مبادرة بري معلقة على طاولة الحوار , وهي سلة متكاملة وإلا لا قيمة لها
النهار :
اذا كان قرار المكتب السياسي لحزب الكتائب بفصل وزير العمل سجعان قزي من الحزب قد فاجأ معظم الاوساط السياسية بعدما كان الوزير المفصول حزبيا قد أبدى ملامح مرونة قبل ساعات من صدور القرار أوحت باحتمال مرور المأزق الحزبي الناشئ عن قرار الاستقالة من الحكومة من دون "كي"، فان قرار الفصل نقل وجهة المأزق الى الداخل الحكومي تكراراً. فمهما قيل في ملابسات تجربة جديدة من تجارب "التمرد" الحزبية المتصلة بالكتائب او بسواه من الاحزاب، وهي ليست بغريبة عن واقع الاحزاب المسيحية خصوصاً واللبنانية عموماً، لا تترك واقعة فصل الوزير قزي من الكتائب اي شك في ان خصوصية هذا التطور تتصل اولا وأخيراً بواقع تأكل الحكومة والاهتراء التصاعدي في ادائها الذي تسبب في المقام الاول بخروج حزب الكتائب منها اعتراضاً على مقاربات ومعالجات حكومية باتت تجرجر ذيول التعثر والعجز عن احتواء الكثير من العلل التي اصابتها. واذا كانت خطوة الاستقالة الكتائبية أثارت شكوكاً في صوابيتها وتوقيتها، فان الثابت انه بمعزل عن الاهداف الخاصة بالحزب لن يكون واقع الحكومة بمنأى عن اهتزازات اضافية متعاقبة ما دامت التراجعات تطبع نمط عملها وسط تعامل معظم القوى المشاركة فيها مع الملفات الشائكة على قاعدة تقطيع الوقت وقنص المكاسب من دون أي جرعات أو مقويات باتت الحكومة تحتاج اليها بشدة مع "تقادم " عمرها الاضطراري.
في أي حال لم تكن الاستقالة الكتائبية زوبعة في فنجان بل اكتسبت دلالاتها الجدية مع قرار الحزب فصل الوزير قزي بما يعني انهاء واقع تصريف الاعمال بما يضع الوزير المفصول أمام الاحتمال الاقرب وهو الاستمرار في منصبه وممارسة مهماته الكاملة كأن استقالته لم تكن، فيما سيكون الحزب خارج التمثيل الحكومي تماماً ويجري التعامل مع قزي باعتباره وزيراً مستقلاً. وقد لفت في قرار المكتب السياسي الكتائبي انه رد على رئيس الوزراء تمام سلام "آسفاً لما صدر عنه واعترافه علناً بأنّ الفساد والصفقات هي القاعدة السائدة في هذه الحكومة وفي البلد". واعتبر "أن اقرار رئيس الحكومة هذا، أمر خطير للغاية، لا بل هو تسخيف لعملية هدر أموال الدولة ونهبها بدل مواجهتها بكل الأُطر المتاحة". كما انتقد "غياب الحكومة عن التحديات السياسية التي يواجهها لبنان كالنزوح السوري والتفلت الأمني والوضع الاقتصادي الضاغط وتهديد القطاع المصرفي، وغيره" مضيفاً ان "ذلك يشكّل أسباباً إضافية تؤكد صوابية قرار الكتائب القاطع والنهائي بالاستقالة الكاملة من الحكومة تشمل الامتناع عن تصريف الاعمال وتعزّز اصرار الكتائب على مواجهة الامر الواقع المفروض على اللبنانيين". وأعلن انه "بناءً على مطالعة الأمانة العامة للحزب والتي تضمّنت مخالفاتٍ واضحة ارتكبها الوزير سجعان قزي للنظام العام في الحزب، اتخذ المكتب السياسي الكتائبي قراراً قضى بفصل الوزير سجعان قزي فصلاً نهائياً من حزب الكتائب". وشدّد على "أنّه سيتعاون مع الجميع دون أحكام مسبقة، وسيضع يده بيد القوى والأحزاب السياسية وبيد المجتمع المدني لتحقيق التغيير الذي يتوق إِليه اللبنانيون".
قزي
وعلّق الوزير قزي على تطورات يوم أمس فقال لـ"النهار": "شعوري الان هو الحزن والحريّة في وقت واحد.. آسف ان تكون هذه المجموعة إتخذت قراراً بفصل كتائبي ساهم في مسيرة الحزب ونهضته. انه قرار خاطئ.فكما كان قرار الاستقالة خاطئا,كان قرار الإقالة خاطئاً أيضاً. ولكن على رغم كل ذلك أجدد محبتي لكل رفاقي الدائمين، وأتوجه بتحية محبة الى فخامة الرئيس الشيخ أمين الجميّل وأنني أفهم مشاعره في هذه اللحظات". وأضاف: "غداً يوم آخر. فبعد قرار الصرف التعسفي وعوض أن يتلقفوا ما طرحته نهاراً للخروج الى الحل، تلقفوه للإنزلاق أكثر فأكثر في الخطأ". وإذ شدد على أنه لا يزال مقتنعا بتصريف الاعمال أعلن أنه تلقى إتصالا مساء أمس من الرئيس سلام وهو سيتشاور معه في المرحلة المقبلة قائلاً: "أحيي صمود الرئيس سلام ونزاهته وشفافيته وتحمّله المسؤولية طوال هذه المدة في سبيل لبنان".
