اذا كان قرار المكتب السياسي لحزب الكتائب بفصل وزير العمل سجعان قزي من الحزب قد فاجأ معظم الاوساط السياسية بعدما كان الوزير المفصول حزبيا قد أبدى ملامح مرونة قبل ساعات من صدور القرار أوحت باحتمال مرور المأزق الحزبي الناشئ عن قرار الاستقالة من الحكومة من دون "كي"، فان قرار الفصل نقل وجهة المأزق الى الداخل الحكومي تكراراً. فمهما قيل في ملابسات تجربة جديدة من تجارب "التمرد" الحزبية المتصلة بالكتائب او بسواه من الاحزاب، وهي ليست بغريبة عن واقع الاحزاب المسيحية خصوصاً واللبنانية عموماً، لا تترك واقعة فصل الوزير قزي من الكتائب اي شك في ان خصوصية هذا التطور تتصل اولا وأخيراً بواقع تأكل الحكومة والاهتراء التصاعدي في ادائها الذي تسبب في المقام الاول بخروج حزب الكتائب منها اعتراضاً على مقاربات ومعالجات حكومية باتت تجرجر ذيول التعثر والعجز عن احتواء الكثير من العلل التي اصابتها. واذا كانت خطوة الاستقالة الكتائبية أثارت شكوكاً في صوابيتها وتوقيتها، فان الثابت انه بمعزل عن الاهداف الخاصة بالحزب لن يكون واقع الحكومة بمنأى عن اهتزازات اضافية متعاقبة ما دامت التراجعات تطبع نمط عملها وسط تعامل معظم القوى المشاركة فيها مع الملفات الشائكة على قاعدة تقطيع الوقت وقنص المكاسب من دون أي جرعات أو مقويات باتت الحكومة تحتاج اليها بشدة مع "تقادم " عمرها الاضطراري.
في أي حال لم تكن الاستقالة الكتائبية زوبعة في فنجان بل اكتسبت دلالاتها الجدية مع قرار الحزب فصل الوزير قزي بما يعني انهاء واقع تصريف الاعمال بما يضع الوزير المفصول أمام الاحتمال الاقرب وهو الاستمرار في منصبه وممارسة مهماته الكاملة كأن استقالته لم تكن، فيما سيكون الحزب خارج التمثيل الحكومي تماماً ويجري التعامل مع قزي باعتباره وزيراً مستقلاً. وقد لفت في قرار المكتب السياسي الكتائبي انه رد على رئيس الوزراء تمام سلام "آسفاً لما صدر عنه واعترافه علناً بأنّ الفساد والصفقات هي القاعدة السائدة في هذه الحكومة وفي البلد". واعتبر "أن اقرار رئيس الحكومة هذا، أمر خطير للغاية، لا بل هو تسخيف لعملية هدر أموال الدولة ونهبها بدل مواجهتها بكل الأُطر المتاحة". كما انتقد "غياب الحكومة عن التحديات السياسية التي يواجهها لبنان كالنزوح السوري والتفلت الأمني والوضع الاقتصادي الضاغط وتهديد القطاع المصرفي، وغيره" مضيفاً ان "ذلك يشكّل أسباباً إضافية تؤكد صوابية قرار الكتائب القاطع والنهائي بالاستقالة الكاملة من الحكومة تشمل الامتناع عن تصريف الاعمال وتعزّز اصرار الكتائب على مواجهة الامر الواقع المفروض على اللبنانيين". وأعلن انه "بناءً على مطالعة الأمانة العامة للحزب والتي تضمّنت مخالفاتٍ واضحة ارتكبها الوزير سجعان قزي للنظام العام في الحزب، اتخذ المكتب السياسي الكتائبي قراراً قضى بفصل الوزير سجعان قزي فصلاً نهائياً من حزب الكتائب". وشدّد على "أنّه سيتعاون مع الجميع دون أحكام مسبقة، وسيضع يده بيد القوى والأحزاب السياسية وبيد المجتمع المدني لتحقيق التغيير الذي يتوق إِليه اللبنانيون".

