بعدما بلغت مستويات تصاعدية تصعيدية متمادية في معاداة العرب والتعدي على شؤونهم السيادية، ومنعاً لإقحام لبنان في تداعياتها السلبية على مصالحه ومصالح أبنائه العليا، ردّ الرئيس سعد الحريري على الحملة التي تشنها إيران ومعها «حزب الله» على مملكة البحرين، مستغرباً التدخل في شؤونها الداخلية على خلفية قرارها السيادي بسحب الجنسية من الشيخ عيسى القاسم، وتساءل عبر موقع «تويتر»: «هل أستطيع أن أفهم ما دخل إيران و«حزب الله« إذا قررت البحرين سحب جنسية مواطن لديها، كائناً من يكن، أكان شيخاً أو غير شيخ؟«، مضيفاً بتعجب: «يعتبرون أن سحب جنسية شيخ مجنّس بحريني يدعو للفتنة هو جريمة، فيما هم يشاركون بسحب أرواح آلاف الأبرياء وتدمير المدن والبلدات على من فيها بسوريا«.
وبينما «حزب الله» منشغل في حملاته العسكرية والعدوانية والتخريبية والفتنوية على أكثر من جبهة عربية، لا تزال الدولة اللبنانية ومؤسساتها تترنح تحت وطأة ضربة الشغور القاضية التي وجهها الحزب على رأس الجمهورية مانعاً منذ أكثر من عامين كل محاولات انتشالها من دوامة الفراغ المستحكمة بكل مصالح اللبنانيين الحيوية. وفي الغضون لا يزال الحوار الوطني يراوح مكانه وسط دوامة من المبادرات المتزاحمة بشكل بات يضيّق أفق الحلول ويوصد الأبواب أمام أي توافق دستوري توافقي لإنهاء الأزمة الدستورية في البلاد، غير أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري سعى في ظل ما بدا من مراوحة على طاولة الحوار أمس إلى إبقاء باب الأمل مفتوحاً أمام إمكانية عقد «دوحة لبنانية» تتيح التوصل إلى بصيص اتفاق مأمول من خلال دعوته إلى عقد 3 جلسات حوار متتالية في 2 و3 و4 آب المقبل للبحث في المواضيع العالقة والتي تأتي في سلة أولوياتها مسألتي انتخاب الرئيس وقانون الانتخاب النيابي ومسألة إنشاء مجلس للشيوخ تحت سقف الطائف.
وكانت جولة الحوار التاسعة عشرة في عين التينة قد استهلها بري بإعادة التذكير بمبادرته القائمة على إجراء انتخابات نيابية مبكرة مشروطة بتعهد خطي من كافة الكتل النيابية بالمشاركة فور انتهائها في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، وإذ لم يتلقَ الأجوبة التي كان يترقبها من بعض أقطاب الحوار لا سيما المعنيين منهم بعملية تعطيل النصاب الدستوري للجلسات الرئاسية، بادر رئيس كتلة «المستقبل» النيابية الرئيس فؤاد السنيورة إلى التقدم بمداخلة أمام المتحاورين استعرضت كافة جوانب الأزمة الوطنية مجدداً التمسك بأولوية الانتخابات الرئاسية ومطالباً بإعادة تفعيل المجلس النيابي عن طريق تشريع الضرورة.
في الشأن الرئاسي، ذكّر السنيورة بأنّه بعد طول استغراق في تفسير معنى الرئيس القوي للجمهورية وتوصل النقاش على طاولة الحوار إلى كون المعنى الدستوري لذلك يستوجب أن يكون الرئيس متمتعاً بتأييد بيئته وتأييد البيئات الأخرى، ما لبث أن اقتصر الترشيح على لائحة بكركي التي تضم أربعة مرشحين غير أنه وأمام تعذر التوافق على أي من المتنافسين الأساسيين النائب ميشال عون والدكتور سمير جعجع على مدى أكثر من 30 جلسة انتخاب، بادر «تيار المستقبل» إلى دعم ترشيح النائب سليمان فرنجية «في خطوة غير مسبوقة وغاية في التضحية والتعاون والمرونة أملاً في التوصل إلى حل»، ورغم ذلك لم يتم التقدم خطوة واحدة باتجاه انتخاب الرئيس «بسبب العناد والإصرار على معارضة أي حلول عملية» من جانب الفريق الآخر.
أما في ما يتصل بقانون الانتخابات النيابية، فرأى السنيورة إزاء ما يُحكى عن تعهدات قد تُعطى لانتخاب الرئيس بعد الانتخابات النيابية أنّ مثل هذه التعهدات سبق وجرّبها اللبنانيون ولم يتم الالتزام بها من قبل قوى 8 آذار لا في الحوار الوطني عام 2006 ولا في تسوية الدوحة عام 2008 ولا في الانتخابات النيابية عام 2009 ولا في «إعلان بعبدا» الذي قيل لاحقاً لمؤيديه والمطالبين بالالتزام به بعد توقيع جميع المتحاورين عليه في القصر الجمهوري «بلّوا وشربوا ميتو».
وعن مشاريع القوانين الانتخابية، ذكّر السنيورة بمبادرة الرئيس الحريري التي نصت على انتخاب مجلس للشيوخ وفق القانون الأرثوذكسي ولم يوافق عليها الطرف الآخر، ثم وافق «المستقبل» على اقتراح تصغير الدوائر وجعلها 50 على أساس أكثري وأيضاً لم يقبل الآخرون، وكذلك الأمر بالنسبة لطرح فكرة 37 دائرة على أساس أكثري أو 70% أكثري و30% نسبي. وشدد أمام ذلك على كون «أقصى الممكن بالنسبة لكتلة «المستقبل» من أجل إيجاد مخرج لأزمة قانون الانتخاب هو الاقتراح المختلط المبني على 60 مقعداً نسبياً و68 أكثرياً، متسائلاً في المقابل ماذا فعل «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» وماذا قدما من خطوات للحل باستثناء ترداد المواقف نفسها إزاء قانون الانتخاب الجديد؟.
بدوره، طرح رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميل على المتحاورين مبادرة تنص على اعتماد قانون الدائرة الفردية مع الخروج عن القيد الطائفي في الانتخابات النيابية وفق النظام الأكثري، الأمر الذي رأى فيه السنيورة «فكرة لا بأس بها في المبدأ» في وقت أعاد مع نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الإعراب عن تأييد المبادئ الواردة في «قانون فؤاد بطرس». وبينما لفت بري إلى كون المناصفة بين الأكثري والنسبي الواردة في مشروعه الانتخابي مأخوذة من هذه المبادئ، أضاء السنيورة على الخلل الوارد في جوهر هذا المشروع لجهة توزيع المقاعد النيابية بين النسبي والأكثري في دائرة بيروت الثالثة وبعلبك الهرمل وطرابلس وصيدا ومرجعيون حاصبيا، بحيث خلص إلى التأكيد على عدم إمكانية إيجاد أي توافق عملي إلا عبر أحد المشروعين المختلطين المطروحين حالياً لصيغة القانون الجديد باعتبارهما «المسعيين الجديين الوحيدين للتوافق وفق النظام المختلط».