طاولة الحوار
الى ذلك، تتجه الانظار اليوم الى الجلسة الجديدة لهيئة الحوار الوطني التي ستعقد في مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة والتي أثيرت حولها تساؤلات مسبقة عن طابعها التقريري للنقاش الجاري حول ملف قانون الانتخاب. ذلك ان هذه الجلسة تعقد وسط "احتكام" اللجان النيابية المشتركة في جلستها الاخيرة الى طاولة الحوار من منطلق كونها موقع القرار السياسي الحاسم حول قانون الانتخاب قبل ان تعاود اللجان جلساتها غداً. كما تعقد وسط انتظار الرئيس بري اجوبة الزعماء السياسيين ورؤساء الكتل النيابية عن مبادرته للتوافق على قانون انتخاب جديد تجرى على اساسه انتخابات نيابية مبكرة او على اساس القانون الحالي اذا تعذر التوافق على قانون جديد ومن ثم يجري التزام انتخاب فوري لرئيس الجمهورية. وتوقعت أوساط معنية بالحوار فلش مشاريع القوانين الانتخابية في جلسة اليوم مع التركيز على الصيغة المختلطة بين النظامين الاكثري والنسبي من دون أي أفق واضح يشجع على ترقب نتائج ايجابية مخالفة للاجواء التي تسود اجتماعات اللجان المشتركة. وعزت ذلك الى غياب قرارات سياسية حاسمة بالتوصل الى جوامع مشتركة حول ملف قانون الانتخاب نظراً الى الترابط الوثيق بين كل ملفات الازمة السياسية والرئاسية الامر الذي يسلط الضوء على ما سيقوله بري في خلاصات الجولة الحوارية عن مبادرته وما اذا كان سيبقى متمسكاً بها اذا انتهت الى تكريس المراوحة والدوران في الحلقة المفرغة.
السفير :
لم تعد هيئة الحوار الوطني مجرد تعبير عن «وضع شاذ» ولا عن أزمة وطنية مفتوحة يعيشها لبنان منذ لحظة صدور القرار 1559 ومن ثم اغتيال الرئيس رفيق الحريري ولا عن تمسك الطبقة السياسية بنظام سياسي يحمي مصالحها، بل صارت بديلا عن كل «المفقودين» في هذه الجمهورية.
هي البديل عن رئيس للجمهورية لن ينتخب إلا في إطار سلة متكاملة يقع بند قانون الانتخاب في أوائل بنودها. هي البديل عن مجلس نواب لن تفتح أبوابه قبل انتخاب رئيس للجمهورية. هي البديل عن حكومة هجينة صار معظم «وزراء الصدفة» فيها أكثر تمسكا بها من القوى السياسية التي أتت بهم إلى هذه «الجنة»!
بهذا المعنى، يصح القول في هيئة الحوار أنها صارت أشبه بمجلس حكم انتقالي، مهمته مناقشة جدول أعمال الضرورة بما يتضمنه من قضايا سياسية «دائمة» مثل الرئاسة وقانون الانتخاب وقضايا تقع في صلب جدول أعمال السلطة التنفيذية، مثل آلية عمل الحكومة والنفط والنفايات والتعيينات، ولا بأس في أن تصدر «فتاوى» في قضايا من صلب صلاحيات رئاسة الجمهورية، كالموقف من تصنيف «حزب الله» أو من أي أمر يتصل بالمعاهدات الدولية!
لكن هيئة الحوار القيادية للدولة وللتواصل بين «اهلها»، لا تملك ترف الوقت دائما. فقد ولدت قبل عشر سنوات، في لحظة سياسية استثنائية، وكانت وظيفتها تقطيع الوقت في انتظار موعد انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود الذي صمد في القصر حتى آخر لحظة من ولايته الممددة برغم الحرم السياسي الذي رفعته بوجهه «قوى 14 آذار». ولولا «اتفاق الدوحة» وما حمل في طياته من تكريس لتوازنات ما بعد أيار 2008 من ثلث معطّل ولثلاثية الجيش والشعب والمقاومة وانتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، لكان الحوار مهددا، خصوصا أن جدول أعماله الأساس (الرئاسة والمحكمة والسلاح الفلسطيني والعلاقات مع سوريا الخ..) قد أصبح منسيا.
ومع ميشال سليمان، تكرست أيضا لعبة الوقت الضائع، لولا أنه جرّب أن «يخطف» من هيئة الحوار «اعلان بعبدا» الشهير الذي سجل كوثيقة رسمية في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ولم يعد أحد يسمع به منذ ليل الرابع والعشرين من أيار 2014، تاريخ انتهاء الولاية السليمانية.. والعودة الى عمشيت.
وكعادته، تسلل الرئيس نبيه بري من خرم الفراغ المتجدد والأزمة المفتوحة، ليجد في هيئة الحوار ضالته وضالة الجميع. أعيد احياء «الطاولة»، ولم يتجرأ أطرافها على مقاطعتها الا سمير جعجع. وها هي تمر سنة تلو سنة، والحوار يستمر وجدول الأعمال يتراقص ويتكاثر، ولا أحد يجرؤ على مغادرة القاعة. صار لكل يعقوب «غايته». صيغة ورئاسة وحكومة ومجلسا وحصصا في السلطة وتوازنات في هذه الدائرة أو تلك.
