تم الاتفاق في اجتماع المكتب السياسي لتيار المستقبل قبل أيام (برئاسة سعد الحريري) على عقد المؤتمر العام للتيار في 15 و16 اكتوبر المقبل، على أن تسبقه انتخابات داخلية جدية وليس عبر لوائح جاهزة كما حدث جزئيا في المرة الماضية، وترك اللعبة الداخلية تجري في شكل طبيعي على صعيد مختلف القطاعات (محامين، أطباء، مهندسين..). على أن يتم توفير دور أكبر للشباب والنساء (ثمة توجه لتعديل النظام الداخلي لناحية إعطائهما كوتا بنسبة 40%).
ومن المفترض أن يشارك في المؤتمر نحو 1200 شخص لديهم صفات تمثيلية، سيقدمون الاقتراحات من أجل إعادة هيكلة التيار والأطر الحزبية فيه، إضافة الى انتخاب رئيس وأعضاء المكتب السياسي الذين بدورهم سينتخبون الأمين العام للتيار.
وجاء اجتماع المكتب السياسي كخطوة تمهيدية استعدادا لهذا المؤتمر وإنشاء اللجان التي ستضع تصورا كاملا عن الأمور السياسية والتنظيمية والاجتماعية والشعبية. وشكل الاجتماع مناسبة لإجراء مراجعة نقدية لمسيرة التيار على أكثر من صعيد، ووضع الكثير من الضوابط السياسية لقياداته وأركانه بهدف تنسيق المواقف والابتعاد عن الشعبوية، وضبط سقف التصريحات التي من المفترض أن تكون منسجمة ومتناغمة مع التوجه العام لتيار المستقبل ورئيسه.
وتشير مصادر الى أن هذه “النفضة” في تيار المستقبل تأتي انطلاقا من إدراك الحريري مدى “التخلخل” التنظيمي الذي طرأ داخل التيار، وقد تمظهرت تجلياته في نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس، كما في دلالات انتخابات بيروت التي أوضحت حجم التململ الشعبي من “المستقبل”، عبر التصويت الكبير للائحة المنافسة. كما تأتي هذه الورشة التنظيمية في ظل الأزمة المالية التي يعاني منها التيار والتي يتوقع البعض استمرارها في المدى المنظور.
وثمة من يقول ان الورشة التنظيمية بدأت بإقالة منسقيات تيار المستقبل في المناطق ووضعها في حالة تصريف الأعمال، وإن الحريري يعترف بأن نتائج الانتخابات البلدية كانت بمنزلة اختبار لقيادة التيار ومحازبيه، وكانت النتيجة فشل بعض القادة ومنهم قادة البقاع والشمال، وبالتالي فإن الحريري متوجه نحو تغيير جذري في هيكليته القيادية للمناطق، ونحو تفعيل التواصل مع الشرائح الشعبية للتيار لأداء دور أكثر فاعلية في المرحلة المقبلة.
لكن دوائر القرار في 8 آذار تترقب التضخيم الحاصل سلفا من رموز “المستقبل” للنتائج الموعودة للمؤتمر العام للتيار واعتباره جسر العودة الى احتلال الدور المفقود.
وعليه، فإن هذه الدوائر على يقين من أن ثمة ضجة مفتعلة حول المؤتمر بغية التغطية على نكسات الماضي وتبريرها لاعتبارات عدة أبرزها: أن مشكلة تيار المستقبل لا يمكن اختزالها بالبنى التنظيمية ولا بأداء بعض القيادات التي قيض لها أن تكون في واجهة المرحلة الماضية. فالمعلوم أن التيار لم يكن مفعلا إبان مرحلة الرئيس رفيق الحريري الذي كان حضوره الشخصي أكبر من حجم التيار نفسه، وقد “ركب” التيار قيادات ومؤسسات على عجل بعد العام 2005 لتكون على صورته الحالية، كما دعا الى مؤسساته القيادية نخبة من شخصيات كان لها حضورها أيام الحركة الوطنية وعرفت بتنقل ولاءاتها وخيباتها وجلهم لا يمكن أن يدرجوا في خانة جيل الشباب القادر على الفعل والإنتاج واستطرادا الإبداع.
على أي حال، يمكن أن يكون المؤتمر الذي يتم التحضير له مقدمة ضرورية لمن يريد نقدا ذاتيا ونقدا لمرحلة انتهت بالإخفاق.
ولكن السؤال: ماذا عن مراكز القوى داخل التيار، تلك التي استغلت الغياب الطويل للزعيم والمرجعية لتبلور زعامتها وتكرس مرجعيتها هي؟ بالنسبة الى الدوائر عينها، فإن الأزمة أولا وقبل أي شيء آخر هي في الثبات على مواقف ورهانات منطقية وواقعية.