة للحزب الاشتراكي الذي يدعم مبادرة برّي، أو حزب الله الذي يدعم توجه «التيار الوطني الحر» باعتماد النسبية.
وإذا أوجدت هيئة الحوار مخرجاً لمأزقها بقذف المشكلة إلى آب، باعتبار أن المتحاورين كل في مكانه، مع تفاهم مبدئي على عقد جلسة نيابية لموضوع النفط الذي يعمل الرئيس سلام على متابعته من خلال دعوة قريبة للجنة النفط للإجتماع، فإن جلسة اللجان النيابية مرشحة للتعطيل هي الأخرى، بانتظار نفاذ مهلة الأربعين يوماً، وربما تكون للعمل خلال شهر آب في العطلة الرسمية للمجلس.
إستقالة قزي
وفي تطوّر متصل للأداء الحكومي، كشف وزير العمل سجعان قزي الذي ما زال يدافع عن موقفه من رغبة رئيس الكتائب بتطبيق الاستقالة بحذافيرها من الحكومة، أنه أعطى لنفسه وقتاً للتأمل، قد لا يتجاوز ما بعد جلسة مجلس الوزراء اليوم التي لن يُشارك فيها، على أن يُشارك حكماً في الجلسة التي تليها، ويكون جرح فصله من حزب الكتائب قد برد.
وقالت مصادر سياسية أن الوزير قزي الذي استضافته قناة O.T.V الناطقة بلسان التيار الوطني الحر ليل أمس، يسعى إلى مد جسور مع كتلة مسيحية وازنة في الحكومة، فضلاً عن استمرار التنسيق مع وزير الإعلام رمزي جريج.
وأشارت هذه المصادر إلى أن قزي يبدو الآن أقرب إلى التيار العوني، مع العلم أنه يقف على مسافة واحدة من مكونات الحكومة مجتمعة، بما فيها كتلة الرئيس ميشال سليمان.
وكان قزي شرح للبطريرك الماروني بشارة الراعي أمس حيثيات الخلاف مع رئيس الحزب سامي الجميّل الذي أدّى إلى ما أدّى إليه من استقالة من الحكومة ثم فصله من الحزب.
نصر الله في سوريا
في هذا الوقت، وفيما الرأي العام يتابع ما يحدث من تطورات غير مريحة في البحرين والعراق وسوريا، ألمحت معلومات إلى أن الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله زار سوريا في الأيام الماضية لمتابعة الوضع الميداني في حلب، في ضوء تراجع وحدات النظام ووحدات الحزب عن موقع حيوي تقدّمت إليه قوات المعارضة وسيطرت عليه بعد وقوع خسائر بشرية في صفوف حاميته من جيش النظام ووحدات الحزب المقاتلة هناك.
وتحدثت هذه المعلومات عن أن جثث عدد من المقاتلين الذين سقطوا في المعركة لم يتم سحبها بعد، فضلاً عن وقوع أسرى في المعركة المفاجئة التي غاب عن توفير الغطاء الجوي لها الجانب الروسي، وأخلى الجيش النظامي مواقعه من دون تنسيق مع الحزب.