لكن الوقت ليس مفتوحا، وها هي المواعيد تتزاحم، فمن أين تبدأ «الحكاية الحقيقية»؟
لقد فشل مجلس النواب في التوافق على قانون انتخابي جديد. عادت الكرة الى ملعب هيئة الحوار. كل «البوانتاجات» أظهرت تراجع حظوظ معظم المشاريع الانتخابية. قال روبير غانم لأعضاء اللجان المشتركة «لماذا تهدرون وقتكم، القرار هناك (في هيئة الحوار)». حظيت كل المشاريع بـ «فيتوات» ولم يبق إلا مشروعان:
• أولا، مشروع حكومة نجيب ميقاتي القائم على النسبية على اساس لبنان 13 دائرة انتخابية (محافظات موسعة)، وهو يحظى بشبه توافق سياسي باستثناء «المستقبل» الرافض و «القوات» الحريصة على عدم استفزاز حليفها الأزرق، وعلى الأرجح، لا أحد يقيم حسابا لـ «الكتائب»، لا من حلفائها ولا من خصومها، طالما أنه في قيادة الحزب نفسه، هناك من لا يقيمون وزنا لقرارات قيادتهم!
• ثانيا، مشروع القانون المختلط الذي قدمه رئيس المجلس، والقائم على أساس انتخاب 64 نائبا وفق النظام الأكثري وعلى أساس تقسيمات الأقضية الحالية، أي «قانون الستين»، وانتخاب 64 نائبا وفق النظام النسبي وعلى أساس تقسيمات المحافظات الكبرى.
ومن يرصد المناخات الدولية والاقليمية، يلاحظ أن ما يسري على الانتخابات البلدية سيسري على النيابية. لن يكون هناك تساهل مع أية محاولة لتمديد ولاية المجلس النيابي مرة جديدة ولو لمدة يوم واحد بعد السابع عشر من أيار 2017. الأخطر من ذلك، أن كل المؤسسات تملك تقديرات مشتركة بأن التمديد قد يطلق حراكا شعبيا في كل لبنان وخصوصا في العاصمة أوسع بكثير من الذي شهده بعنوان «طلعت ريحتكم» (النفايات) في صيف العام 2015.
لا بد من الانتخابات النيابية، لكن معظم القوى السياسية المسيحية لن تكون صاحبة مصلحة في أن تجري على قاعدة «قانون الستين». هكذا انتخابات ستكرس وتشرع الواقع المشكو منه منذ العام 2005 حتى الآن، ولاربع سنوات جديدة. ولذلك، صارح بري الحضور في هيئة الحوار من أن انتخابات على اساس الستين ستؤدي الى ثورة شعبية كبيرة لا يمكن تقدير تداعياتها.
ماذا اذا استمر رفض «المستقبل» وما هو البديل؟
من الواضح أن هيئة الحوار ستجد نفسها أمام خريطة طريق إلزامية من الآن وحتى مطلع ربيع العام 2017، تتضمن جدول الأعمال الآتي:
أولا، التوافق سياسيا في هيئة الحوار على صيغة القانون الانتخابي (يعطي بري أفضلية لمشروع حكومة ميقاتي ثم لمشروعه المختلط).
ثانيا، انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ثالثا، التئام مجلس النواب في جلسة تتضمن بندا وحيدا، وهو إقرار قانون الانتخابات المتوافق عليه.
رابعا، إجراء الانتخابات النيابية وفق القانون الجديد.
خامسا، انتخاب هيئة مكتب المجلس بما في ذلك رئيس المجلس الجديد ونائبه.
سادسا، تعيين رئيس جديد للحكومة من ضمن تفاهم يشمل الحصص والتوازنات («الثلث المعطل» أو أي صيغة ضامنة) والبيان الوزاري (الثلاثية).
سابعا، استكمال تنفيذ اتفاق الطائف، وهذا البند يحمل في طياته سلسلة بنود اصلاحية ستكون جزءا أساسيا من «السلة المتكاملة»(خريطة الطريق)، ويقع في أولويتها اصدار نظام داخلي لمجلس الوزراء بقانون يصدر عن مجلس النواب (خصوصا اعادة الاعتبار الى مؤسسة مجلس الوزراء ومقرها المنفصل عن مقر رئاسة الحكومة)، المداورة في وظائف الفئة الأولى، اعتماد روحية اتفاق الطائف في توزيع الحقائب السيادية (وفق المناقشات الميثاقية وليس النصوص الدستورية)، اقرار اللامركزية الادارية، انشاء مجلس الشيوخ، تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، اقرار خطة تنموية شاملة الخ..
من الواضح أن سعد الحريري هو أكثر طرف محرج حاليا بالحوار وقانون الانتخاب ورئاسة الجمهورية ربطا باستعجاله العودة الى رئاسة الحكومة، الأمر الذي يجعله عرضة لابتزاز سياسي مكشوف من داخل تياره ومن حلفائه المسيحيين وأيضا من خصومه في «8 آذار».
عندما كان الحريري يسعى للانفتاح على ميشال عون قبل أكثر من سنتين من زاوية رهانه على التوافق المستحيل بين المسيحيين، طلب من «الجنرال» أن يسوّق نفسه عند مسيحيي «14 آذار»، وقتذاك، انبرى سمير جعجع غاضبا ومهددا بالويل والثبور، وقال للحريري ان كل ما بنته «قوى 14 آذار» يتم التفريط به بين ليلة وضحاها، مطالبا اياه بقطع الحوار سريعا مع «الجنرال».
المستقبل :
قبل ساعات من التئام طاولة الحوار في عين التينة التي يُفترض أن تناقش قانون الانتخاب وملفّي النفط والغاز بالإضافة إلى ملامسة بعض أركان الطاولة الأزمة المتفجّرة بين «حزب الله» والمصارف، التي عرضها أمس الرئيس سعد الحريري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامه، اتخذ المكتب السياسي لحزب «الكتائب» قراراً بفصل الوزير سجعان قزي «نهائياً» من الحزب. فيما اعتبر الأخير أنه كان هناك «أكثر من بيلاطس» في اجتماع الحزب، وقال لـ»المستقبل» إن المكتب السياسي «اتخذ قراراً خاطئاً بالاستقالة الأسبوع الفائت، واليوم (أمس) اتخذ قراراً خاطئاً بالإقالة». ووجّه «تحية محبّة كبيرة إلى الرئيس أمين الجميّل الذي أعرف تماماً بماذا يشعر في هذه اللحظات».
