تُجمِع التقارير الديبلوماسية والاستخبارية التي تتناول الملفّ السوري على أنّ السعي إلى الحلول السياسية بدلاً من العسكرية لم يحِن أوانُه، وهو من الخيارات المتعثّرة في المرحلة المقبلة. فكلّ الأنظار تتّجه إلى سيناريوهات عسكرية تَغلي بها المنطقة... وإنْ كانت هناك قناعة بوجود قرار كبير لضرب "داعش"، فمَن ستكون الضحية الأخرى من الجهة المقابلة؟ يُنبئ الحراك على المستوى القيادي العسكري في المنطقة الذي ارتفع مستواه منذ لقاء طهران في السادس عشر من حزيران الجاري بين وزراء دفاع روسيا وسوريا وإيران بأنّ الحديث عن الحلول السياسية لم يحِن أوانه بعد، وأنّ مشاريع التسوية التي قادها الموفد الدولي إلى سوريا ستيفان دو ميستورا قد وضِعت على الرف راهناً لأنّ الكلمة للميدان.
والدليل على ذلك التحضيرات العسكرية التي سَبقت الهجمات المتبادلة على بعض المحاور، من حلب الى إدلب والرقة في الشمال والشرق السوري إلى تلال اللاذقية غرباً وصولاً إلى عمق الأراضي السورية حول العاصمة دمشق.
فقد ثبُتَ بالوجه الشرعي، أنّ كلّ التقارير التي تحدّثت عن موجة تسليح غير مسبوقة شهدَتها سوريا على وقعِ تفاهمات وقفِ النار الموَقّتة التي تلَت وقفَ النار المعلَن في 27 شباط الماضي، قد ترجَمتها العلميات العسكرية الكبيرة على المحاور الأكثر سخونةً من ريف حلب الجنوبي إلى الرقّة وإدلب وصولاً إلى ريف دمشق الجنوبي والشرقي، وأسفرَت عن وقوع عدد كبير من الضحايا حيث يتبادل الطرفان على أساسها بلاغات النصر المتناقضة.
وعلى وقعِ المعلومات التي تحدّثت عن حجم العمليات العسكرية الكبيرة وما جنَّدته القوى المتصارعة من أسلحة وعتاد ومسلحين، كشفَت التقارير الديبلوماسية الواردة من أكثر من عاصمة غربية وعربية، عن وجود شكوك إيرانية وسوريّة في الدور الروسي بعد إعلان وقفِ النار على محاور حلب من طرف واحد، من دون الكشف عن حجم التفاهم على الخطوة مع الأميركيين.
كان ذلك، قبل أن تعلن وزارة الدفاع في موسكو عن آليّة عمل جديدة تمّ التفاهم عليها مع الولايات المتحدة الأميركية لتنظيم العمليات القتالية ومنعِ أيّ صدام بين القوّتين، وهو ما دلّ على حجم الغضَب الأميركي من استهداف الروس مواقعَ مجموعات مسلّحة تعبَ الأميركيون في تدريبهم وتسليحهم ما بين قواعد قطر وتركيا قبل الزجّ بهم في الجبهة السورية الشمالية إلى جانب القوّة الكردية التي جنّبتها الإدارة الأميركية أيّ ضرَبات انتقامية من تركيا على طول الحدود مع سوريا.
وإلى هذا الستاتيكو الجديد الذي بدأت ترتسم ملامحُه في التحالفات الجديدة، لم يعُد هناك أمرٌ واضح وصريح في كلّ ما يحدث سوى التفاهم على شنّ ضربة قاسية ضد "داعش" حيثما وُجدت، بعدما سقط السباق الذي كان قائماً بين أولوية ضربها، في سوريا أوّلاً أم في العراق، وسط سؤال مطروح: "مَن سيدفع الثمن مِن الجهة المقابلة؟"
وقبل الإجابة على هذا السؤال، هناك سيناريوهات تتحدّث عن خلافات بين أطراف "حِلف طهران" الثلاثي الجديد لجهة أولويات روسيا وسوريا وإيران، وهو ما ترجَمته المبادرة الروسية الأحادية الجانب من وقفِ النار في ريف حلب الجنوبي والتركيز على الأعمال العسكرية في الرقّة وإدلب بدلاً من المنطقة التي تُرِكت فيها وحدات سوريّة وأخرى من "حزب الله" لقمةً سائغة في أيدي القوى السورية المعارضة، وهو ما أوقعَ حجماً كبيراً من الضحايا في صفوف الحزب والوحدات التي يديرها الحرس الثوري من أفغان وعراقيين بعدما تُركت من دون الغطاء الجوّي الروسي.
وبناءً على ما تقدَّم، تقول المراجع الديبلوماسية إنّ التشكيك الإيراني والسوري في النوايا الروسية لم يعُد سرّاً. إذ على رغم ما رافقَ لقاء طهران من حديث عن تنسيق ثلاثي غير مسبوق، فقد انهارت مظاهرُه بين ليلة وضحاها بمجرّد بروز أولويات مختلفة للفرقاء الثلاثة وتحديداً في جبهة حلب التي يراهن الرئيس السوري بشّار الأسد على استعادتها أيّاً كانت النتائج المترتّبة على المعركة، فيما يتريّث الروس في قضمِ المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الموالية لتركيا والسعودية وحلفائهما بعد واشنطن، وتتهيّب معركة حلب في المرحلة الراهنة.
هذا الأمر أغاظ الإيرانيين المشكّكين منذ البداية في النوايا الروسية، والسوريين الذين يحاولون إظهارَ أنّهم يستطيعون رسمَ خريطة الطريق للمرحلة المقبلة وفقَ أولوياتهم الداخلية من دون رعايةِ أو رضى روسي.
وعلى خلفية ما اتّخذه الصراع من خلفيات ضمن أبناء الصفّ الواحد، بَرزت معادلة جديدة بدأت تأخذ مجراها في الأوساط السورية والإيرانية قياساً بالمتوافر من معلومات عن تفاهم روسي - اميركي انتهت إليه عملية شدّ الحبال بين الطرفين في الأيام الماضية وضعت "داعش" هدفاً أوّل للطرفين من جهة، لكن كلّ الخوف ان تكون المجموعات الموالية لإيران والنظام، ولا سيّما وحدات "حزب الله"، هي التي ستَدفع الثمن من الجهة المقابلة، وهي نظرية ليس من السهل إثباتُها قبل التثبتِ من الظروف التي أدّت إلى وقوع عدد كبير من عناصر "حزب الله" في المواجهة الأخيرة رغم الغموض الذي يلفّ ظروف المعارك في تلك المنطقة.
(جورج شاهين - الجمهورية)