يعدّ الشاطئ ملاذاً صيفياً بالنسبة إلى كثيرين. فهو تلك المساحة المفتوحة التي تسمح بهامشٍ من الحرية بفسحها المجال لبعض الممارسات التي لا يسمح بها في أماكن عامة أخرى كالإستلقاء، اللعب والتعري. لكن هذه الحرية ليست تامة، فللشاطئ قواعده، التي تختلف من شاطئ إلى آخر وفق قوانين المجتمع المحيط، أو وفق طبقة مرتاديه. وسلوك الناس على الشاطئ، وتعاملهم مع هذه المساحة، يعبّران عن نظرتهم إلى المساحة العامة وقواعد التعامل معها ومع الآخر، ويمثّلان أطراً للمسموح والممنوع.

بعيداً من المسابح الخاصة التي تضع إداراتها قوانين تلزم بها الزبائن من خلال "نظار" توزعهم في أرجاء المنتجع، تتشكّل قواعد المسابح الشعبية بشكلٍ عفوي وتلقائي. فشاطئ صور، وتحديداً "شاطئ الخيم"، يملك ميزات عديدة تجعله الوجهة البحرية الأساسية لسكان الجنوب. أوّلها كونه واحداً من الشواطئ الشعبية القليلة المتبقية في لبنان، بالإضافة إلى مساحته الواسعة، وطبيعته الرملية، التي تمثل عوامل جذب لا لقاطني المنطقة فحسب، إنما لآخرين من خارجها.

الشاطئان
يتسمّ شاطئ صور بتنوّعٍ يميّزه عن غيره من الشواطئ الخاصة والشعبية. فمعظم الشواطئ العامة، ولاسيما في المناطق ذات الغلبة السكانية الإسلامية، تكاد تكون حكراً على الرجال. فأجساد النساء لا يمكنها أن تكون موجودة وتتحرك بحرية، من دون الإضطرار إلى دفع ضريبة هذه الحرية من خلال رسم دخول باهظ الثمن في إحدى المسابح الخاصة. 

لكن شاطئ صور يختلف في هذا المجال. فرغم أنه لا يمكن إنكار وجود قيود على جسد المرأة. فالإستخدام الرئيسي لهذه المساحة الشاطئية من قبل عدد كبير من النساء، يرتبط بالعائلة والإعتناء بالأطفال. وهي أقرب إلى ممارسات الجلوس في المقهى. فالعائلات تكتفي بالجلوس على الكراسي، حول موائد الطعام والأراكيل، ممتنعة عن كشف الأجساد في مكانٍ عام ومختلط، أو أقلّه في القسم الأكبر من الشاطئ الممتلئ بالخيم.

لكن، بجانب هذا المشهد، هناك مشهد آخر يمكن ملاحظته على هذا الشاطئ. هكذا، ينقسم مشهد الشاطئ إلى نمطين من الإستخدام. والتقدّم عبر الخيم، يفسح المجال أمام مشهدية أخرى مناقضة. فهناك نوع من الإتفاق الضمني بين رواد الشاطئ على تقسيم المساحة في ما بينهم. ففي مقابل العائلات المحافظة التي تشغل الجزء الأول من الشاطئ، تحتلّ الخيم في آخر الصف، بالإضافة إلى الجزء الرملي المُحرّر من الخيم، فئات شبابية، وأسر غير محافظة من المنطقة وخارجها، تمارس نمطاً مختلفاً من إرتياد البحر، يتضمنه إحتساء الكحول والتصرف بالجسد بحرية وفردية. وهاتان الفئتان تبدوان مفصولتين بجدار غير مرئي، لا يتجاوزه إلا قلة، فيخيّل للمرء أن الشاطئ شاطئان.

قيود وضوابط
لا يخلو المشهد من بعض القيود التي تفرضها طبيعة المنطقة المحافظة، على رواد الشاطئ والنشاطات التي يمكن ممارستها في هذه المساحة العامة. فالتخييم أو تمضية الليل ممنوعان على شاطئ صور. وهو ما يأسف عليه كثيرون من محبي التخييم، نظراً إلى جمال الشاطئ وإتساعه. ورغم أن أسباب هذا المنع غير واضحة، أهالي المدينة يفسرونه بتخوّف البلدية من الممارسات "غير الأخلاقية" التي قد تحصل. كما تمنع البلدية إستخدام الآلات الموسيقية بسبب الإزعاج الذي قد تسبّب به، رغم سماحها لأصحاب الخيم بتشغيل الموسيقى.

صور وبلدات الجنوب
يمنح البحر لمدينة صور طابعاً مختلفاً عن سائر مدن الجنوب وقراه. فهذه الخاصية التي تمتلكها المدينة تجعلها عاملَ جذب للبنانيين وأجانب. وهذا ما تفتقده المناطق الجنوبية الأخرى التي يقتصر الوجود السكاني فيها على أهالي المنطقة الأصليين. وقد زاده أهمية حضور قوات حفظ السلام (اليونيفل) في المنطقة الحدودية المحيطة بمدينة صور. 

على هذا المستوى، يبرز الإختلاف الجلي بين صور والبلدات الساحلية الأخرى في جنوب لبنان، التي تعاني من إنفصال بين أهلها وشاطئهم، فلا يلعب هذا الشاطئ دوراً مهماً في حياتهم وفي صنع هوية البلدة. ونظراً إلى إستقطاب هذا الشاطئ اللبنانيين من مختلف أنحاء لبنان ولاسيما بيروت، التي تكاد تخلو من المساحات العامة، فقد أضحى بحر صور ملتقى للبنانيين، خصوصاً خلال أيام الآحاد.

 

يارا نحلة.