وأوضح الحزب في بيان أصدره بعد اجتماع مكتبه السياسي أنه «لا يمكن للبنان أن يحيا إلاّ بممارسة سياسية مختلفة، وأن الحزب يخوض اليوم معركة ضدّ تطبيع الخطأ ويعود إلى جذوره كمساحة للعمل الوطني المتجرّد».
وكشفت مصادر كتائبية شاركت في الاجتماع لـ»المستقبل» أن أعضاء المكتب السياسي ناقشوا على مدى ثلاث ساعات ملف الوزير قزي وأن رئيس الحزب النائب سامي الجميّل أصرّ على فصله من الحزب «لأنه تخلّف عن الحضور بناء على موعد متفق عليه للذهاب معاً إلى السرايا الكبيرة لإبلاغ رئيس الحكومة استقالة وزيرَي الحزب من الحكومة». وأضاف الجميّل أنه فعل المستحيل لتجنّب الفصل وحاول منذ الاثنين الفائت معالجة الموضوع إلاّ أن قزي هاجم قرار الاستقالة في الإعلام وأصرّ على شرط تصريفه الأعمال. واتّخذ قرار الفصل بالإجماع الذي لم يخرقه سوى سمير خلف (ممثّل الحزب في مكتب وزير العمل). كما أيّد الوزير آلان حكيم القرار ملتزماً بقرار الحزب عدم تصريف الأعمال في وزارته.
عسيري
في الغضون، أشاد سفير المملكة العربية السعودية في لبنان الدكتور علي عواض عسيري في تصريح لـ»المستقبل» بالخطابات التي يلقيها الرئيس سعد الحريري خلال الإفطارات الرمضانية التي يقيمها أو التي يحضرها واصفاً خطاباته بأنها «عقلانية وتعبّر عن نظرة موضوعية لواقع الأمور وعن حرص الرئيس الحريري على المحافظة على الثوابت السياسية والوطنية وفي مقدمها العيش المشترك الإسلامي - المسيحي والتمسك باتفاق الطائف«.
وإذ لفت إلى كون «الرئيس الحريري يعي تماماً دقة المرحلة الإقليمية والأخطار التي تحيق بلبنان ومن هنا سعيه الدائم إلى تحصين الساحة الداخلية وحماية الوحدة الوطنية«، رأى عسيري أنّ «قرار الرئيس الحريري إجراء مراجعة سياسية شاملة وعقد مؤتمر عام لتيار «المستقبل« يُعدّ خطوة حكيمة وجريئة تعكس حسّ المسؤولية الكبير الذي يتمتع به، إضافة إلى أنّ الأحزاب الكبرى في كافة دول العالم تقوم بخطوات مماثلة بين فترة وأخرى من أجل تطوير أدائها بما يتلاءم ومتطلبات المرحلة السياسية، وهذه الخطوات هي دليل العمل الجدّي المسؤول الذي يُراد منه تحقيق الأهداف الفضلى«.
الديار :
لا احد يتوقع اختراقاً دراماتيكياً في قانون الانتخاب اليوم، القوى السياسية التي تدور (بهلوانياً احياناً) حول الموضوع تتعامل مع القانون على انه الحلبة التي تخوض فيها صراع البقاء...
جهات نيابية كانت تسأل، عشية انعقاد طاولة الحوار في عين التينة، عن الصيغة العجائبية التي سيطرحها الرئيس نبيه بري بعد ان تصل اليه ردود الكتل حول مبادرته التي ظن الكثيرون انها خرجت «راضية مرضية» من اليوميات السياسية...
الكل، من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والى آخر مختار ماروني في اصقاع الجمهورية يقول بالاستحقاق الرئاسي اولاً ليس لان المطارنة يعتبرون ان لبنان، وليس الطائفة فحسب، في حالة انعدام الوزن مع الشغور الرئاسي، وليست الطائفة هي التي تتناثر، بل الجمهورية كلها...
الكلام الذي يصل من الفاتيكان الى بكركي لا يشي بالطمأنينة، كل الاحتمالات تدق كل الابواب، وثمة مراجع مسيحية ترى ان كل ما يحصل الآن يثير المخاوف من الآتي.
بكركي اخذت علماً بان الاتصالات التي اجرتها باريس في اكثر من اتجاه اقليمي ودولي لم تأت باي نتائج، لا احد في المنطقة مستعد لان يتزحزح قيد انملة عن مواقعه، ولا احد مستعد لان يتخلى عن اوراقه مهما كانت الضغوط.
اجواء المشاركين في الحوار تقول «مثلما لا زحزحة في الملف الرئاسي، لا زحزحة في قانون الانتخاب»، لا بل ان بعض المشاركين يعتبرون ان القانون اكثر اهمية بكثير لانه يرسم خارطة القوى، اي ان انجاز الاستحقاق الرئاسي اسهل بكثير، حتى وان كانت جهات سياسية فاعلة تعتبر ان انتخاب رئيس للجمهورية في الوقت الحاضر اشبه ما يكون بتمرير المرشح العتيد من ثقب الابرة...
