نشرت صحيفة سعودية، نقلا عن عضو هيئة كبار العلماء، الشيخ عبدالله المنيع، خبرا عن حوار مرتقب بين هيئة كبار العلماء وعقلاء الشيعة بغرض تبيان الحق لهم.
ومن حسن الحظ أن الهيئة الموقرة أصدرت نفيا مهذبا لهذا الكلام، مما أجبر المنيع على التراجع قائلا إنه عبر عن رأي شخصي طالب فيه بحوار بين عقلاء السنة والشيعة، سعوديا وخليجيا، لتقريب التباعد والاحتكام لمرجعية الكتاب والسنة، لكن الصحيفة زادت على كلامه ثم نسبته إلى هيئة كبار العلماء.
وسواء قصد المنيع كلامه الأول أو الثاني، فإننا، عربيا وإسلاميا، شهدنا المئات من المحاولات للتقريب بين السنة والشيعة، وكلها محاولات فاشلة، فالسنة أرادوا من الحوار أن يتحول الشيعة إلى سنة، والشيعة توهموا أنهم يستطيعون تحويل السنة إلى شيعة، وخارج أروقة النخب تقاتلت ميليشيات الطوائف ظنا بأن كل طائفة تستطيع أن تبيد الأخرى وتجتث جذورها، ورغم جولات الاقتتال وصولات الحوار ظل السنة سنة وظل الشيعة شيعة على امتداد 1400 سنة مضت، وسيستمر هذا الأمر إلى يوم القيامة.
إن الأولى بهيئة كبار العلماء الموقرة أن تفكر في تكريس قيم المواطنة والتعايش والاحترام المتبادل، وأي حوار خارج هذا الهدف يجب أن يتوقف لأن غايته حينها هي التكاذب أو التبشير.
حين أتابع الفضائيات الطائفية أصاب بالدهشة، ما جدوى بأن تؤمن بأحقية علي بالخلافة من أبي بكر، وفرضا لو آمنت بذلك، كيف أستطيع أن أغير التاريخ الذي قدم الخلافة إلى أبي بكر وعمر وعثمان أولا ثم علي، وبأي حق يجب أن أؤمن بأفضلية أبي بكر على علي، وأنا لم ألتق أيهما، وليس هناك نص ثابت يحسم المسألة، كما أن تقرير الأفضلية في يد الخالق لا في يد الخلق، وعلى الصعيد الإيماني لن يتغير إسلامي لو قدمت هذا على ذاك، أو قدمت أبا ذر الغفاري أو الزبير أو طلحة أو حمزة عليهما، رضي الله عنهم أجمعين.
إن الجدوى الحقيقية، هي أن يعيش السنة والشيعة معا ويدا بيد تحت سقف الدولة والولاء للوطن، كأسنان المشط أمام القانون والفرص والحقوق والواجبات، وهذا هو الدور الذي يجب أن تنهض به هيئة كبار العلماء وغيرها، فمن المؤسف أن نرى اليوم شيعيا يقدم موالاة إيران على حساب بلاده، كما نرى سلفيا يوالي داعش والقاعدة ضد أهله ووطنه.
إذا أراد المنيع حوارا صادقا بين السنة والشيعة فليوجه اقتراحا إلى صاحب القرار لتعيين علماء شيعة داخل هيئة كبار العلماء، فتكون عملية الحوار دائمة وصادقة ومنتجة، وتتحول الهيئة من جهاز مذهبي إلى مؤسسة وطنية، وأذكر أن الملك عبدالله، رحمه الله، وجه بأن تضم الهيئة كافة المذاهب السنية، لكنه حين أعيد تشكيلها كان حضور المذاهب الأخرى شرفيا لمصلحة سيادة السلفيين، وحتى على صعيد المناطق، على مر تاريخ الهيئة، لم يتجاوز داخلها علماء الحجاز، وهو منبع الإسلام، العضوين.
لقد ابتلي الشيعة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية وميليشياتها، وابتلي السنة بالدواعش والقواعد والإخوان والسرورية ومن لف لفهم من السلفية عموما، وكل ذلك عنوانه الإسلام السياسي الذي هو نقيض الإسلام وعدو السنة والشيعة معا، وقد أصبح المشهد مثيرا للسخرية حقا، فالضرر الذي ألحقه السلفيون بالسنة لا يحلم به الشيعة، كما أن الويلات التي جرتها إيران على الشيعة لم تراود أحلام أشد السنة تطرفا، ولا سلام قبل استئصال الإسلام السياسي كله عند هذا وذاك، وفي سياق ذلك أطلقت دعاء مناسبا “اللهم يا أرحم الراحمين انصر الشيعة على إيران وميليشياتها، وانصر السنة على السلفية والقواعد والإخوان والسرورية والدواعش، وانصر الإسلام على المسلمين” آمين يا رب العالمين.
على السعوديين أن ينشغلوا بالمواطنة وبمكافحة الإسلاموية المتطرفة بكل طوائفها، أما الخلافات التي حصلت قبل 1400 سنة فأصحابها أمام ربهم يحكم بينهم في ما كانوا فيه يختلفون، إنها والله لحماقة أن يجتمع اليوم شخصان، ليس بيدهما من الأمر شيء، لبحث تقاسم الجنة والنار من الأولين إلى الآخرين، وهذا يتحدث باسم عمر وهذا يفتي باسم علي، ولو عاشا في ذلك الزمن لما قبل عمر وعلي بهما كإسكافيين.
في التصريح الأول استخدم المنيع مصطلح “عقلاء الشيعة”، وهو مصطلح متعال وعنصري يصور طائفة كاملة كزمرة من المجانين، وفي تصريحه التصحيحي (الثاني) استخدم مصطلح “عقلاء السنة والشيعة” قائلا، بلا قصد، وبكل صدق إن المسلمين اليوم قليلو العقلاء، انظر إلى أولئك الذين يقتلون باسم الله أو باسم النبي أو باسم الحسين وخالد بن الوليد، ثم حدثني عن الإسلام، كل فريق يريد تعجيل مصير الآخر إلى جهنم كما يظن، فجعلوا حياتنا كلها جهنم، رحم الله مصطفى الشكعة يوم نادى بإسلام بلا مذاهب، والشيخ علي الأمين يدعو إلى إسلام بلا طوائف، ومعنى هذا وذاك هو الإسلام بلا سنة وبلا شيعة.
العرب :أحمد عدنان