سؤال سوري استراتيجي يطرح معارك حلب على بساط البحث بعد أن أكلت من لحمنا الطري أكباداً أثروا أرضاً جرى بسيف حاكميها دماء علي والحسين (ع ) ومشت زينب عليها حافية وحاسرة الرأس ومعها من تبقى من ضلع أخيها الى القصر الأموي شامخة بالموت .. تماماً يستعيد المشهد الصورة الشيعية التي مازالت ماثلة في أذهان المشيعين لجنازة الحسين على أكتاف التاريخ الذي كُتب بدماء الفقراء لصالح الملوك والأمراء .
ربما هناك صحوة تاريخية تستدعي المزيد من الموت لردم الهوّة القائمة ما بين اليوم والأمس وبذلك تتحقق دعوات الراغبين بحضور ما حصل مع الحسين في كربلاء ليستوطنوا جرحه النازف من خاصرة الكوفة التي حاصرته وخذلته وأمرت بقتله ومن ثم بكته لتستريح من نصر خذلته .
تُرك حزب الله وحيداً في حلب تماماُ كما تُرك من قبل الحسينيون في كربلاء ولم ينجده الجيش العربي السوري ولم يسعفه الروس المحتمون بالسماء ولم ينصره الايرانيون المتفرغون الى هندسة حساباتهم مع الولايات المتحدة الأمريكية بدبلوماسية ظريف الهادئة والقائمة على دماء يمنية وعراقية ولبنانية غير باردة .
طبعاً التركُ هنا ليس تخلياً بقدر ما هو مسؤولية من شأنها أن تفتح باب الحرب السورية على نتائج أخرى لا تعكس نتائج جيدة وبحجم الخسارة المتجاوزة لحدود الامكانيات البشرية أيّ أنها تلبي رغبات الحلّ الدولي الذي يفرض التزامات معينة من قبل فرقاء الحرب السورية وخاصة من قبل الدول التي تتحرك سلماً وحرباً وفق مصالح تدور في فلك الاستراتيجية الأمريكية لهذا كان الملف النووي الايراني برأس سوري والحضور الروسي تلبية لشروط أمريكية وقد وزّعت المهمّات وفق أولويات دولية فرضت مؤخراً على الروس الانكفاء وعلى الايرانيين الالتزام وعندما تدخل الأمريكيون والفرنسيون من خلال الكُرد لتحرير الرقة من تنظيم " داعش " سيطرت حسابات سياسية جديدة كانت حلب إحدى مؤشرات هذه الحسابات .
ثمّة انعطافة جديدة في الحرب السورية تستدعي النظام ومن معه العودة الى متاريس دمشق وتحرير ريفها وأحيائها بدلاً من السعي الخاسر لكسب نقاط جديدة في الخارطة العسكرية تلبية لايمان مفقود وأعمى لا يبصر السياسة جيداً فمحور نظام الأسد يتصرف بطريقة نرجسية من شأنها أنهاء الحرب بتحرير حلب وكأن حلباً لم تكن بحوزة الأمن السوري وباقي المحافظات والأرياف .
اذاً هناك دعوة امريكية عملية تفرض على الجميع الالتزام بها وهي قائمة على محاصصة الجغرافيا السورية تماشياً مع الأحجام الطائفية والسياسية والميدانية فالعاصمة للنظام والشمال السوري للأكراد وباقي الجغرافيا للمعارضات السورية على أن تكون خطوط تماس تتشابك فيها الأطراف ريثما تنضج الحلول المنسجمة مع أمن اسرائيل ومصالح أميركا والملبية لأدوار أوروبا ولرغبات الحلفاء الاقليميين والدول العربية والخليجية تحديداً .
حتى تنضج الحلول هناك من يخسر ولكن من رصيد غيره فالأسد يلعب أنا أو لا أحد ولكن دون أن يدفع ما يدفعه المقاومون من جيل الحرب السورية لأنه لا يملك شيئًا ليصرفه بعد أن خسر مُلكاً بكى عليه بكاء النساء ولم يحافظ عليه محافظة الرجال .