بري مازال عند طرحه «دوحة لبنانية» رئيس المجلس يتمنى لو يعقد المؤتمر في مدينة صور لكي يتعرف اصحاب المعالي والسعادة، واصحاب الدولة ايضاً، على الجنوب، في حين هناك من يقترح مدينة زحلة، ولكن اين هي ضفاف البردوني؟
اوساط سياسية ترى ان ظروف ايار 2008 تختلف عن ظروف حزيران 2016، كان الوضع الاقليمي اقل توتراً بكثير، وكانت هناك امكانية لدور عربي للاستضافة وللوساطة.
وبحسب مصادر في عين التينة، فان بري سيقول للمحاورين ما معناه انهم امام اختبار حقيقي للبننة لبنان الذي اذ تحيط به قرارات مجلس الامن الدولي من كل حدب وصوب، تبدو ازماته كلها وكأنها هزات ارتدادية على الزلازل التي تضرب المنطقة.
تضيف المصادر، الا مجال للرهان على اي دفع خارجي، لا بل ان القوى الاقليمية والدولية يمكن ان تستخدم الورقة اللبنانية في عملية تبادل الضغوط. ايضاً، اليوم اختبار... السلة المتكاملة.
وهنا تتحدث اوساط ديبلوماسية عربية عن ان ديناميكية التصعيد على الساحة السورية والتي اوحت اكثر من جهة بانها ستبلغ حدودها القصوى تراجعت الى حد كبير بعدما تبين لكل من الاميركيين والروس ان التصعيد يمكن ان يفضي الى انفجار خطير في المنطقة لا بد ان تكون له تداعياته الدولية.
هذا حمل البيت الابيض على التأكيد بان الحل السياسي هو الحل الوحيد، وبما معناه للحلفاء الذين كانوا يراهنون على مؤازرة ميدانية من الولايات المتحدة، ان النظام السوري في الوقت الحاضر خط احمر، بالطبع لا ينظر الاميركيون غرامياً الى الرئيس بشار الاسد.
لكن الذي تكشفه «الديار» في هذا الصدد ان موسكو ابلغت واشنطن بانها ستبعث باسطولها (بما في ذلك غواصات نووية) الى المياه الاقليمية السورية. وكانت هذه اشارة يفهم الاميركيون، الآخرون ايضاً، ابعادها بعدما كانت اخبار العاصمة الاردنية عمان توحي بان «ساعة رحيل النظام قد تدق في اي لحظة». ولم يقتصر الامر على التهديد الروسي، ثمة كلام عن جسر جوي بين ايران وسوريا، اما التفاصيل فتحاط بجدار من السرية..
استطراداً،انحسرت احتمالات الانفجار الكبير.
بري الذي استقبل زميلته الايطالية امل في ان تفتح جلسة الحوار اليوم نافذة نحو الحل بعدما اكدت مصادره انه سيضع المتحاورين في صورة الازمة التي اذا ما استمرت في المراوحة، ومع التآكل المنهجي في بنية الدولة (ومؤسساتها)، فان الحصيلة ستكون كارثية وبما تعنيه الكلمة. باب رئاسة الجمهورية موصد، ماذا عن النافذة؟
املت في عودة «الدولتشي فيتا» الى لبنان، لكنها، كما اي مسؤول دولي آخر، لا تملك اي جديد حول المسار الذي يمكن ان تأخذه التطورات في المنطقة.
روما ليست بعيدة عن باريس، والايطاليون يشاطرون الفرنسيين (تحديداً رئيس جهاز الاستخبارات برنار باجوليه) رأيه في ان خارطة العراق، او خارطة سوريا، لن تعود الى ما كانت عليه.
الاميركيون قالوا ان لبنان الذي تناهز مساحته ربع محافظة سورية مثل حمص، ان احداً لن يمس بالخارطة اللبنانية. الفرنسيون، وقبل ايام فقط، كانوا يبدون قلقهم على الخارطة الداخلية في لبنان اذا ما تصاعد الوضع في سوريا، وبوتيرة خطيرة جداً، ان تتدفق موجات جديدة من النازحين السوريين، وبالصورة التي تؤدي، تدريجياً الى احداث تغيير في البنية الديموغرافية، والطائفية، وحتى في بنية السلطة في لبنان.
هذا لا يعني ان القلق الفرنسي تراجع الى نقطة الصفر. كل التقارير تؤكد ان الازمة في سوريا قد تمتد لسنوات اضافية. هذه مدة كافية لكي يندمج النازحون السوريون، وقد يستقرون في لبنان الذي عندما اطلق الجنرال هنري غورو، في اول ايلول 1920، «دولة لبنان الكبير»، كان ينظر الى نموذج محدد يمكن ان تضيع ملامحه كلياً نتيجة الازمة السورية. وكان السفير الفرنسي السابق باتريس باولي يصف موجات النزوح التي كانت تستقر في المخيمات او في المناطق بـ«الحرائق الباردة».
من جهة اخرى، ومع استكمال الترتيبات الخاصة لـ «دخول» الرئيس سعد الحريري، وسط تعبئة لقواعد تيار المستقبل، وعلى اساس ان تكون الاطلالة الطرابلسية بمثابة رسالة الى الوزير المستقيل اشرف ريفي بـ«انني لا ازال الاقوى هنا»، لوحظ ان ما يمكن تسميتهم بـ«المنشقين» عن قاعدة المستقبل يشيعون بان بهاء الحريري قادم... قادم..
قادم الى «البلد». هذا الكلام يرد على لسان نافذين في المدينة سلكوا طريق ريفي، وهم يؤكدون ان رصيد الابن الكبير لدى المملكة العربية السعودية او بالاحرى لدى الادارة الجديدة في المملكة، اكبر بكثير من رصيد سعد «الذي يعرف جيداً من هي الجهة التي طوبته الوريث السياسي ثم رئيس الحكومة». وفي هذا تقاطع، بطريقة او باخرى، مع ما ورد على لسان وزير الداخلية نهاد المشنوق حول «السعودية السابقة».