قزي
وعلّق الوزير قزي على تطورات يوم أمس فقال لـ"النهار": "شعوري الان هو الحزن والحريّة في وقت واحد.. آسف ان تكون هذه المجموعة إتخذت قراراً بفصل كتائبي ساهم في مسيرة الحزب ونهضته. انه قرار خاطئ.فكما كان قرار الاستقالة خاطئا,كان قرار الإقالة خاطئاً أيضاً. ولكن على رغم كل ذلك أجدد محبتي لكل رفاقي الدائمين، وأتوجه بتحية محبة الى فخامة الرئيس الشيخ أمين الجميّل وأنني أفهم مشاعره في هذه اللحظات". وأضاف: "غداً يوم آخر. فبعد قرار الصرف التعسفي وعوض أن يتلقفوا ما طرحته نهاراً للخروج الى الحل، تلقفوه للإنزلاق أكثر فأكثر في الخطأ". وإذ شدد على أنه لا يزال مقتنعا بتصريف الاعمال أعلن أنه تلقى إتصالا مساء أمس من الرئيس سلام وهو سيتشاور معه في المرحلة المقبلة قائلاً: "أحيي صمود الرئيس سلام ونزاهته وشفافيته وتحمّله المسؤولية طوال هذه المدة في سبيل لبنان".

 

طاولة الحوار
الى ذلك، تتجه الانظار اليوم الى الجلسة الجديدة لهيئة الحوار الوطني التي ستعقد في مقر رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة والتي أثيرت حولها تساؤلات مسبقة عن طابعها التقريري للنقاش الجاري حول ملف قانون الانتخاب. ذلك ان هذه الجلسة تعقد وسط "احتكام" اللجان النيابية المشتركة في جلستها الاخيرة الى طاولة الحوار من منطلق كونها موقع القرار السياسي الحاسم حول قانون الانتخاب قبل ان تعاود اللجان جلساتها غداً. كما تعقد وسط انتظار الرئيس بري اجوبة الزعماء السياسيين ورؤساء الكتل النيابية عن مبادرته للتوافق على قانون انتخاب جديد تجرى على اساسه انتخابات نيابية مبكرة او على اساس القانون الحالي اذا تعذر التوافق على قانون جديد ومن ثم يجري التزام انتخاب فوري لرئيس الجمهورية. وتوقعت أوساط معنية بالحوار فلش مشاريع القوانين الانتخابية في جلسة اليوم مع التركيز على الصيغة المختلطة بين النظامين الاكثري والنسبي من دون أي أفق واضح يشجع على ترقب نتائج ايجابية مخالفة للاجواء التي تسود اجتماعات اللجان المشتركة. وعزت ذلك الى غياب قرارات سياسية حاسمة بالتوصل الى جوامع مشتركة حول ملف قانون الانتخاب نظراً الى الترابط الوثيق بين كل ملفات الازمة السياسية والرئاسية الامر الذي يسلط الضوء على ما سيقوله بري في خلاصات الجولة الحوارية عن مبادرته وما اذا كان سيبقى متمسكاً بها اذا انتهت الى تكريس المراوحة والدوران في الحلقة المفرغة.

الامن
وسط هذه الاجواء، أبرز الاجتماع الامني الذي عقد أمس في السرايا برئاسة الرئيس سلام في حضور وزيري الدفاع سمير مقبل والداخلية نهاد المشنوق وقائد الجيش العماد جان قهوجي وقادة الاجهزة الامنية (باستثناء المدير العام لجهاز امن الدولة) تقدم أولوية الوضع الامني في هذه المرحلة. وأفادت معلومات ان المجتمعين شددوا على استمرار الاجراءات المتخذة في المناطق حفاظاً على أعلى مستويات اليقظة والجهوز بعدما عرض القادة العسكريون والامنيون تفصيليا طبيعة هذه الاجراءات. وقالت مصادر معنية لـ"النهار" إن التقارير التي عرضت لم تشر الى معطيات جديدة عن التهديدات الارهابية وان الاجراءات المتخذة بدت متينة ومطمئنة الى مستويات التحفز الامني الاستباقي لمواجهة أي استهدافات محتملة. وأكد الوزير المشنوق خلال لقائه امس السفير البريطاني هوغو شورتر ان "الامن ممسوك"، مشيراً الى ان لبنان "هو من الدول القليلة التي نجحت فيها القوى العسكرية والامنية في القيام بعمليات استباقية وكشف شبكات الارهاب".