نحو 30 مقاتلا من حزب الله قتلوا وأكثر من العشرات من الجرحى سقطوا في محيط مدينة حلب خلال أقل من أسبوع. المرصد السوري لحقوق الإنسان أعلن أن المعارك العنيفة في بلدة خلصة بريف حلب أسفرت عن أكبر خسـارة بشريـة في صفوف حزب الله منذ معارك القصير عام 2013. وأفاد المرصد بمقتـل 86 مقاتلا من المسلحين الموالين للجيش السـوري من جنسيات سورية وعربية وآسيوية في البلدة التي تدور فيها المعارك منذ مطلع الأسبوع الماضي.
حزب الله الذي يصر على استمرار القتال في سوريا يبدو أنه في وضع لا يحسد عليه، فضلا عن أنّ قرار خروجه أو بقائه هو رهن أوامر الولي الفقيه أو القائد الأعلى لحزب الله المرشد الإيراني السيد علي خامنئي، حزب الله لن يخرج من سوريا ولن يستطيع الخروج إلا بالقوة، فحزب الله يدرك أنه سيُلاحق من قبل أعدائه من السوريين (الإسلاميون وغير الإسلاميين) إلى داخل لبنان، وبالتالي هو أمام مأزق وجودي. إذ ليس من خيار أمامه سوى الاستمرار في القتال. لكن ما يفاقم الأزمة إلى حدّ المهزلة، أن يتحول حزب الله إلى ملاحق من حلفائه أيضا. فهو حين يسقط له مسؤول برتبة قائد حملة غزو سوريا مصطفى بدرالدين في مناطق نفوذ النظام السوري، بل في قلب قواعد النظام العسكرية قرب محمية مطار دمشق، فذلك يدل على أنّ عملية اصطياد مقاتلي الحزب ستستمر من دون أن يستطيع حزب الله اتهام أحد.
نظرية تدخل حزب الله في سوريا بعد شعار “لن تسبى زينب مرتين”، تقوم على أنه دخل ليواجه المشروع الصهيوني الأميركي التكفيري.. الخ، من خلال منع إسقاط بشار الأسد؟ المفارقة أن إسرائيل أو الصهيونية هذه المرة تدخل من باب روسيا أي من باب الممانعة. تدخل عن طريق حليف الأسد وإيران، هذه المرة إسرائيل في سوريا برعاية الممانعة ومقاوماتها أو مقاولاتها. الحليف الأقرب إلى روسيا في المنطقة هي إسرائيل، هكذا وصف الرئيس الروسي علاقة روسيا وإسرائيل. وهو موقف يأتي استكمالا للدبابة الإسرائيلية التي قدمها بوتين هدية لإسرائيل وهي التي غنمها الجيش السوري عام 1982 من الجيش الإسرائيلي خلال غزوه لبنان.
كل هذه الحقائق والوقائع تدفع بإسرائيل إلى المزيد من الطمأنينة. فهي الدولة التي تحظى بعلاقة تحالف راسخة مع الولايات المتحدة الأميركية، وتبني اليوم تحالفا مع روسيا لم يحظَ به نظام بشار الأسد. وتستند إلى عداء لفظي مع إيران فيما الحرس الثوري الإيراني يتكفل باستكمال تفكيك دولتيْ العراق وسوريا بعد لبنان. وبالتالي فسياسة تقاسم النفوذ ستبقى هي الأساس علما أنّ إسرائيل ضمنت، في التحالف مع روسيا، حصانة الممانعة بعد حصانة الإمبريالية الأميركية. وهذا يؤهلها، خلال المرحلة المقبلة، لأن تشكل قناة تواصل وحاجة لأكثر من طرف. فهي في سوريا لن تفرط بنظام الأسد، وفي لبنان يكفل التحالف الإسرائيلي مع روسيا ضمان تنظير قوى الممانعة في المرحلة المقبلة لأهمية الحلف الروسي – الإسرائيلي، ودور هذا الحلف في نهوض الأمّة السورية أو الإسلامية، وبناء قدرات “المقاومة”.
الورطة السورية لحزب الله لم تعد مسألة خلافية بل إن التغييرات الديموغرافية التي يعمل حزب الله على إحداثها وتثبيتها على طول مناطق القلمون السورية تلك المحاذية للحدود اللبنانية، بالإضافة إلى تعزيز حضوره المذهبي في محيط دمشق، تؤشر على أن حزب الله بات مقتنعا بأن العيش مع السوريين لن يكون طبيعيا، بل يتطلب إحداث تغييرات ديموغرافية تحد من المخاطر عليه بعدما أوغل في الدماء السورية ليس في محيط المقامات الدينية بل وصلت “إبداعاته” إلى مدينة حلب.
وكان ريف حلب شهد قبل معارك بلدة خلصة اشتباكات بين عناصر حزب الله والجيش السوري توسعت لتشمل أكثر من نقطة، كان أعنفها في منطقة حاضر في ريف حلب الجنوبي. وانتقلت المواجهات إلى منطقة نبل والزهراء في ريف حلب الشمالي.
كما أن حزب الله فقد الاتصال بمجموعة من مقاتليه تضم سبعة على الأقل في محيط بلدة خلصة، ويعتقد أنها وقعت في كمين نصبته المعارضة السورية المسلحة. مصادر متابعة لهذا الملف أكدت لـ“العرب” أنّ هذه الجثث لم يستلمها حزب الله وهي لدى جبهة النصرة، وأنّه ما من اتصالات وما من مفاوضات بهذا الشأن.
والجدير ذكره أنّ جبهة النصرة مازالت تحتفظ بثلاثة أسرى لحزب الله أسروا مطلع العام الحالي، ليصبح بذلك مجموع عدد أسرى الحزب خمسة لدى الجبهة هم محمد مهدي شعيب، حسن نزيه طه، موسى كوراني، محمد ياسين، يضاف إليهم الأسير الأخير والذي ترددت معلومات أنّه أحمد مزهر، إضافة إلى عدد غير محدد من الجثث لدى الطرفين.
الاستنزاف هو الخيار الأقوى في الحساب الروسي والإسرائيلي في سوريا، فيما حزب الله يطمح لأن يوفر بقوته العسكرية حاجة إقليمية ودولية له، عنوانها حماية الأقليات، وهذه الشرعية نجح حزب الله إلى حدّ بعيد في جذب بعض الكنائس المسيحية في سوريا ولبنان إليه باعتباره يشكل حماية وحصنا تحتاجه، فيما شكل نفوذه على الحدود الشمالية لإسرائيل وكفاءته في حماية الاستقرار على طرفيْ الحدود مصدر حاجة دولية وإسرائيلية.
باب الشراكة الإيرانية الإسرائيلية الروسية انفتح، وكل المؤشرات تدل على أن مساحات التلاقي بين هذا الثلاثي قوية لا سيما في الساحة السورية من خلال التقاطع على ثابتة بقاء الأسد، والتلاقي على محاربة الإرهاب والتكفير، والأمر الثالث حماية الاستقرار على الحدود الإسرائيلية السورية واللبنانية.
العرب: علي الامين