في تيار المستقبل من يؤكد ان نظرة السعودية الى الوضع العام في لبنان، بما في ذلك رئاسة الحكومة والزعامة السنية، مشوشة جداً واذ تتركز قرارات المملكة، بما في ذلك القرارات المتعلقة بلبنان، في يد ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان، فان هذا الاخير الذي يستند الى جيش من المستشارين لم يعط الوقت الكافي للملف اللبناني الذي لا يعرف ما هو ترتيبه في الملفات المكدسة بين ايدي المستشارين.
الجمهورية :
يبقى الأمن الهاجسَ الأساس الذي يؤرق اللبنانيين، فمِن جهة فلتان وفوضى وعصابات ورصاص عشوائي يزهق أرواح الأبرياء، ومن جهة ثانية تفجيرات وشائعات وتهديدات تتزايد كلّما زاد اشتعال نار الأزمات التي تضرب المنطقة، وخصوصاً في الميدان السوري حيث تتسارع العمليات العسكرية بشكلٍ عنيف وغير مسبوق، وتؤشّر إلى تطوّرات دراماتيكية ونوعية على أكثر من جبهة، ولا سيّما على طول الخط الممتد من الرقة إلى منبج وصولاً إلى حلب. ومع هذا الاحتدام، بالإضافة إلى التطوّرات الأمنية الداخلية، تبرز الحاجة الملِحّة مجدّداً إلى تعزيز مظلّة الأمان الداخلية، بما يَستعيد من جهة عنصرَ الأمن والأمان والاطمئنان للمواطن بالاقتصاص من العابثين، ومِن جهة ثانية، يَقي لبنان واللبنانيين ارتداداتِ العاصفة السورية، مع ما قد تحمله من مفاجآت وكمائنَ ينصبها الإرهابيون لهذا البلد.
وأمام هذه المهمّة المزدوجة تَكمن مسؤولية الدولة بكلّ أجهزتها السياسية والعسكرية والأمنية. للتأكيد بالقول والفعل أنّ لبنان ليس أرضاً رخوة أمام الإرهابيين، بل هو عصيٌّ عليهم.
وعلى هذا الأساس انعقد الاجتماع الأمني الموسّع في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة تمّام سلام، وهو الذي أملَته «معطيات أمنية حسّاسة»، بحسب ما أبلغَت مصادر أمنية «الجمهورية»، بالإضافة إلى المستجدّات الأمنية الأخيرة، ولا سيّما ما يتّصل بتفجير بنك «لبنان والمهجر» وما بلغَته التحقيقات حول الجهة المنفّذة، إضافةً إلى تقارير استخبارية محلّية وخارجية حول حركة الشبكات الإرهابية في بعض المناطق اللبنانية.
ومِن هنا كان تأكيد المجتمعين على الاستمرار في الإجراءات الأمنية المتّخَذة في كلّ المناطق اللبنانية، والحفاظ على أعلى مستويات اليقظة والجهوزية، بما يعزّز الاستقرار القائم ويُحبط أيّ مخططات تستهدف زعزعة الأمن في لبنان.
وقال مرجع أمنيّ كبير لـ«الجمهورية»: لبنان ليس منعزلاً عن محيطه، والأحداثُ المتسارعة من سوريا إلى العراق إلى كلّ البلاد العربية المشتعلة، بالإضافة إلى التهديدات التكفيرية، تَجعلنا نحتاط أكثر مِن أيّ وقتٍ مضى.
ليس أمامنا في هذا الجوّ إلّا أن نضعَ أمنَ بلدنا وأمنَ اللبنانيين مجدّداً في العناية المرَكّزة، ونعزّزَه بما يقتضيه مِن يقظةٍ وإجراءات مانعة لتمدّدِ الحريق السوري إلى بلدنا، وقبل كلّ شيء منعُ المجموعات الإرهابية مِن النفاذ إلى الداخل اللبناني».
وبحسب المرجع الأمني، فإنّ جهوزية القوى العسكرية والأمنية في أعلى مستوياتها، والجهد الأمني والعسكري والاستخباري يُبذل على غير صعيد، بالتوازي مع إجراءات ميدانية تمتدّ مِن الداخل اللبناني وصولاً إلى الحدود اللبنانية السورية.
وأمّا صورة الوضع بشكل عام، فيؤكّد المرجع الأمني «أنّ الأمنَ ممسوك، ونحن نقوم بما علينا، في الداخل وعلى الحدود مع سوريا، وقرارُ الجيش هو إبقاءُ لبنان آمناً مهما كلّف الأمر، وإحباطُ هدفِ الإرهابيين بإدخاله في دوّامة العنف والإرهاب. وها هو الجيش وكذلك الأمن العام وسائر الأجهزة الأمنية تحقّق نجاحاتٍ كبرى بإلقاء القبض على رؤوس كبيرة، وإفشال تسَلّل الإرهابيين واصطياد المتسَللين بالعشرات.
ولفتَ المرجع الأمني إلى تطويرٍ في التكتيك الأمني والمخابراتي لدى الأجهزة العسكرية والأمنية، وقد فرَضت ذلك معلومات ورَدت إلى الجهات الرسمية والأمنية والعسكرية المعنية، تفيد بتغيير أدخلَته المجموعات الإرهابية على خططِها، نتيجة التضييق على خلاياها من قبَل الجيش والأجهزة وتطويق حركتِها ونشاطها، بحيث استعاضت عن الاستعانة بعناصر إرهابية من خلاياها في الداخل، بعناصر عربية وأجنبية ترسلهم من الخارج، وتحديداً ممّن ليسوا في خانة الشبهة. وهذا الأمر دفعَنا إلى استنفار أكبر في كلّ المرافق والمرافئ، وخصوصاً في المطار.
وتبدو لافتةً الإشادةُ الدائمة للرئيس نبيه برّي بجهود الأجهزة العسكرية والأمنية وتأكيدُه أمام مَن يَستفسره بأنّ «أمنَ بلدنا أفضل من أية دولة». ويلاقيه وزير الداخلية نهاد المشنوق بتأكيده أمام السفير البريطاني في لبنان هيوغو شورتر أنّ «الأمن ممسوك»، وإشارتُه إلى أنّ «لبنان من الدوَل القليلة التي نجَحت فيها القوى الأمنية والعسكرية في القيام بعمليات استباقية وكشفِ شبكات الإرهاب».
وكذلك وزير الدفاع سمير مقبل الذي طمأنَ إلى الوضع الأمني في لبنان «خصوصاً أنّ الجيش والأجهزة الأمنية حاضرةٌ وجاهزة لأيّ حدثٍ أمنيّ للحفاظ على الاستقرار». وعندما سُئل مقبل عن تفجير بنك «لبنان والمهجر»، قال: «ماذا حصل في فرنسا أو في أميركا أو في ألمانيا؟ لا يزال الوضع الأمنيّ في لبنان بألف خير».
وفي السياق ذاته يأتي كلام المرجع الأمني لـ«الجمهورية» بقوله: «نعيش وضعاً أمنياً أفضل بكثير ممّا كنّا عليه». وأضاف: ولكن على رغم هذا الهدوء الذي ننعَم به، لا نستطيع أن ننام على حرير، فلا نُسقِط من حسباننا الغدرَ التكفيري في أيّ لحظة؛ وتهديدات المجموعات الإرهابية نأخذها على محمل الجدّ، ونحن نتوقّع منها أيّ شيء.
لا نستطيع أن نقول إنّنا بمنأى عن هذا الخطر، لكنّنا نقول إنّنا يقِظون، والإجراءات التي نفّذها الجيش اللبناني من الداخل وحتى الحدود، بالإضافة إلى مهاجمة تجمّعات الإرهابيين في الجانب السوري قرب الحدود اللبنانية، أدّت إلى إقفال معابر الموت، و«تصعيب» حركة الإرهابيين.
مِن هنا، يضيف المرجع الأمني: «لنكُن موضوعيّين، المخاطرُ الأمنية لم تلغَ نهائياً، وتَمكّنا من خلال الإجراءات والنجاحات التي حقّقها الجيش والأجهزة على مستوى التوقيفات للإرهابيين، مِن تقليص تلك المخاطر، والأهمّ أنّنا أحبَطنا الهدفَ الأساس لتلك المجموعات الإرهابية، وهو الإطباق على لبنان وإقامة محمياتها فيه، وبالتالي زعزعة أمنِه واستقراره وإغراقه في الفتنة القاتلة».
يتوازى الجهد الأمني الداخلي مع إشارات خارجية متزايدة في الآونة الأخيرة، عن حِرص غربي أميركي وأوروبي على استقرار لبنان. وثمَّة مراسلات في هذا الصَدد وردَت أخيراً إلى بعض المستويات السياسية.
وإذا كانت بعض تلك المراسلات تنطوي على تحذير من نشاطات إرهابية في هذه المنطقة أو تلك، فإنّ بعضَها الآخَر ينطوي على ثقةٍ بقدرةِ اللبنانيين على تجنّب تلقّي الصَدمات.
وفي هذا السياق، أكّدت مصادر واسعة الاطّلاع لـ«الجمهورية»، نقلاً عن شخصية دبلوماسية أميركية، أنّ لبنان لم يخرج من دائرة اهتمام واشنطن، بل هو في صلب هذا الاهتمام.
وتبعاً لذلك نحن ننظر بارتياح إلى الوضع الأمني في لبنان، ولا نعتقد أنّ هناك ما يبعث على الخوف على أمنه واستقراره، ونحن متأكّدون من أنّ اللبنانيين يريدون الحفاظ على بلدهم، فهم يرَون ما يجري في دوَل المنطقة مِن دمار وانهيار، ولا يريدون أن تنتقل تلك الحروب إلى بلدهم.
وتؤكّد الدبلوماسية الأميركية على حماية لبنان ومنعِ انهيارِه. فأكثر ما تخشى هو أنّ انهيارَ لبنان، إنْ حصَل، فلا يذهب به فحسب، بل سيخلق مشكلةً كبرى من شأنها أن تفتح المنطقة على تعقيدات خطيرة، إقليمية ودولية. لذلك، فإنّ استقرار لبنان بالنسبة إلينا أولويةٌ وضرورة، وقد عبّرت واشنطن عن هذا الموقف بتسريع برنامج تسليح الجيش اللبناني بما يمكّنه من صيانة هذا الاستقرار، ومن المواجهة والانتصار في الحرب التي يخوضها ضدّ الإرهاب.
الاخبار :
قبل اعتقاله في 28 كانون الأوّل 2014، رأى الأمين العام لجمعية «الوفاق»، الشيخ علي سلمان، في إحدى خطبه، أن «المساس بآية الله قاسم سيغيّر وجه ومستقبل البحرين والشعب قادر على قلب المعادلة». توقّع سلمان اعتقاله، وعبّر عن ذلك في عددٍ من خطبه، لكن المسّ بقاسم لم يكن في حسبانه، فهو المرجع الديني الأبرز في البلاد. تجاوز النظام البحريني، بدفعٍ سعودي الخطوط الحمر في مواجهة المعارضة. لم يكتفِ بإسقاط الجنسية عن آية الله عيسى قاسم، بل أمره أيضاً بمغادرة البلاد فوراً.
الخطوة التصعيدية ذات أبعاد مختلفة. في الدرجة الأولى، يريد النظام السعودي، الحاكم الفعلي للبحرين منذ احتلال قواته الأراضي البحرينية عام 2011، أن يسدد ضربة يراهن على أن تكون قاضية للانتفاضة السلمية، بعد اعتقال سلمان، وحل "جميعة الوفاق". واللافت أن هذا القرار يُمعن في إقصاء دعاة العمل السلمي، وضامني عدم الدفع بالانتفاضة إلى الخيار العنفي. كما لا يُمكن فصل ما جرى امس في المنامة عما يقوم به حكام الجزيرة العربية داخل حدود المملكة السعودية، حيث يقمعون، بقطع الرؤوس، أيّ احتمال لمعارضتهم، تماما كما فعلوا بداية العام الجاري، بإعدام الشخ نمر النمر، ثم اعتقال الشيخ حسن الراضي.
خارجياً، يوجّه نظام آل سعود رسالة إلى الأقربين والأبعدين، وأولهم إيران. وهذه الرسالة تشير إلى أن النظام السعودي لا يفتح أي باب للتسوية في أي ملف من الملفات الملتهبة في المنطقة. على العكس من ذلك، فإنه يريد التصعيد، ولو بصبغة مذهبية خالصة. يكرر التجربة بعد حادثة التدافع في منى قبل نحو 9 أشهر. فهي بدلاً من الاعتراف بالخطيئة، والعمل على معالجتها، أطلقت حملة شعواء على إيران. وكذلك الأمر في اليمن، حيث قرر آل سعود تدمير البلاد على السماح بحُكم متوازن فيها، يكون فيها من لا يوالون حكام الرياض شركاء في السلطة. وقبل اليمن سوريا التي يرفض النظام السعودي أي تسوية سياسية معقولة فيها، فيما يفضّل هذا النظام بقاء "داعش" مسيطراً على غرب العراق، على أن يحرّره خصوم السعودية.
أبرز المواقف المندّدة التي خرجت تضامناً مع قاسم، الذي حمل جملة رسائل واضحة، كان موقف قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني»، الجنرال قاسم سليماني الذي أكّد أن «الإساءة إلى الشيخ قاسم ستكون بداية لانتفاضة دامية، تقع مسؤوليتها على من يُشرّعون غطرسة حُكام البحرين»، مشيراً إلى أن «التعرض لحرمة الشيخ يُشعل النار في البحرين والمنطقة بأسرها». وفي حديثه لوكالة «يونيوز» قال سليماني إن «ممارسات آلِ خليفة لن تُبقي خياراً للشعب إلا المقاومة المسلحة»، باعتبار أن التعرّض للشيخ هو «خط أحمر لدى الشعب». وفي لبنان، دان حزب الله الخطوة غير المسبوقة، ودعا «شعب البحرين الى التعبير الحاسم عن غضبه وسخطه بسبب النيل من رمزه الكبير». وأضاف أنّ «السلطة بحماقتها وتهوّرها تدفع الشعب البحريني إلى خيارات صعبة ستكون عاقبتها وخيمة على هذا النظام الديكتاتوري الفاسد». أما من العراق، فأعلن الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، أنّ «العصائب مستعدة لدعم الشعب البحريني في مواجهة النظام إذا ما تعدى الخطوط الحمر»، مشيراً إلى أن «الوسائل السياسية لا تكفي وحدها».
النظام البحريني وضع الخطوة امس في سياق «مواجهة كافة قوى التطرف لمرجعية سياسية دينية خارجية». وزارة الداخلية اتهمت قاسم بـ«استغلال» المنبر الديني «لخدمة مصالح أجنبية»، والتشجيع على «الطائفية والعنف». ويندرج هذا الإعلان في سياق حملة شرسة شنّها النظام في محاكمه، وصحفه الموالية ضد رجال دين، وعلى رأسهم عيسى قاسم. كان متوقعاً من السلطات البحرينية إجراء بحقه، لكن ليس بهذا الحجم. إذ حملت الأيام الماضية إشارات تشي بتضييق الخناق على قاسم، ومنعه من إقامة صلاة الجمعة في مسجد الإمام الصادق في الدراز. ليكون بذلك على رأس المستهدفين، في محاولة من حكّام المنامة لحصر نشاط رجال الدين في الفقه والحوزة، ومنعهم من تناول الشأن السياسي، والتأثير على الحراك المستمر منذ 2011.
ولحكّام المنامة حساباتهم الخاصّة، وعوامل أسهمت في إنضاج هذا القرار، وخصوصاً بعد إعلان قاسم «رفضه التام لقرار الحكومة بمنع جمع أموال الخمس، واستعداده لمواجهة الحكومة». فما كان من السلطات إلا مصادرة اموال الخمس (التي يُقال إنها بلغت 50 مليون دولار اميركي)، والبدء باستدعاء عدد من رجال الدين إلى مراكز التحقيق.
وحالما صدر خبر القرار، صدحت المآذن بالتكبير في منطقة الدراز، حيث يقطن قاسم. تجمّع المئات أمام منزله مرتدين أكفانهم البيضاء، إعلاناً منهم عن استعدادهم للموت دفاعاً عن رمزهم.
بدوره، قال رئيس «المجلس العلمائي» البحريني، السيد مجيد المشعل، «هذه عباءتي فلتسلّم لعائلتي كفناً... لا نريد العيش في وطن بلا آية الله قاسم».